بقلم : معتصم صالح
من يتابع مجريات الأحداث في الشأن السياسي السوداني ومن معطيات التحولات الأخيرة سيجزم بإنتصار الشعب وسيبدأ بالتهليل والتكبير لبلوغ أمجاد النصر ، وقد رأينا وتابعنا لحظة سقوط البشير صيحات الفرح قبل تلاوة البيان ليصطدم الشارع بإبن عوف تاليا للبيان ويعلن نفسه رئيسا للمجلس العسكرى الإنقلابي، قابله الشارع السوداني بإستنكار ورفض واضح لشخصه ولمجلسه معا، ثم قام الرجل بالتنحي وتعيينه لمن يثق فيه كما قال!.، ويأتي ب(عبدالفتاح برهان) ليترأس المجلس العسكري حيث طفح في السطح بترويج إعلامي من بقايا الآلة الإعلامية للحركة الإسلامية وتمجيده بأنه رجل المرحلة وليس له أي إنتماء سياسي! ، في محاولة لإخراج مسرحية خطط لها خلف الكواليس بتمعن. سرعان ما إتتضحت حقيقة برهان بأنه من قلب الحركة الإسلامية بل كان أحد أدوات النظام السابق في الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في دارفور أبان فترة وجوده في السلطة وساحات القتال في نيرتيتي وزالنجي …الخ.، حيث تم تعرية وفضح المجرم برهان ومسرحية الإنقاذ من قبل أبناء وشرفاء دارفور من هم أجدر ولديهم كافة المعلومات الدقيقة عن جلاديهم .
لكن تعجل تحالف قوي الحرية والتغيير في قبول التفاوض والجلوس في طاولة الحوار مع المجلس العسكري الإنقلابي والذي يضم كل عضويته مجرمي الحرب وأدوات النظام السابق كان خطأ فادحا حتي الآن كادت أن تكلفهم ثقة الجماهير ، ولكن سرعان ما أدرك التحالف تلك الخطيئة وإكتشف مكر المجلس العسكري في ممارسة أساليب الخداع وما إحتضان المجلس الإنقلابي لأئمة ومشايخ الإرهابيين في قاعة الصداقة ،ومن ثم الجلوس مع قائمة العار التي تضم أحزاب الفكة وشركاء النظام السابق في الحكم والعبث والإستبداد،إلا دلائل واضحة بأن المجلس العسكري ما هي إلا إنقاذ (ب) ، حيث قام التحالف بتجميد التفاوض وكان قريبا لإعلان حكومة مدنية في ساحة التظاهر في القيادة العامة ليلة الخميس السابق ليتراجع في الرمق الأخير ليستجيب لنداء المجلس الإنقلابي ويستأنف التفاوض معه ليستمر التحالف في أخطاءه الكارثية حتي اللحظة وسط دهشة المتابع بالواقع المسرحي الدرامي في المشهد السياسي السوداني ولا يمكن لأي أحد التكهن أين وكيف ستنتهي هذه المعطيات.
أما الأمر الذي يثير الإستغراب والتساؤلات هي تسارع دول البلاء والفوضى والشر في العالم متمثلة في الثالوث(السعودي، المصري،الإماراتي) بتلميع وتمجيد ومدح المجلس العسكري وتأييده، بل وصل الأمر الي تقديم مساعدات مالية له. لتوضح لنا ثقافة التطفل عند تلك الدول حيث تجاهلت السعودية والإمارات جرائمهم الكبرى في حق الشعب اليمني وبإجهاضهم للتجربة الديمقراطية في مصر ودعمهم للسيسي أنذاك لكسب الشرعية المفقودة علي المستوي المحلي والإقليمي. مما يفسر عدم إحترامهم لجهود ونضالات الشعب المصري في تغييرهم لطاغية حكمهم ثلاثون عاما تلاه محاولة ناجحة لترسيخ الديمقراطية بإنتخابات حرة أثنى لها العالم بأكمله أتت بالإخوان في السلطة (علي الرغم من إختلافي وكرهي للإخوان المسلمين ليس في مصر فقط بل في كل بقاع الأرض حيث أعتبرهم فيروسات إجتماعية تتغلغل في جسد النسيج الاجتماعي لتكريس التطرف والكراهية بين البشر وما الواقع السوداني إلا مثالا لسلوك الإسلاميين أينما وجدوا) ، لكن الوضع عند الإخوة المصريين كان مختلفا أنذاك وذالك خيارهم كان يجب أن يحترم ويضع في الحسبان التاريخ والحضارة العريقة لهذا الشعب العظيم وإعطاء فرصة لمن أنتخبه الشعب ليكمل فترته الدستورية في الحكم ،تلك هي أبسط أبجديات التحول الديمقراطي حيث يفقهها ويعلمها أي عاقل في عصرنا هذا ، ولكن أيديولوجية آل سعود والإماراتيين والعسكر لا يفقهون ولا يؤمنون في الديمقراطيات وتصيبهم الغثيان والقشعريرة لمجرد سماعهم لهذا المصطلح العميق، فكالوا المؤامرات ودعموا العسكر ونجحوا في مأربهم بتمكين العسكر في مصر.
ذاك النجاح في بلاد الفراعنة أعطي المحور السعودي المصري الاماراتي (ثالوث الشر) الجرأة !، حينما بدأت أمواج التغيير تطفو وتضرب شاطئ الفضاء السوداني تحاول هذا الثالوث لتكرر أمجاده وتجهض الثورة الشبابية في السودان بممارسة هويتهم لترويج وتلميع صورة العسكر هناك لنسخ مسرحية السيسي المصري في السودان، حيث نسوا بأن الشعب السوداني أوعي منهم ويتقدم عليهم بمليون سنة ضوئية علي مستوي الوعي وعرف شعبنا المستنير بزوايا اللعبة منذ الوهلة الأولي ولم يفارق ويفرغ ساحات الاعتصام، بل زاد الأفواج تتوافد في ميادين الاعتصامات في كل ربوع الوطن رافضا التدخل الخارجي بكافة أشكاله علي الرغم من الظروف الجيوسياسية التي تحيط بمحيطنا وفهمنا لكل أطماع الدول التي تريد أن تستغل الفرصة في زرع الفتنة والفوضى في الداخل ،ولكن الشعب السوداني حتي لحظة كتابة هذه السطور يعطي العالم درسا في الرقي والتحضر في كيفية العمل الجماعي والتظاهر السلمي وقد أقتربت بوادر الوحدة في وطننا الحبيب ولن نسمح لهذا الثالوث الشيطاني بتمرير أجندته الخبيثة مهما كلفنا الثمن .
mutasimyousif55@hotmail.com