الدكتور حمدي عبدالرحمن
يعيش شعب العفر أو الدناكل في شرق أفريقيا، وترجع أصولهم إلى اليمن كما ورد في تاريخ ابن خلدون. وربما يعزز ذلك نظرية الراحل الكبير علي مزروعي الذي يرى أن شبه الجزيرة العربية من الناحية الجيولوجية تعد جزءا من القارة الأفريقية، ولكن الشق الأخدودي فصلها عن طريق البحر الأحمر. ويتحدث أبناء العفر لغة كوشية بها كثير من المفردات العربية حيث أنهم أول من دخل إلى الاسلام بعد الهجرة الأولى إلى الحبشة. والعفر مسلمون على نهج الامام الشافعي رحمة الله عليه.
تقدر بعض الاحصاءات تعداد العفر بنحو خمسة ملايين نسمة أو يزيد حيث يشكلون نحو 50% من اجمالي تعداد جيبوتي ونحو 10 % من سكان أرتيريا وحوالي 4% من سكان أثيوبيا. وهم يعيشون حياة البدو الرحل في مناطق لا تخلو من أنواء الطبيعة القاسية مما جعلهم أولو قوة وأولو بأس شديد. فالأخطار التي يواجهونها كثيرة منها: الجفاف، والبراكين، وامكانية أن تنشق الأرض تحت أقدامهم دوما. ويبدو أن سلعة واحدة تجعلهم في جيبوتي يتحملون كل هذا العناء: إنها الملح.
إذ تقع بحيرة أسال – أو ما تبقى منها – على بعد نحو 500 قدم تحت سطح البحر، وهي أدنى نقطة في القارة الأفريقية. حيث تستقر على سفح حفرة بركانية، كما أنها تعد واحدة من أجمل البحيرات في العالم وقد ترك انحسار المياه عن اليابسة كميات كبيرة من الملح الأبيض البلوري الذي أصبح على مدى قرون شريان الحياة لشعوب المنطقة الرحل. إن جمهورية جيبوتي، التي تعد بالفعل واحدة من أكثر الأماكن تقلبا في العالم، تقع عند نقطة التقاء ثلاث لوحات أرضية هي أخدود شرق أفريقيا، وأخدود البحر الأحمر وأخدود خليج عدن.
ويشتهر عفر أثيوبيا بتسريحة شعر متميزة حيث يستخدمون الزبدة للوصول إلى تسريحة رائعة يطلق عليها اسم أسداغو. ومعظم العفر هم من البدو الذين يرعون الأغنام والماعز والماشية والجمال. وتقاس ثروة الرجل بحجم قطعانه. ومع ذلك ليس كل العفر رعاة. فكثير من أولئك الذين يعملون في أرض الدناكل يقطعون الملح الصلب خلال موسم الجفاف، من أجل توفير الملح الجاهز للاستخدام. وعلى الرغم من ثقافة تعدد الزوجات التي لا يحرمها الشرع فإن السائد بين أبناء العفر هو الاكتفاء بزوجة واحدة. وقد تتزوج الفتيات في سن مبكرة. ويفضل الزواج بين أبناء العمومة، أو بين رجل وابنة أخت والده. وحينما يكون القمر في ليلة التم ويوجد قارئ يرتل القرآن يصبح المكان والزمان مناسبا لحفل الزفاف العفري البديع. وينتظم العفر في مجموعات قبلية يرأس كل منها زعيم تقليدي يلقب بالسلطان.
وتشكل اللحوم والحليب غالب المكونات الرئيسية للنظام الغذائي العفري. ويمتلك الحليب رمزية هامة في التفاعلات الاجتماعية. وعلى سبيل المثال، عندما يقدم للضيف حليب دافئ للشرب فإن المضيف يعني ضمنا أنه سيوفر حماية فورية للضيف. وإذا قتل شخص في ظل حماية العفر، توجب الانتقام له كما لو كان من أفراد العشيرة. ويعيش العفر في مخيمات تحيط بها حواجز شوكية تحميهم من هجمات الحيوانات البرية أو رجال القبائل المعادية. كما تسمى الأكواخ البيضاوية الشكل التي يسكنون فيها ،أرى وهي تصنع من حصير النخيل حيث يتم نقلها بسهولة.