واشنطن: صوت الهامش
نشرت منظمة (أتلانتك كاونسيل) تقريرا عن العلاقات بين موسكو والخرطوم في ضوء التطورات التي شهدتها الزيارة التي قام بها الرئيس البشير إلى روسيا مؤخرا؛ حيث عبّر رئيسا الدولتين عن اهتمامهما بتعميق العلاقات.
ورصد التقرير ،الذي أطلعت عليه (صوت الهامش) ،تقديم البشير الامتنان للكرملين على “موقفه في حماية السودان”؛ ورصد إعلان الروس عن عزمهم تعميق التجارة مع السودان، لا سيما في قطاعَي الزراعة والطاقة، وتأكيدهم على أن السودان شريك أساسي لروسيا في أفريقيا.
ولفت التقرير إلى أن الزيارة تناولت بشيء من التوسع أزمات السودان الداخلية؛ ذلك أن الصراعات في إقليم دارفور غربي السودان وفي ولايتَي جنوب كردفان والنيل الأزرق لا تزال مستمرة في استنزاف موارد البلاد التي تقلصت كثيرا غداة استقلال جنوب السودان عام 2011، والذي كلف الخرطوم معظم احتياطياته من النفط.
ونوه التقرير عن أنه على الرغم من الجهود التي تبذلها الإمارات العربية المتحدة وغيرها من دول الخليج الفارسي العربي لتحسين العلاقات بين السودان والولايات المتحدة – وحقيقة إثمار تلك الجهود عن قرار إدارة الرئيس دونالد ترامب إزالة السودان من قائمة حظر السفر ورفْع العقوبات عنها- إلا أن الخرطوم لديها مبررًا وجيهًا للتشكك في نوايا الوفاق مع واشنطن.
ففي ظل ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية للبشير بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، يظل تشاؤم الرئيس السوداني مُبرَرًا. وحتى إذا ما كان ترامب يوّد تطبيع العلاقات مع السودان، فإن الكونغرس ومنظمات المجتمع المدنية ذات النفوذ تظل بمثابة عوائق حقيقية على طريق التقارب.
ورصد التقرير حديثا من البشير أثناء الزيارة عن تدشين قاعدة عسكرية روسية على ساحل البحر الأحمر في السودان، وحديثا مقابلا من نائب رئيس لجنة مجلس الدوما لشؤون الدفاع، يوري شفيتكين، عن إمكانية تدشين تلك القاعدة في غضون 6 أشهر.
وفي الزيارة أيضا، اتهم البشير واشنطن بالتواطؤ لتيسير استقلال جنوب السودان، طالبًا الحماية الروسية “ضد أعمال عدائية من جانب الولايات المتحدة”.
ورأى التقرير، أن البشير ينظر إلى روسيا (والصين) كشريكين يمكن الاعتماد عليهما في مجلس الأمن لمجابهة النقد الغربي لأفعاله (البشير)، لا سيما في صراع دارفور.
وينظر البشير إلى موسكو باعتبارها شريكا يمكن أن يساعد في حفاظ السودان على وحدة أراضيه، تماما كما ساعدت سوريا في ظل الرئيس الأسد المنكوب.
ويشارك البشير في هذه النظرة عددٌ من قادة
الدول العربية ممن يرون موسكو عامل استقرار وركيزةً للمشهد الأمني الجديد في المنطقة.
وفي ليلة زيارة البشير لروسيا، باتت السودان أول دولة عربية تحصل على طائرات مقاتلة روسية من طراز “سوخوي-35” الجيل الرابع.
وفي إطارٍ أوسع، بحسب التقرير، تهدف روسيا إلى تعزيز مكانتها بين الدول العربية بحيث لا تمسي فقط موردا للسلاح بل تتخطى ذلك لتصبح وسيطا لا غنى عنه عند الأزمات. وتضطلع موسكو بدور ملموس في الأزمة السورية؛ كما تحظى بنفوذ متفاوت الدرجة على أطراف رئيسية في أزمات كل من ليبيا واليمن وقطر.
وعلى الرغم من أن السودان لا يكون عادة في صدارة المشهد عند الحديث عن الشرق الأوسط، إلا أنه يلعب دورا هامًا كجسر يربط بين العالمَين العربي والأفريقي. ولمّا كانت موسكو تسعى لتحدّي الهيمنة الأمريكية في كافة أرجاء العالم، فإن بوتين عازمٌ على احتواء السودان الذي يرى فيه مدخلا لأفريقيا.
وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، أبرمت موسكو سلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية والنووية والعسكرية مع كل من نيجيريا والنيجر وتشاد. أما في السودان، فإن الكرملين يضع عينه على الساحل والقرن الأفريقي كجزء من دوره الجيوستراتيجي في القارة.
وبحسب التقرير، فإن روسيا تسعى تحديدا إلى أن تكون جزءا من الصورة الراهنة والمستقبلية الخاصة بالطاقة من نيجيريا إلى السودان، ولا سيما جنوبي ليبيا حيث تقبع احتياطيات الغاز الطبيعي في انتظار تسوية سياسية ليبية تسمح للشركات الروسية بدخول جنوب البلاد.
كما يتطلع الكرملين إلى أن يُمهّد لنفسه طُرقًا في وسط وجنوب شرق أفريقيا، وتحديدا موزمبيق، حيث تضع روسيا عينها على احتياطيات الغاز الطبيعي.
واختتم التقرير بالتأكيد على أن زيارة رئيس السودان التي تلت زيارة رؤساء كل من سوريا وإيران وتركيا إلى روسيا، إنما تشير إلى كيفية إظهار الرئيس الروسي المزيد من الثقة في مضمار تحدّي الولايات المتحدة ليس فقط على صعيد الشرق الأوسط وإنما أيضا على الصعيد الأفريقي.