العنف ليس إحتكاراً للفئة المُستغِلة ولهذا يمكن للفئة المُستغَلةإستخدامه أيضاً، وعلى ذلك يجب أن يستخدموه عندما تحيناللحظة.
تشي جيفارا
حتى لا ننسى لماذا ثار الجنوبيون في عام 1955م ولماذا قامت جبهة نهضة دارفور ومؤتمر البجة في ستينيات وخمسينياتالقرن الماضي ولماذا حمل النوبة والأدوك والأنقسنا والبجا والفور والزغاوة والمساليت وغيرهم من القبائل غير العربية السلاح في وجه الدولة السودانية الرسمية وجيشها، وحتى لا ننسى لماذا تشكل وعي خاص لمليشيات قبائل الرحل العربية من البقارة والأبالة المنتمية لما يعرف بالهامش السوداني. كل هذه المكونات هي بطريقة أو بأخرى في مواجهة أو في شبح مواجهة مستمرة مع الجيش السوداني الرسمي، أو ما يعرف سابقاً بقوة دفاع السودان ثم بقوات الشعب المسلحة ولاحقاً بالقوات المسلحة السودانية. ومن المعروف بأن الدولة الحديثة ترتكز على إحتكارها وسيطرتها المركزية على وسائل العنف وإستخدامها نيابة عن مواطنيها لصالحهم، وعندما نقول لصالحهم فهذا يعني لصالح جميع المواطنين المنتمين لهذه الدولة وهو مالم ولن يحدث في الدولة السودانية بشكلها الحالي. إن الدولة السودانية الوطنية الحديثة منذ نشوئها رسمياً في العام 1955م إستخدمت وسائل عنف الدولة صراحة ودون مواربة أو خجل ضد مكونات معينة داخل هذه الدولة وإستمرت في هذا الإستخدام للعنف ضد هذه المكونات بصورة متسقة حتى هذه اللحظة. إن هذا الإستخدام المتسق للعنف ضد هذه المكونات المعينة كان نتيجة مباشرة لتسلم مكون معين آخر وهم الشماليين، العرب المسلمين من السكان الأصليين لوسط وشمال السودان، لزمام أمر هذه الدولة فور نشوءها ووضعهم لتصوراتهم عن هذه الدولة موضع التنفيذ دون تردد أو شك في صحة هذه التصورات، بما فيها تصورهم عن أنفسهم كطبقة إثنية سيدة ومتفوقة على غيرها وبالتالي ذات رسالة تجاه المكونات الإثنية الأخرى برعايتها وتوجيهها التوجيه الصحيح نحو بوتقة الإنصهار الشمالية المتفوقة. وأدى هذا في ما بعد لتشكل وعي ما يسمى بالهامش السوداني بأنه غير معني بهذه الدولة وبالتالي بالضرورة فإنه غير معني بمؤسساتها وبالتأكيد من ضمن هذه المؤسسات الجيش السوداني. لقد وضح جلياً لمكونات الهامش السوداني بأن هذا الجيش لا يخصه من قريب أو بعيد وبأنه يعبر تماماً في ممارسته للعنف عن وجه النظر الشمالية ويدافع عنها علناً، وكان ولا زال على إستعداد تام لإبادة كل المكونات الأخرى التي تختلف مع وجه النظر الشمالية تلك دون أي تحفظات في حالة توفر الإمكانيات. لهذا فإن هذا الجيش – وقد قلنا هذا من قبل – هو جيش الشماليين الخاص الذي يدافعون به عن أنفسهم ووجودهم. لقد كان نتيجة وعي الهامش بهذه الحقيقة، التي إختبرها عملياً بالطريقة الصعبة، كسر إحتكار الدولة – التي تمثل الشماليين – لوسائل العنف المنظم ونتج عن ذلك سباق تسلح إثني داخل هذه الدولة تمخض عن الأوضاع المعقدة والشاذة التي تعيشها هذه الدولة الآن، بيد أنه حتى هذه اللحظة فإن الشماليين هم أكبر إثنية مسلحة على الساحة السودانية وكانت ولا زالت تشكل أكبر خطر على باقي الإثنيات الأخرى، وسلاحها