صلاح شعيب
لم تسفر بعد نتيجة التحقيق حول حادثة العطب الذي واجه مايكروفونات المؤتمر الصحفي الذي عقده مؤخرا رئيس الوزراء بجانب وزير الخارجية الألماني. ولكن بعض النشطاء، والكتاب، اتهموا كوادر الدولة الإخوانية العميقة بتدبير هذه الحادثة. بل حذر مراقبون في السابق من إمكانية إفشال فلول النظام السابق المرحلة الانتقالية، أو وضع المتاريس أمام الحكومة الجديدة، وبالتالي يتم تفريغ الثورة من معانيها ثم عندئذ يُعاد إنتاج الفكرة القديمة، أو دفع البلاد نحو أتون الفوضى العارمة.
الحقيقة أن الاتفاق بين قوى الحرية والتغيير وبين المجلس العسكري ترك بعض الأمور معلقة، على ما في الاتفاق من تنازلات جوهرية نتيجة لطبيعة التفاوض. وأخطر هذه الأمور دور الكوادر الامنية للنظام السابق، والتي تنتشر في جسد الدولة، والمجتمع، وفي تجمعات السودانيين بالخارج.
حتى الآن ما تزال هذه الكوادر تشغل المواقع الحساسة في الدولة، فضلا عن ذلك يسيطر فلول النظام على مناحي الاقتصاد، والتعليم، والتجارة – استيرادا، وتصديرا – والإعلام التقليدي، والجهاز الدبلوماسي، ويسيطرون أيضا على كثير من المنظمات غير الحكومية الواضحة النشاط، والمستترة، والمزدوجة السمات. طبعا هناك في أركان الدولة جميعها موظفون مؤدلجون، وآخرون انتهازيون، أو هناك بعضهم الذين وظفتهم الواسطة، أو صلات القرابة. وربما تجد وسط هذه الكوادر في القطاع العام والخاص من الانتهازيين الذين هم أكثر شراسة في مقاومة التغيير الذي حدث من المؤدلجين إخوانيا.
لا يدرك أي شخص نوايا كوادر النظام في التعامل مع الواقع الجديد، ولكنا ندرك أن معظمهم سيعملون على تفريغ الثورة من مضامينها. وقد لاحظنا مؤشرات هنا وهناك في أكثر من مجال تؤكد وجود نوايا سيئة لإفشال الثورة منذ سقوط البشير. ولولا صمود، وجسارة، ومثابرة، الشباب الثائر لتمكن فلول النظام في فرض جميع أجندتهم في خلاصات التغيير. وإذا رصدتم نشاط التلفزيون الرسمي لكفاكم في معرفة نوايا المؤدلجين والانتهازيين من الفلول.
السؤال الذي يشغل بالنا هو : ما هي الاستراتيجية التي يتعامل بها رئيس الوزراء، والوزراء المختارون، مع هذا الكادر الضخم الذي زرعته الحركة الإسلامية في الدولة، وسائر مناحي العمل العام، مع الأخذ في الاعتبار أن النظام القديم برع في اختراق كل ركن في البلاد عبر كوادر سرية، ولا نستبعد أن بعضهم ركب قطار الثورة لتفجيرها من الداخل؟.
إن نجاح الثورة في تحقيق أهدافها المتمثلة في جلب الحرية، والسلام، والعدل، يتطلب وجود نظام جديد للدولة بكوادر جديدة، والتي تؤمن بالأهداف العليا التي نشدها الشعب السوداني. ولا نتصور أن أحدا من الشهداء الثوار كان يثق في أن كوادر النظام القديم سيعملون على خدمة الوزارة الجديدة. ولذلك نتوقع أن نجاح حمدوك، وزملائه، يعتمد بقدر كبير على قدرتهم لمعالجة أمر هذا الجيش الجرار الذي زرعه النظام في أجهزة الدولة، والقطاع الخاص، ذلك قبل وضع السياسات العامة لإصلاحها. فلا إمكانية لأي ثمار للتغيير في ظل سيطرة فلول النظام على الدولة، وتوابعها من مؤسسات خارج نطاق سلطتها.
وحتى هذه اللحظة لا يعرف الرأي العام شيئا عن الموظفين، والحراس، الذين سيقومون بتدبير شؤون أعضاء المجلس السيادي، وحمدوك، والوزراء الجدد. بل إننا نريد الاطمئنان من الذين يخدمون بالبارد والساخن في مكاتب المسؤولين الجدد، ويقودون سياراتهم، ويقومون بحراسة منازلهم. بل يبقى السؤال قائما: هل هناك جهات تابعة لقوى الحرية والتغيير قامت بفحص مكاتب حمدوك نفسه، وسكنه، والأشخاص الذين يخدمونه، ويحمونه، وهل الأمر ينطبق على قيادات الثورة الذين يباشرون العمل حكوميا في بحر الشهور القادمة، أم أن ثقة قوى الحرية والتغيير في أجهزة الدولة كبيرة بما يجعلها تحسن الظن في الذين قتلوا المعارضين في قبوات التعذيب، وفي تظاهرات الشارع؟
وعلى كل حال ينبغي لرئيس الوزراء، ووزرائه الجدد، تنوير الرأي العام حول ما هو مطلوب إزاء التعامل مع جيش الدولة العميقة، وكذلك إعلامنا بالإجراءات المتبعة حتى الآن لحماية قيادات الحكومة الجديدة أمنيا، وحفظ أسرار الدولة، ومنع تدبير الأزمات المحبوكة، خصوصا أن سقوف النظام القديم في الفعل السئ لا تحدها التزامات دينية، أو أخلاقية، أو تربوية. إذ علمتنا تجربة الثلاثة عقود أننا كنا نعايش نظاما فاق النازية في السوء.