الاخبار تطالعنا بميلاد تنظيم سياسي جديد اسمه تيار النهضة، هذا الجسم الجديد يمثل الوجه الحديث للمؤتمر الوطني المحلول، ويكفي دليلاً ان عرّابه هو الدكتور أمين حسن عمر تلميذ الحبر الاكبر والراهب الاعظم والحاخام الكهنوتي الاقدم الدكتور الراحل حسن الترابي، لقد غاب حسن الأب وجاء حسن الابن ليكمل مسيرة الدجل والشعوذة والمتاجرة بكلمات الله التامات، لقد ذكر في الأثر الكيزاني أن أمين هو الأقرب للأب الروحي حباً وكرامةً، حتى أن ذاكرة الكاميرا قد وثقت له تلك العلاقة الجميلة التي نشأت بينه وشيخه الجليل بالتقاط صورة نادرة لهما، وكان بصحبة الشيخ الراحل الذي ما انفك يلاطفه بملامسة ياقة قميصه، منظماً لهندامه ومصلحاً ومرتباً لربطة عنقه، بينما هما واقفان بباحة احدى فعاليات الحزب البائد في زمان سالف، ويقال أن المفاصلة الشهيرة بين اخوة حسن احرجت التلميذ الشغيف مع استاذه المبهر بأن وضعته تلك المناسبة الفاصلة ما بين جنة معاوية ونار علي، فاختار الدكتور أمين سلطة الاستاذ علي عثمان والهرب من الفقر المصاحب للمعارض الدكتور حسن الترابي، فالترابيون يعشقون القصور المنيفة واكل لحوم الطيور الشهية، فانداحت الاستثمارات بين يدي صاحب مدارس كمبردج الذي سالت دموعه ألماً وحرقةً على رحيل قائده الحبيب، بينما كان يفند مآثر القائد الملهم والأب الروحي امام عدسة التلفاز، فلم يقوى أمين على مغالبة مشاعره الجائشة فهطلت الامطار الغزيرة من دمعه السخين وفاءًا لقائده الملهم الذي باعه من اجل بهرج الدنيا.
الأسم مأخوذ من عنوان تنظيم الاخوان بتونس (حركة النهضة) التي يتزعمها راشد الغنوشي، وتيمناً بالخطاب السياسي المعتدل والوسطي الذي اتخذه زعيم الحزب النهضوي التونسي، والمجهود الجبّار الذي بذله في سبيل تغيير الانظار السالبة تجاه التنظيم عالمياً، بتقديمه لنموذج مختلف عن نموذجي كيزان السودان واخوان مصر، ولعل الرجل قد نجح الى حد ما في كسب ود الطبقة السياسية ببلاده ما أدى الى وصوله قبة برلمان ثورة البوعزيزي وتبوأه لمنصب رئيس مجلس النواب، لكن رياح غضب الشارع التونسي المغروس في طبيعة النفس البشرية تجاه اخوة حسن البنا، هز جذع النخلة التي أوى إليها الغنوشي ورفاقه فقامت برلمانية تونسية علمانية بقيادة حملة شرسة لحجب الثقة عنه، تمهيداً للقذف به خارج اسوار البرلمان لما بدر منه من نزعات تسلطية وتوسعية تتجاوز صلاحياته كرئيس لنواب الشعب، وهو حال رموز تنظيمات الاسلام السياسي في المنطقة وسعيهم الدؤوب لنحر الدساتير وخيانة العهود والنكوص عن المواثيق، وعلى نفس النهج اراد الاسلاميون السودانيون السير على طريق اخوتهم بجمهورية تونس الخضراء بلد الحبيب بورقيبة، وتمنوا على انفسهم الأماني بالعودة الظافرة على ظهور خيول واحصنة الاسماء المستعارة كعادة سلوك هذه الافعى الرقطاء السامة المتقلبة والمتبرمة والمبدلة لجلدها، لقد تدرجوا قبل ذلك وتنقلوا بين الكثير من العناوين والاسماء – الاخوان المسلمين – جبهة الميثاق الاسلامي – الجبهة الاسلامية القومية – المؤتمر الوطني – واخيراً تيار النهضة.
الاخوان المسلمين في السودان خاضوا تجربة حكم امتدت لثلاث عقود بخلاف رصفائهم في مصر وتونس، وتكبدت الشعوب السودانية خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات جراء جنون الاخوان وعسف ممارستهم للادارة وشئون الحكم، واصبحت تجربتهم كفيلة بأن تضع المواطن في محك اختيار نار الحرية والكرامة والسلام والعدالة، على ان يسمح هذا المواطن بعودة من اذاقوه الويل والثبور عبر اي بوابة كانت نهضوية ام دعوية، فيكفيه أنه تجرع المر علقماً لاسعاً للحلوق وسوطاً ولفظاً لاذعاً على ابدان وآذان الخلوق، فكسدت بضاعتهم التي عرضوها على المواطن، وسبب كسادها أنهم قايضوا عرض الحياة الدنيا بجنات عرضها السماوات والارض، فقدموا اسوأ القياديين خلقاً واخلاقاً، ودفعوا بابشع صور وتصورات رجال الدين المستغلين للكرسي في ارتكاب المعاصي وبذل الموبقات، ففسدوا في الأرض فساداً كبيرا و(اكلوا الأموال اكلاً عجيباً) كما قال كبيرهم، حدث كل ذلك باسم الكتاب العظيم المقروءة آياته عبر عشرات المئات من السنين، فلم يعد ممكناً تبنيهم للمشروع الاسلامي وانتهازيتهم في استغلال مقاصد وتعاليم الدين المجيد مرة اخرى، وليس متاحاً ايضاً اتخاذهم للعاطفة الدينية كاجندة سياسية لكي توصلهم الى الحكم.
الفلول التابعون للمنظومة المندحرة قد يشاركون في المليونيات (ضر كدة)، وربما يشعلون مواقع التواصل الاجتماعي بالاحتجاجات مثلهم مثل غيرهم من المواطنين المكتوين بجمر المعاناة، ولكن هذا يجب أن لا يخصّب خيالهم ويجعلهم يسرحون ويشطحون فيزين لهم شيطانهم أنهم قد يكونون بديلاً لأنظمة الحكم القادمة، لقد اخذوا حظهم وكفايتهم من الوقت واضاعة اموال البترول سفاهةً وبرطعةً، فليركنوا الى المساجد التي هربوا وهرعوا منها ابان قبضتهم الحديدية على مفاتيح ابواب قصور السلطان، طمعاً في القناطير المقنطرة من الذهب والخيل المسومة واشتهاءً للنساء مثنى وثلاث ورباع، وقد اوتوا ملكاً لم يؤته الله لأحد غيرهم في بلاد السودان فدانت لهم وحدهم مؤسسات الدولة ففعلوا بها الأفاعيل ولم يقل لهم أحد (بغم)، لكل هذا وذاك عليهم أن يسلّموا بأن حلمهم بالعودة للابراج الباذخة قد صار مثل مقدم بني امية الذين كانوا في يوم من الايام ملوكاً سرير الشرق تحتهم.
اسماعيل عبد الله
[email protected]
2 يناير 2021