الفتاك هو الجيش السوداني وبالتالي فإن الشماليين هم بلا منازع الإثنية الوحيدة كاملة التسليح. يحلو للشماليين إظهار أنفسهم كإثنية مسالمة متحضرة منزوعة السلاح محاطة بإثنيات متخلفة متوحشة مسلحة تريد أن تمحوها من الوجود في حين أن العكس تماماً هو الصحيح، ولولا تسلح الشماليين بالدولة بأكملها ومساعيهم الحثيثة والتي ينطقونها صراحة لمحو الآخرين لما تسلح هؤلاء الآخرين للدفاع عن أنفسهم مع رد فعل مضاد بدورهم لمحو الشماليين. في الحقيقة رغم أن الشماليين كإثنية واعية لنفسها ذات أيدلوجيا محددة تمر حالياً بأكبر مأزق لها في تاريخها المعاصر بكسر حلفائهم من العرب الرحل لإحتكارهم للسلاح في عقر دارهم بما يمكن أن نطلق عليه أزمة الدعم السريع وآل دقلو، إلا أن هذا لم يغير من وضعيتهم بأنهم الإثنية الأكثر تسلحاً حتى الآن، وبأن أزمتهم مردها بأن هذه الإثنية لا تقاتل مباشرة عن طريق أبنائها وجميع صراعاتها المسلحة في داخل الدولة السودانية الوطنية المعاصرة خاضتها عن طريق الوكالة أو تجنيد الآخرين ليقاتلوا نيابة عنها بينما يكتفون هم بالمناصب القيادية (كالضباط في الجيش مثلاً)لتوجيه القتال لصالحهم، ولهذا نلاحظ أن من سمات الجيش السوداني بأنه لا يهتم بالخسائر من جانبه وفي نفس الوقت لا يحتفظ بأسرى بما أن الخسائر والأسرى غالباً من المكونات العدوة حسب الآيدلوجيا الشمالية. وضعية القتال بالوكالة هذه تضع الشماليين في وضعية حرجة عندما يصبح القتال في عقر دارهم ووسط أملاكهم وأسرهم وأهاليهم وهي وضعية لم يتعرضوا لها من قبل منذ تأسيس الدولة الحديثة الأخيرة على يد المستعمر الإنجليزي. وهذا هو سر عدم مقدرة الشماليين حالياً على إتخاذ قرار وجودي حاسم قبل أن يتم تجريدهم من السلاح ويصبحوا إثنية عادية داخل الدولة السودانية تعتقد ما تشاء دون القدرة على فرض معتقداتها على الآخرين. نظرياً ورغم كل ما سبق فإنه لا زال للشماليين فرصة للحفاظ على سلطتهم عن طريق دعوتهم التي لا تكل ولا تمل بجميع مشاربهم وتوجهاتهم بما فيهم أحياناً من ينتمون لحركات الهامش المسلحة لجميع الأطراف الحاملة للسلاح للإندماج في القوات المسلحة وفق ما يسمى بالترتيبات الأمنية ودعايتهم من داخل حتى الحركات المسلحة بأن الجيش السوداني هو الجيش الوطني الشرعي الذي يقاس عليه والذي يجب بطبيعة الحال أن تندمج فيه جميع القوى الأخرى بعد توقيع السلام وبأنه جيش لكل السودانيين ولكنه يتم إختطافه بين كل فينة وأخرى من مجموعة شماليين أشرار يقوموا بالتنكيل بكل السودانيين وليس أبناء الهامش فقط. وفي الحقيقة فإن هناك إجماع بين جميع الشماليين بما فيهم من يدعون الراديكالية اليسارية بأنه يجب أن لا تتم هزيمة أو حل الجيش السوداني تحت جميع الظروف مهما كان الثمن، وسأقوم فيما يلي بإيراد إقتباس من مقال سابق – مستقلين .. شيوعيين .. الثنائية غير البنائة وأزمة المثقف السوداني – يوضح ملحوظة أحد المناضلين الجنوبيين وهو د. لام أكول في هذه النقطة، وهذا هو الإقتباس يبدأ مع القوس:( لدكتور لام أكول في كتابه (الثورةالشعبية لتحرير السودان ـ ثورة أفريقية) تلميحات