واشنطن: صوت الهامش
أكد الفنان الفوتوغرافي، آرون شومان، أن الصور (الأبيض والأسود) الجميلة والفاتنة التي التقطها المصور البريطاني “جورج رودجر” في الفترة بين عامي 1948 و1949 للسكان الأصليين في جبال النوبة وكردفان واللاتوكا وقبائل أخرى جنوبي السودان- لا شك أن هذه الصور تعتبر الأهم تاريخيا في أفريقيا جنوب الصحراء خلال القرن العشرين.
[metaslider id=15063]
ونوه شومان -في تقرير نشرته شبكة (سي إن إن)- إلى أن هذه الصور الفوتوغرافية لـرودجر لا تمثل فقط طيفًا من القبائل الفريدة في تقاليدها وعاداتها وأزيائها ومعمارها وزراعتها وطقوسها الدينية والاجتماعية، وإنما توثق هذه الصور أيضا أول لقاء لتلك القبائل مع مصوّر غربي بشكل مرخص حيث حصل رودجر على ترخيص بالتقاط الصور الفوتوغرافية من الحكومة السودانية.
ولا شك أن رودجر كان مأخوذًا بطبيعة الناس والثقافة التي قابلها، ولكن كعضو مؤسس لـوكالة التصويرالفوتوغرافي الدولية “ماغنوم فوتوز” وكمساهم نشط في وسائل الإعلام الدولية المتنامية بخطى متسارعة إبان ذلك الوقت، كان يتعين على رودجر أن يشارك وينقل خبراته عن جبال النوبة إلى باقي العالم عبر الوسيلة السائدة في ذلك الوقت: التصوير الفوتوغرافي.
ولطالما أسيء النظر إلى التصوير الفوتوغرافي باعتباره وسيلة استعمارية راسخة لتصوير شعوب أفريقيا كـ”وحوش أصيلة” وكـأنواع من البشرية البدائية التي لم تلمسها الحضارة؛ ومع ذلك فمن الأهمية بمكان أن ندرك أن رودجر قبل أن يصور شعب النوبة مباشرة كان قد قضى ثماني سنوات (1939 -1947) كمراسل في الحرب العالمية الثانية لمجلة “لايف” حيث غطى أحداث “قصْف لندن” وما نتج عنها من موت ودمار، كما غطى أحداث حملة “بورما” وما اتصفت به من وحشية، وغطى كذلك الزحف العنيف للحلفاء عبرإيطاليا، وأخيرا الأكوام المروعة للجثث والأحياء المهزولين ممن تم اكتشافهم في معسكر اعتقال “برغن-بلزن” بعد تحريره في 1945، وغير ذلك الكثير من الأحداث والوقائع.
وقد حمل رودجر، عبر أوروبا وباقي دول العالم، شهادة على وحشية فاقت الخيال؛ وإذا وضعنا ذلك في الاعتبار يمكننا أن نقول إن رودجر عندما دخل النوبة وجد نفسه يصوّر أشياء أصيلة لكنها ليست وحشية، وثقافة متحضرة وليست بدائية، حيث النزاعات يتم تسويتها عبر مباريات المصارعة بالأيدي والتي يُحمل فيها المنتصر على أكتاف المنهزم.
وقد كتب رودجر بعد سنوات عديدة من تجربته تلك: “عندما حان موعد رحيلنا عن جبال النوبة، لم نأخذ معنا سوى ذكريات الناس شديدي الكرم والشهامة وحُسْن الضيافة أكثر مما عليه الكثيرين من بيننا نحن الذين نعيش في القارات المظلمة خارج أفريقيا”.
ولفت الكاتب إلى أن اليوم، ثمة الكثير من الأشياء كُتبت ودُرست عن النوبة في ضوء صُور رودجر تلك (والتي ظهرت أول مرة في ناشيونال جيوجرافيك 1951) بالإضافة إلى دراسة موسعة في التصوير الفوتوغرافي تحت اسم “داي نوبة” نُشرت في مطلع السبعينيات من القرن الماضي عبر الفنانة “ليني ريفنستال” التي قالت عن صورة رودجر الشهيرة للبطل المتصارع إنها كانت الحافز لها على القيام بتلك الدراسة، قائلة إن “الأسلوب الفني للصورة أدهشني للغاية ومنذ ذلك الحين لم أفقد اهتمامي بقبيلة النوبة، هذه الصورة غيرت مسار حياتي”.
ورأى شومان أن ما ميّز أعمال ريفنستال عن أعمال رودجر هي أن أعمالها نُسخت ونُشرت في ألوان قوية زاهية؛ وفي كتاب (نوبة&لاتوكا: صور بالألوان) نحن نعيد النظر إلى أعمال رودجر الأصلية التي التقطها في رحلته في الفترة بين عامي 1948 و1949 ولكن عبر منظور مختلف في صور ملونة لم تُنشر من قبل صنعها رودجر إلى جانب عمله الشهير (الأبيض والأسود).
إن كتاب (نوبة&لاتوكا: صور بالألوان) يضع جورج رودجر بقوة في هذا القسم المزدهر والمهم من تاريخ التصوير الفوتوغرافي.