واشنطن :صوت الهامش
نشر موقع (وورلد بوليتكس ريفيو) تقريرا للصحافي الأمريكي روبي كوري-بوليه، حول تطور العلاقات بين واشنطن والخرطوم وتبعات ذلك على الأوضاع الإنسانية في المناطق المنكوبة بالنزاعات في السودان وتحديدا جبال النوبة.
وعاد الكاتب بالأذهان إلى الـ 13 من يناير من العام الجاري، واقتراب انتهاء الفترة الرئاسية لـباراك أوباما، حيث أصدر قرارًا تنفيذيا مُعلنا عن خطط لإلغاء العقوبات المفروضة على السودان؛ كما دعا القرار إلى مراجعة العقوبات في الشهر التالي لتحديد ما إذا كانت حكومة الرئيس السوداني عمر البشير مستمرة فيما وصفه القرار بأنه “خطوات إيجابية” تشمل: الحفاظ على وقف إطلاق النار في مناطق النزاع، وتحسين عمليات الوصول المساعدات الإنسانية إلى تلك المناطق، والتعاون مع الولايات المتحدة في التصدي للنزاعات الإقليمية وأخطار الإرهاب.
وبينما ينتظر السودان مراجعة العقوبات، تحلّ هذه الأيام الذكرى السادسة لاشتعال الصراع في منطقة جبال النوبة بين الحكومة من جهة ومن جهة أخرى “الحركة الشعبية لتحرير السودان -شمال” التي قال أمينها العام ياسر عرمان، في تصريح لشبكة بلومبرج الشهر الماضي، إن عملية مراجعة العقوبات ينبغي أن تتأجل مُتهمًا الخرطوم بانتهاك وقف إطلاق النار والحيلولة دون وصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق النزاع.
ويعتبر الدكتور الأمريكي توم كاتينا، هو الطبيب الوحيد المقيم في منطقة جبال النوبة حيث يدير كاتينا المستشفى المجهّز الوحيد في المنطقة، وقد كان مؤخرا في يريفان، عاصمة أرمينيا لاستلام جائزة “أورورا الإنسانية” بقيمة 1ر1 مليون دولار؛ وهنالك تحدث الدكتور كاتينا إلى (وورلد بوليتيكس ريفيو) عن الوضع الإنساني في النوبة بالإضافة إلى تبعات تحسّن العلاقات بين الخرطوم والدول الغربية؛ قائلا : إنه ومنذ الـ 6 من يونيو 2011، والمنطقة تعيش في حالة حرب أهلية استمرت ضراوتها حتى أشهر قليلة مضت، عندما أعلنت حكومة الخرطوم تمديد عملية وقف إطلاق النار؛ كلا الطرفين أعلنا وقفًا أحاديّ الجانب لإطلاق النار، وقد التزما به إلى حدّ كبير فلم تشتعل الكثير من المعارك منذ ذلك الحين.
وأضاف الدكتور كاتينا، “بسبب ندرة الأمطار وانعدام الأراضي الزراعية، ثمة نقصٌ شديد في الأغذية نعاني منه بالفعل حاليا في أنحاء جبال النوبة؛ وقد هاجر الكثيرون بحثا عن مخيمات لجوء في جنوب السودان؛ ولا أقف على آخر الأرقام ولكن ربما قاربت الـ مائة ألف نسمة قصدوا تلك الجهة، فيما اتجه آخرون صوب الشمال حيث تتوفر بعض الإعانات الغذائية والدعم الإنساني الذي لا يصل إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في جبال النوبة”.
وتابع كاتينا، “لأسباب في معظمها سياسية، تفاوضت حكومة الخرطوم و”الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال” ذهابا وإيابا حول المساعدات الإنسانية: ومن جانبها تقول الحكومة إن تلك المساعدات يجب أن تمرّ عبر قنواتها من العاصمة الخرطوم ومنها رأسا إلى جبال النوبة، وهو ما ترفضه الحركة الشعبية مبدئيا قائلة إن المساعدات يجب أن تأتي عبر كينيا أو إثيوبيا، ومنها إلى مناطق صديقة وصولا إلى النوبة؛ وعليه لم تدخل مساعدات إنسانية إلى جبال النوبة منذ بداية الصراع”.