عن المواقفالغير إيجابية للقوى اليسارية وخصوصاً الحزب الشيوعي تجاهالحركة الشعبية الأم إبان إنضمامه إليها في الثمانينات رغمرفعها لشعارات ماركسية قحة في ذلك الوقت، وللذين لا يعرفونتاريخ الرجل بالمناسبة فقد كان نجماً سياسياً يسارياً معروفاً فيالشمال قبل إنضمامه للحركة الشعبية رسمياً في العام 1986مبعد فترة من العمل السري ومعروف عنه أنه شخص متوقد الذكاءولهذا لا يمكن أن تكون ملاحظاته سطحية، وإحدى هذهالملاحظات والتي سنقوم بإيرادها هنا كانت في سياق فترةإنتفاضة أبريل 1985م التي أطاحت بالنميري، وهو يتحدث عنالتجمع الوطني لإنقاذ البلاد والذي حوى كل القوى اليساريةوعن المجلس العسكري الإنتقالي. ونورد هنا الإقتباس حرفياً دونأي تدخل أو تعديل كما ورد في الصفحة رقم 289 من كتابه وهوكما يلي:- ’’رفض الجيش الشعبي لتحرير السودان التفاوض معالجنرالات في الوقت الذي إعتبر نفسه حليفاً للتجمع. ولكن مهماتكن الفوارق بين المجموعتين إلا أنهم متفقون على موضوعسياسي رئيسي ولهم فيه فهم موحد ألا هو أن الجيش السودانيهو رمز الوحدة الوطنية وأنهم سوف لن يسمحوا بتدميره أوهزيمته. بكلمات أخرى فأن أي تعاون بين التجمع الوطني لإنقاذالبلاد مع الجيش الشعبي لتحرير السودان لابد أن يستبعد أيإنتصار حاسم للجيش الشعبي في ميدان المعركة على الجيشالسوداني. قلة من الشماليين السودانيين يمكنهم المناقشة علناًعن قسوة ومجازر الجيش في الجنوب أو حتى الشك فيمصداقية البيانات التي تصدر من الجيش عن الحرب. هذا ميثاقغير مكتوب يوحد شمال السودان. أدرك العقيد جون قرنق هذهالحقيقة بالطريقة الصعبة عند إستيلاء الجيش الشعبي علىالكرمك في عام 1987م. حينها قامت الحكومة بإطلاق تصريحاتمن شأنها تأجيج الحرب وإثارة المشاعر العدوانية في الشمال،وتم مناشدة الجميع للمساعدة في الدفاع عن البلاد من«العدوان». بعد ذلك جمعت التبرعات المالية والمادية للمساهمةفي تحرير الكرمك من دنس المتمردين. من ضمن الذين تم عرضهمبطريقة ملفتة في وسائل الإعلام السودانية وهم يقدمونالتبرعات لهدف التطهير هذا كان السيد محمد إبراهيم نقدسكرتير عام الحزب الشيوعي يحيط به رفيقاه الآخران واللذينكانا عضوين في الجمعية التأسيسية.ʽʽ إنتهى الإقتباس. وفيإقتباس آخر من الصفحة التالية ، صفحة 290 في نفس الموضوع: ’’لقد ظل الجيش على الدوام موالياً للحكومة الموجودة فيالسلطة، وهذا الأمر ليس مثار دهشة خاصة إذا علمنا أن سجلهالوحيد في المعارك كان ومازال في الحقيقة هو الحرب فيالجنوب فقط (أنسى عن الرحلات القصيرة إلى مصر والعراق)،وهو موضوع قل مايختلف عليه الشماليون.ʽʽ إنتهى الإقتباس. ما الذي يجعل الدكتور لامكول يحمل إنطباعاً كهذا؟.) ينتهي الإقتباس مع القوس ونعود لمقالنا الحالي. في الحقيقة فإن أي حل جذري لتوحيد الشعوب السودانية داخل دولة واحدة لا ينطوي على حل الجيش السوداني وإبداله بجيش جديد تماماً تشارك في تكوينه جميع المكونات المسلحة السودانية وليس إدماج هذه المكونات داخل الجيش السوداني بإعتباره المعيار والأصل هو إلتفاف للحفاظ على سلطة وإمتيازات الشماليين.
