ألمشكلة الأولى هي عدم الوصول لاتفاق سلام شامل, مع كل الذين ناضلوا وكافحوا و وقفوا في وجه النظام البائد بشرعية قوة السلاح, الذين لم يتم استيعابهم في تشكيلة السلطة الانتقالية حتى هذه اللحظة, على رئيس الوزراء أن يعتمد آلية جديدة غير تنسيقية (قحت) المختصرة والمتحزبة, لتنصهر داخل هذه الآلية الجديدة رؤى وافكار جميع مكونات الشعوب السودانية دون فرز, نقول هذا لأن هنالك بعض التسريبات التي توحي بأن (قحت) ضائقة زرعاً بمآلات استحقاقات السلام المرتقب, وقد تقوم بعرقلة عملية اشراك قوى الكفاح المسلح في العملية السياسية, وهذا الضيق نتاج طبيعي لمسلك القوى السياسية التقليدية التي لن تقدر على أن تتحمل دفع فاتورة طموحات الجيل الراكب راس, فعواجيز (قحت) مثلهم كمثل الجد الذي لا يسمح بتمرد أحفاده عليه وعلى هلوساته التي يراها حقائق واجبة الاتباع.
على حمدوك أن يجعل من موجهات خطابه الأول, الذي القاه عندما وطأت قدماه ارض مطار الخرطوم قادماً من بلاد المهجر لتولي الأمانة, أن يجعل من ذلك الخطاب هادياً و مرشداً له في انفاذ برامجه الوطنية الطامحة الى اخراج البلاد من وهدة الفقر و البؤس و الشقاء, الخطاب الذي ذكر فيه أنه سوف يكون رئيس وزراء كل السودانيين, أين هذا التصريح مما هو حادث اليوم, من خضوع وتسبيح بحمد تنسيقية قوى اعلان الحرية و التغيير المركزية؟ إذا لم ينقذ حمدوك نفسه والناس باكراً من هذه الورطة التي ارتهن فيها لشللية صغيرة سيفقد بريقه قريباً.
المشكلة الثانية هي الضائقة المعيشية, و التي لن يصبر عليها الانسان السوداني طويلاً, خاصة وقد بدأت التداعيات والارهاصات السالبة للميزانية الثلاثية الأشهر المؤقتة, وكما ذكرنا آنفاً أن السيد حمدوك يجب ان يهتدي بوحي ذلك الخطاب الأول الذي وعد فيه باتباع سياسة اقتصادية براغماتية, والذي تعرض فيه الى انه لن يميل الى مدرسة الاقتصاد الليبرالي كل الميل ولن يتبنى توجهات المدارس الاشتراكية ولا نظريات الاقتصاد الاسلامي , و انه سيتخذ بين ذلك سبيلاً ويحرف مسار العملية الاقتصادية برمتها, وينتقل بها من اقتصاد معتمد على العطايا والهبات الى وفرة يحققها الانتاج, لكن ما يحدث اليوم يتنافى تماماً مع تلك الرؤية الحكيمة, وما نراه ما هو الا هرولة مفضوحة نحو الوقوع في البراثن والشراك المنصوبة من قبيل البنك الدولي, تلك الفخاخ التي خنقت كثيراً من الشعوب بحبل مشنقة الديون ذات الفوائد الربوية الفاحشة.
الخروج من صندوق تفكير النظام البائد ضروري يا سعادة رئيس الحكومة, لا تدع منظري القوى التقليدية يسيطرون على توجهك الصادق نحو الانتاج و زيادة الانتاجية , استفد من الاثني عشر شهراً القادمة في تشجيع و دعم وتسهيل احتياجات المزارعين و ملاك المصانع و التجار الوطنيين الخلّص و رعاة الماشية, هذا هو الاقتصاد يا حمدوك بكل بساطة, لا تسمع هزيان المنظرين الذين لا يفقهون شيء عن التجارة والصناعة والزراعة و الرعي, فالاقتصاد لا ينعشه الأفندية و صناعة المال فقط يعرفها من اخشوشنت ايديهم جراء رعاية الابل و البقر والماعز و زراعة الفول و السمسم والذرة و طق الهشاب و حفر باطن الأرض لاستخراج الذهب , هؤلاء هم دعامة الاقتصاد الوطني الذين يستحقون ان تسافر اليهم في حقول انتاجهم وليس الجلوس مع اولئك المتسكعين في مقاهي و ليالي الخرطوم.
المشكلة الثالثة والأخيرة والكبيرة, والمصيبة الخطيرة هي الفساد, مرت شهور و لم نر أي تحرك قانوني واضح وشفّاف تجاه من سرقوا ثروات البلاد واودعوها البنوك في الداخل و الخارج, لم يتم تمليك المواطن معلومات عن فساد رموز النظام البائد, من خلال تقارير بائنة مفصلة و مبوبة توضح ما قامت به حكومة الانتقال من رصد ومتابعة و مصادرة لثروات رجال اعمال غفلة زمان الانقاذ هؤلاء, لقد غادر أشهر اثرياء النظام البائد عبر بوابة مطار الخرطوم بعد نجاح الثورة و ازاحة الدكتاتور, كيف عبر هذا الفاسد ونحن نهتف حرية سلام و عدالة؟
فيا حمدوك اعمل بجد من أجل استعادة الأموال المنهوبة, و صادر جميع الممتلكات العينية و المادية لرموز نظام الانقاذ البائد, فمصطلح (الانقاذ) هو الاكثر شمولاً من مصطلح (الكوز), فالانقاذيين هم الأسوأ سلوكاً من الكيزان, لأنهم ارتضوا أن يلعبوا دور الابن العاق الذي يسرق المال من بيت ابيه ليجود به على المجرمين, فهذه ثورة عظيمة سالت من اجلها دماء عزيزة و غالية و ليست بلعب للأطفال, فاما ان يكون طاقم الحكم الانتقالي على قدر عزم شباب الصبّة, او فليلقى مصير من تجبروا و اغتروا وفسدوا وعلوا في الأرض علواً كبيرا.
إسماعيل عبد الله
[email protected]