وحول سؤال عن أسباب جمود الوضع الخاص بوصول المساعدات الإنسانية، قال الدكتور كاتينا: “حقيقة الأمر أن (الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال) حاولت الدفع بشعب النوبة إلى المفاوضات، غير أن هؤلاء لا يثقون في الحكومة؛ لا يصدقون أن المساعدات إذا جاءت من الشمال سوف تصل إليهم؛ إنهم يعانون اضطهادا من هذه الحكومة منذ أجيال: لقد تعرضوا من جانب الحكومة للقصف والتجويع والوضع في مخيمات منذ حقبة التسعينيات؛ وعليه فعندما يسمع شعب النوبة أن ثمة مساعدات أو لقاحات آتية من الشمال، فإنهم يعتقدون على الفور أن الغذاء مُسمّم أو أن اللقاحات ستصيب السيدات بالعقم بحيث لا تلدن – هذا ما يظنه شعب النوبة؛ ليس ثمة ثقة”.
وأضاف كاتينا، “ربما تفكيري قد تلوّن قليلا عبر المعيشة هنا لتسع سنوات الآن، ولكن عندما أتحدث عن ذلك أعتقد، (يا إلهي، لا أدرى ماذا لو كان لدي طفل، هل كنت لأرغب في قبول المعونات من الشمال؟) أنا أيضا لدي تشككا؛ عليك التفكير في عقلية الناس المقيمين هنا؛ لقد كانت حقبة التسعينيات بالفعل زمنًا لعمليات إبادة جماعية في جبال النوبة؛ وها هي هذه الحقبة تتجدد (منذ يونيو 2011) على مرأى ومسمع من نفس الشعب؛ ثمة طائرات قادمة لقصف أهداف مدنية ومناطق مدنية؛ يأتي المدنيون إلى مستشفانا وهم مصابون بجروح، فيما يأتون بأطفالهم موتى، وتأتي السيدات العجائز مبتورات الأيدي، والأرجل، ويتعين علينا التعامل مع كل ذلك – من الصعب نسيان كل ذلك تماما كأن لم يكن وتصديق أن الحكومة التي أرسلت طائرات للقصف تعود وترسل مساعدات غذائية عبر قنواتها”.
وتابع الدكتور كاتينا، “وعليه، فإن الأمر لا يهّم بالنسبة لشخص في إحدى القرى عندما تقول: (إن الأمم المتحدة قادمة لمراقبة هذا أو ذاك)؛ ما يعرفه هؤلاء الأشخاص هو أن ما يحصلون عليه من الخرطوم هو الاضطهاد وغيره من الأمور السلبية؛ لذا، فإنه من الصعب عليهم تصديق تلك الحكومة – من حيث أنها قد ترسل مساعدات من دون أن تفسدها”.
واستطرد كاتينا، “أعتقد أن القيادات في شعب النوبة يجب أن يُقنعوا الأهالي بأن (نعم، نحن تحدثنا مع هؤلاء، ونحن نصدقهم، ونثق فيهم)؛ لكن أعتقد أن قيادات النوبة أنفسهم لا يثقون في الحكومة بعد سنوات من الصراع؛ ومن ثمّ فإن النتيجة التي توصلتُ إليها هي: (بحق الله، دعوا المساعدات الغذائية تأتي عبر إثيوبيا وكينيا؛ ليست قضية كبرى؛ ضعوا مراقبين هنالك؛ خذوا بعض الناس من الشمال ممن يمكنهم مراقبة الأمر؛ دعوا المعونة تمرّ، خصوصا الآن حيث الناس يتضورون جوعا وليس ثمة ما يكفي من العقاقير والأدوية؛ دعوها تمرّ عبر تلك القنوات ولتخضع لمراقبة مَن يحددهم الشمال”.
وحول سؤال عن “كيف تمكنت الخرطوم من تفادي الضغط الدولي بخصوص الوضع في جبال النوبة، وكيف استطاعت الحصول على دعم المجتمع الدولي مقابل تقديم المساعدة في أزمة الهجرة وغيرها من القضايا الطارئة؟”، أجاب الدكتور كاتينا، قائلا: “أعتقد أن القائمين على الأمر في الخرطوم دُهاة أذكياء يتقنون اللعبة السياسية؛ إنهم يعرفون بالضبط كيف يلعبون تلك اللعبة؛ إنهم ماهرون للغاية؛ أنا متأكد أنهم عندما يستقبلون زائرا من الولايات المتحدة فإنهم يحسنون ضيافته ويجعلونه يرى ما يريدون له رؤيته، كما أنهم يقولون الكلمات الصائبة”.