قياساً على ذلك فإن كان ما كتبه الأستاذ الدكتور محمد جلال هاشم وهو غني عن التعريف (كنبذة فهو من عرابي ومنظري ومفكري الحركة الشعبية والحركة المستقلة وحركة الهامش وأحد المرجعيات الهامة لمثقفي الهامش) عن الترتيبات الأمنية في مقاله المعنون (الملامح العامة للترتيبات الأمنية في مفاوضات السلامما هي؟ وما أهميتها؟ وكيف يمكن إنجازها على الوجه الأكمل؟) والمنشور في الأسافير بتاريخ 2 أبريل 2021م يعني أن هذه هي الترتيبات الأمنية في شكلها القياسي المعروف الذي تطرحه وتسعى إليه دوماً الدولة، والذي فصله وشرحه كخبير في التفاوض، هو ما وقعت عليه أو ما ستتفاوض عليه الحركة الشعبية بقيادة عبدالعزيز الحلو ناهيك عن التنازل السابق عن كلمة العلمانية صراحة، بالإضافة لعدم الإشارة أو بالأحرى إسقاط عبارة تقرير المصير عن إتفاق إعلان المباديء فإن هذا يمثل مفاجأة مقلقة لقطاع كبير من جمهور الحركة الشعبية خصوصاً غير الشماليين من السكان الأصليين لما يعرف بالمنطقتين وتثير العديد من الأسئلة، وأقل سؤال يمكن إثارته ما هو الفرق العملي بين ما إتفق عليه ياسر عرمان ومالك عقار مع حكومة المخلوع البشير وأدى لأزمة مارس 2017م الشهيرة وإستقالة الحلو ورفضها من قبل الحركة الشعبية وفصل ياسر ومالك من التنظيم وإندلاع إشتباكات مسلحة مؤسفة في جنوب النيل الأزرق؟ قد يبدو أن الجديد هو إدراج بنود فصل الدين عن الدولة، هوية الدولة، وتفكيك التهميش. في الحقيقة لقد تطرقنا في مناسبات سابقة بأن التنازل عن تقرير المصير أو تغبيش المطالبة به أو جعلها ضمنية وغير واضحة صراحة جهاراً يعني إعطاء الحكومة الشمالية شيك على بياض وما إتفاقية نيفاشا وبند المشورة الشعبية المعيب والخطير والذي أثبت خطورته البالغة في ما بعد ببعيد عن الذاكرة، إن الحكومة الشمالية يمكنها أن تبصم بالعشرة على جميع مطالب المناضلين الذين يحملون السلاح من الهامش بعد التظاهر بالتمنع والتماطل والتطويل لتوحي بغلاوة هذه التنازلات عند تقديمها، ولكن محكها الحقيقي في التفاوض هو الترتيبات الأمنية وتقرير المصير، فإذا تمكنت من إبعاد تقرير المصير من أجندة التفاوض وجعلت جيشها هو المرجعية والجسم الذي يتم الإندماج فيه وفق الترتيبات الأمنية فإنها تعتبر نفسها لم تقدم شيئاً وخرجت من المفاوضات بدون خسائر تذكر، في الحقيقة فإن الموافقة المبدئية للتفاوض على فصل الدين عن الدولة وإظهارها كتنازل تاريخي للتفاوض مع الحركة الشعبية بقيادة الحلو لا تعني أي شيء، لقد علقت من قبل في إحدى مواقع التواصل الإجتماعي في نقاش بهذا الخصوص بأن الشماليين يمكنهم بسهولة وبجرة قلم إعلان علمانية الدولة دون أن يرمش لهم جفن لأنه في الحقيقة فإن هذه الدولة حتى العام 1983م كانت دولة علمانية وتم أسلمتها جزئياً في ما يعرف بقوانين سبتمبر حتى قامت الإنقاذ بمحاولات حثيثة لأسلمتها كلياً حتى سقوطها في أبريل 2019م. بالنسبة للشماليين فإن العلمانية في حد ذاتها ليست بعبعاً كبيراً سوى أنها عامل مهدد لهم في سيطرتهم وقمعهم للمرأة بعد أن زحفت على مجتمعاتهم قيم الدولة الحديثة ولا يمكن أن نقول بأن هذا لاينطبق على قطاعات كبيرة من الهامش المتبقي بعد إنفصال الجنوب، إن ما يهم الشماليون هو الحفاظ على سيطرتهم على وسائل عنف الدولة ثم يمكنهم بعد ذلك التوقيع على كل ما يريده مناضلوا الهامش على الورق وينصرفوا عن طاولة المفاوضات ليطبقوا ما يحلو لهم، وتحت أقصى الظروف إعطاء تقرير المصير بل وتشجيع إنفصال من يشكل لهم خطورة حقيقية في إعاقة تطبيق ما يحلو لهم كما حدث مع الجنوب، بحيث لم يستطيعوا تذويب الجيش الجنوبي ولم يكن محتملاً لهم مشاركة الجنوبيين سلطة حقيقية داخل دولة واحدة. ولهذا كان ترتيب أولوياتهم الحقيقية دوماً هو الحفاظ على جيشهم بشكله المعروف ثم إعطاء تقرير مصير حقيقي لكل من لم يستطع جيشهم هزيمته.
