عثمان نواى
نشرت بالأمس مجموعة الأزمات الدولية تقريرا حول خيارات التداول السلمى للسلطة في البلاد فى ضوء الانتفاضة الشعبية التى بدأت قبل شهر. وحدد التقرير ثلاث خيارات لهذه الانتفاضة وهى أشبه بالفرضيات المنطقية أكثر منها تحليل عميق لوضع البلاد. فالتقرير يشير الا انه اما ينجح البشير فى قمع الانتفاضة او يتنحى او يحدث انقلاب عليه. ولكن الأهم في التقرير هو الحديث عن دور المجتمع الدولى والإقليمى في كل هذه السيناريوهات. فمن يعتقد أن المصير السياسي لأى دولة هو شأن داخلى معزول فهو بعيد عن فهم حقائق السياسة. والدور الأهم للمجتمع الدولي حسب التقرير هو التقدم باقتراحات عملية للبشير بالخروج الآمن عبر تقديم صفقة تضمن له عدم المحاكمة فى محكمة الجنايات الدولية في مقابل التنحى فى حال أراد المجتمع الدولي دعم خيار التنحى عبر الانتفاضة. ولكى تنجح اى تدخلات من الجيش فإن ضمانات ما بتقديم الدعم الاقتصادي هى أيضا حافز رئيسي للجيش للتدخل، خاصة وأن البلاد عمليا في أسوأ وضع اقتصادى لها فى تاريخها. أما خيار قمع الانتفاضة، فإنه سيطيل عمر النظام ولكن ليس طويلا كما يقترح التقرير.
لاشك أن تدخلات المجتمع الدولي او الإقليمى التى طرحها التقرير هى التى قد تسهم ان حدثت في أسراع وتيرة التغيير اى كان السيناريو المحتمل. ولا ننسي ان عبارات المطالبة بالتنحي لمبارك وبن على من قبل رؤساء الدول الغربية كان لها وقعها في تسريع تنحيهم. وعلينا ان لا ننسي ان السودان فى ظل النظام الحالي قد تمت عملية تدويل غير مسبوق لقضاياه. كما ان النظام قد تدخل في التوازنات الإقليمية بكل أشكالها عبر تحالفات الخليج العربي والعالم الإسلامي. خاصة وأن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين يعتبر السودان منصة حكمه الأخيرة الباقية في المنطقة بعد تحطم أحلامهم فى الربيع العربى وإنهاء حكمهم فى ليبيا واليمن ومصر وهزيمة الثورة السورية. الحقيقة أن التفكير في البعد الدولى لن يكون حاسما ولكن سيكون له دور هام في تسريع وتيرة الأحداث او ابطائها. ولكن الأجواء الإقليمية والدولية الحالية منشغلة بملفات داخلية معقدة من امريكا الى بريطانيا وحتى دول الخليج. لذلك فإن احتمالات الانتباه والتحرك نحو الملف السوداني بطيئة وقد تحتاج الى أشهر قبل الاتجاه نحوها .
لكن المد الثورى القائم الآن في تصاعد وقد يجبر النظام على ردود أفعال فى الأيام القليلة القادمة. وفى حال إعلان الإضراب السياسي العام فى الأسابيع المقبلة ونجاحه، فإن الخيارات المتاحة ستضيق، بين التنحى والانقلاب، ولن يكون خيار القمع وعدم التنحى واردا. عليه فإن الداخل والخارج لهما تفاعلات هامة فى تقرير ما سيجرى في اللحظات الحاسمة فى الأيام المقبلة.
ربما يكون السيناريو الذى يفترض أن يقوم المجتمع الدولي بدعمه هو الإسراع في تقديم خيارات المخرج الامن للبشير لمساعدة خيار التنحى السريع. لكن المطالبات الدولية والمحلية للقبض على البشير قد تجعل هذا الخيار صعبا. لذلك فإن البعد الغائب عن تحليلات التقرير هو الحاجة الداخلية للشعب السوداني في مفارقة أساليب عدم المحاسبية للحكام وللذين يجرمون فى حقه عبر التاريخ منذ ثورة أكتوبر . ولذلك فإن كان هناك مساحات عفو او مصالحة وطنية فهى ربما تطال صغار المسؤولين والجنود المغلوب على أمرهم ولكن القيادة لابد من محاسبة تامة لها. ولذلك فإن السيناريو الوحيد المقبول الان لكل السودانيين لن يكون العفو فى مقابل التنحى جزء منه، بل التنحى في مقابل اما المحاكمة العادلة او القصاص. وهذا هو ربما ما سيصنع الفارق بين هذه الثورة وما سبقها من ثورات ويؤسس لدولة القانون والعدالة في السودان.
[email protected]