وتساءل الدكتور كاتينا، “ماذا يفعل الاتحاد الأوروبي؟ إنهم يعطون أموالا طائلة لمراقبة اللاجئين العابرين للسودان للحيلولة دون وصولهم إلى ليبيا ومن ثم عبور البحر المتوسط إلى أوروبا؛ ومن هنا استطاعت الحكومة في الخرطوم الحصول على أموال لوقف تدفق الهجرة، ومن يدري إلى أين تذهب الأموال؟”
وتابع كاتينا، “الآن، ومع تعليق عقوبات الولايات المتحدة، نحن ننتظر لنرى ما يحدث؛ بالطبع نحن متشككون بالنظر إلى التاريخ، لكن يسعني هنا القول إننا لا نزال نأمل أن ثمة شيئا يمكن عمله بحيث يتمخض قرار رفع العقوبات هذا عن أثر إيجابي، ربما يتحسن اقتصاد السودان وتتشجع الحكومة على التفاوض مع (الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال) وتحاول الوصول إلى حل سلميّ”.
واستطرد الدكتور قائلا “ثمة هاجس داخلي يخشى أن يؤدي قرار رفع العقوبات إلى تحسّن الاقتصاد في الشمال، لكن هذا التحسّن لا يعني أن يتم توجيه الأموال إلى الرعاية الصحية أو التعليم في الشمال؛ وإنما إلى شراء السلاح من الصين أو أي جهة أخرى لاضطهاد الشعب في النوبة؛ إن الأموال يتم توجيهها في شراء المزيد من المقاتلين والمزيد من القنابل لقصف الناس هنا في النوبة، والمزيد من الجنود للمجيء وارتكاب المزيد من الاعتداءات ضد النوبة؛ لذا فنحن منتظرون لنرى”.
وفي سؤال عن “ماذا تعتقد أنه أفضل الطرق أمام المجتمع الدولي لبذل الضغوط على حكومة السودان لتحسين الوضع الإنساني في جبال النوبة؟”، أجاب الدكتور كاتينا قائلا: “تسعى الحكومة السودانية سعيا حثيثا لرفع تلك العقوبات والخروج من قائمة الدول الراعية للإرهاب لأن اقتصادها يعاني جرّاء هذا وذاك؛ وإذا لم ترفعوا تلك العقوبات بشكل دائم، فإن ذلك يترك تلك الحكومة في حالة يُرثى لها لا يمكنها في ظلها الاستمرار في شراء أسلحة؛ ومن ثم فأنا أعتقد أن ثمة نفوذا يمكن للولايات المتحدة أن تمارسه وأن تقول: (لن نرفع تلك العقوبات إذا لم تسمحوا بمرور المساعدات الإنسانية”.
وأضاف كاتينا، “ثمة أيضا المزيد الذي يمكن للاتحاد الأوروبي أن يفعله، لأن هذا الاتحاد يقدم أموالا لمراقبة الناس العابرين للصحراء؛ لكني أعتقد أن الإرادة السياسية غائبة؛ لا توجد مصلحة؛ هذا صراع صغير، بعيد عن الأنظار؛ أعتقد أن تلك الحكومات إنما ترغب في الحفاظ على الخرطوم إلى جانبهم للمساعدة استخباراتيا ضد الجماعات الإرهابية ووقْف تدفق الهجرة؛ لذا فإن الإرادة غائبة لوضع ضغوط على الخرطوم والقول لحكومة السودان: (إنظروا، سنبقي على تلك العقوبات مفروضة عليكم ما لم تسمحوا بمرور المساعدات إلى النوبة”.
واختتم الدكتور كاتينا قائلا: “لذا، أعتقد أن القدرة متوفرة، لكن ليس ثمة ضغطا يُمارَس؛ هذا ما نحن بصدده: ليس ثمة مصلحة لأوروبا والولايات المتحدة في هذا الصراع”.