إنه حتى الآن من غير المعروف كيف ستضمن الحركة الشعبية تنفيذ بنود الإتفاق السياسي إذا كانت ستدمج جيشها في الجيش السوداني وفق الترتيبات التي ذكرها الدكتور جلال هاشم؟ وكيف تضمن إستمرار تنفيذ فصل الدين عن الدولة وهوية الدولة وتفكيك التهميش إذا كانت ستفقد جيشها بنهاية الفترة الإنتقالية حسب إعلان المباديء؟ وأرجو أن يتم فهم السؤالين جيداً، فنحن نعلم بأن هناك فقرة واضحة بإكمال الدمج بعد تنفيذ البنود، وما تجربة إتفاقية أديس أبابا 1972م ببعيدة، لقد نفذ النميري الإتفاق وبنوايا حقيقية للتنفيذ، ولكن هل إستطاع الجنوبيين حماية الإتفاق بعد أن تم دمج جيشهم ونكص النميري عن الإتفاق؟ إن الترتيبات الأمنية التي يبشرنا بها الشمالييونمن أعتى جنرال همجي محافظ إلى أقصى بروفيسور ليبراليمتحضر ظلت دوماً هي واحدة ومتسقة منذ أول مفاوضات في تاريخ السودان الحديث، وهي تمثل مصلحة الدولة، وفي مخيلة الأول الحفاظ على الوحدة والأمن والنظام الإجتماعي الموجود وهذا لب مهنة الجنرال المنتمي للدولة، وفي مخيلة الأخير الحفاظ على الوحدة وإصلاح الدولة من الداخل وهو من لب مهنة البروفيسور المستنير الذي يعمل من داخل إطار الدولة، بينما يعمل المناضل المهمش خارج إطار الدولة والقانون اللذين لايعترف بهما أصلاً وإلا لأصبح سياسياً داخل هذه الدولة وإنتهى الموضوع، وهو الأمر الذي جربه يوسف كوة ورفاقه – وحتى مالك عقار – في السبعينات والثمانينات ومن قبلهم عتاة الساسة الجنوبيين في الخمسينات والستينيات من القرن الماضي ولم يجدي نفعاً، ولا يمكن الدفع بإختلاف الظرف الآن وبأن ثورة ديسمبر قائمة، وقد سبقتها ثورتان شبيهتان إكتوبر وأبريل وقد دفعنا من قبل بأنهم جميعاً ثورات تخص الحاضنة الشمالية وقضاياها وليس لها علاقة بالهامش وقضاياه وإن كان هناك بعض التشابك في عدد من القضايا ولكن يبقى لكل قضاياه الملحة وخلطها برهن دوماً على تضرر الهامش وتمييع قضاياه. ومصلحة الدولة حتماً ليس لها علاقة بمصلحة المهمشين إذا لم يستطيعوا تحقيق إنتصار حاسم على هذه الدولة، وترتيباتها الأمنية هي ترتيبات ليست مقدسة حتى لو كانت الترتيبات المعتمدة لدي المجتمع الدولي فالمجتمع الدولي يقف دائماً مع الدولة النظامية حتى ولو كان على رأسها شيطان بدعوى الحفاظ على النظام Order وطالما قدم هذا الشيطان فروضاً معينة لهذا المجتمع، وبغرض الدعاية يصدر هذا المجتمع الدولي خطاب خيري متعاطف مع المهمشين لتهدئتهم وإقناعهم بأنه يقف معهم، تخيلوا كيف كان سيكون وضع الأكراد والشيعة في العراق ولبنان إذا كانوا قد رضخوا لشكل الترتيبات الأمنية التي يبشرنا بها الإخوة الشمالييون بغض النظر عن التقدم الذي تم تحقيقه في هاتين الدولتين واللتين لازالتا تبحثان عن صيغة لِتقدُم جميع المكونات الوطنية سوياً قدماً بحافر أو فلتظل المشكلة قائمة وبسلاحي لن تحل المشكلة على حسابي! أو إعطني شعبي وأرضي وستكون هناك علاقات أخوية طيبة بيننا، فحتى الأسرة الواحدة تسكن في غُرَف منفصلة وفي حالة تعذر العيش تحت سقف واحد حتى في غرفة منفصلة فمن الطبيعي الإنفصال عن الأسرة وتكوين منزل خاص أو حتى قطية أو كُرنُك في الخلاء وهذا قرار حسب فداحة الأوضاع داخل هذه الأسرة حيث أحيانا يمكن أن تتشرد في العراء والمجاري لتنفصل! إن أي ترتيبات أمنية إذا كانت ستقوم على مبدأ تضحية الجميع من أجل السلام والوحدة يجب أن تنطوي على الأقل على حل جميع الجيوش الموجودة وأولها الجيش السوداني وتكوين جيش جديد تماماً تشرف على تكوينه سياسياً جميع المكونات السودانية وفنياً قيادات جميع الجيوش المحلولة دون أي إمتياز في تكوينه بأي صورة من الصور لقيادات الجيش السوداني الموجود حالياً.
كوكو موسى