الخرطوم – صوت الهامش
قالت منظمة كريستيان سوليدرايتي وورلدوايد الحقوقية، إنه بينما يشكّل السودان حكومة انتقالية جديدة، يجب على المجتمع الدولي ألا يكرر أخطاءه.
واستهلت المنظمة تقريرا، اطلعت عليه صوت الهامش، بالقول إن أبريل أصبح شهرا ذا أهمية خاصة عند الأمة السودانية.
وفي هذا العام، وبعد أكثر من 18 شهرا تحت حُكم طغمة عسكرية استولت على السلطة في أكتوبر 2021، يأمل كثيرون أن يشهد شهر أبريل الجاري تشكيل حكومة انتقالية جديدة تكون إيذانا بميلاد فجر جديد في السودان.
لكننا كنا هنا من قبل؛ وتحديدا في يوم 11 أبريل من عام 2019، بعد شهور من مظاهرات غير مسبوقة اجتاحت عموم البلاد وتمخضت عن رحيل نظام عمر البشير بعد 30 عاما على رأس البلاد.
وكانت الآمال أن يضع رحيل البشير نهاية لثلاثة عقود من الحكم القمعي بما فيه من انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، ومن بينها حرية المعتقَد والاعتقاد.
وقد شهدت السنوات التالية لرحيل البشير تطورات محدودة لكنها إيجابية على حال في السودان، ومن ذلك تعهدات بتسليم المتهمين من المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب فظائع، ومن ذلك أيضا نزع صفة الجريمة عن الرِدّة، وترك الجَلد كعقاب للتجديف، بل والتوصل لاتفاق على تدشين مفوضية وطنية مستقلة للحرية الدينية ووزارة للسلام وحقوق الإنسان (رغم أن أيا منهما لم يتشكل حتى الآن مع الأسف).
لكن حتى في أثناء هذه الفترة، استمرت المخاوف. وفي ظل استمرار تقارير عن العنف وانتهاكات حرية المعتقَد والاعتقاد، حذرت منظمة كريستيان سوليداريتي وورلدوايد وغيرها من أن هذا التقدم البطيء، لا سيما على صعيد الإصلاح القانوني، من شأنه المجازفة بانحراف الرؤية الخاصة بأن يكون السودان لجميع مواطنيه – وهي الرؤية التي ناضل في سبيلها الشعب السوداني.
كما حذرت المنظمات الحقوقية من مغبة تراجع الدور الرقابي للمجتمع الدولي على الأوضاع الحقوقية في السودان.
غير أن هذه النداءات تقع على آذان صماء.
ثم في يوم 25 أكتوبر 2021، وبعد أسابيع معدودة من إزالة السودان من أجندة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، استولى الجيش على السلطة مجددا وعاد بالبلاد مجددا إلى مستنقع القمع والاضطراب.
بعد ذلك بشهر، وفي نوفمبر 2021، وقّع قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان اتفاقية مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك أُفرج بموجبها عن الأخير من إقامة جبرية كان قد وُضع فيها ليعود ويواصل مهامه كرئيس لوزراء السودان.
لكن ذلك أيضا لم يعمّر كثيرا؛ وقد بات واضحا أن الجيش لا يزال بشكل كبير جدا هو القوة المسيطرة على الشراكة، وقد استقال حمدوك في يناير 2022.
وفي ظل الحكم العسكري، شهد السودان مزيدا من النكوص ومن الرجوع إلى أيام نظام البشير القمعي. وتم تعيين عدد كبير من الموظفين المعروفين بولائهم للنظام السابق في مناصب مهمة.
وفي ديسمبر 2021، خوّل البرهان مزيدا من السلطات للأجهزة الاستخباراتية ولقوات الدعم السريع وللجيش – ويواجه كثير من أعضاء هذه الكيانات اتهامات بارتكاب انتهاكات بحق متظاهرين في أثناء الموجة الأولى من الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد في عام 2019.
وقد منح البرهان حصانة لأعضاء من تلك الكيانات، وهو وحده الذي يستطيع رفع تلك الحصانة، ومن ثم باتت الوعود بإجراء تحقيقات في الاتهامات المشار إليها بلا معنى.
وهكذا، زاد التدخل في الشؤون الدينية مجددا في ظل الحكم العسكري للسودان. وفي يناير 2023، اكتشفت الكنيسة الإنجيلية المشيخية أن أجزاء من أرض تمتلكها في العاصمة الخرطوم قد بيعت بعد أن أعاد وزير الشؤون الدينية والأوقاف عبد العاطي أحمد عباس تعيين لجنة غير قانونية كانت قد شُكلت إبان حكم البشير للسيطرة على شؤون الكنيسة.
كما سُلبت ممتلكات للكنيسة الإنجيلية المشيخية بأيدي لجان غير قانونية في مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض، وفي كادوقلي بولاية جنوب كردفان.
كما يواجه رئيس الكنيسة الإنجيلية المشيخية في كادوقلي تهما جنائية وجهها إليه أعضاء لجنة أخرى شُكلت على أساس غير قانوني.
وفي دارفور، اتهمت السلطات أربعة أشخاص بالرِدّة في يوليو 2022، رغم حقيقة أن الجريمة قد مُحيت من القانون في ظل الحكومة الانتقالية السابقة في السودان!
وفي غضون ذلك، لا تزال المظاهرات السلمية تواجَه بالعنف في السودان. وفي 28 فبراير 2023، لقي إبراهيم مجذوب البالغ من العمر 15 عاما مصرعه بعد أن أصيب برصاص قوات الأمن في أثناء مشاركته في مظاهرة سلمية في العاصمة الخرطوم.
وبحسب وسائل إعلام، فإن مجذوب هو المتظاهر رقم 125 الذي يلقى مصرعه في أثناء مظاهرات أسبوعية تخرج منذ الانقلاب.
كما لا تزال عمليات الاعتقال التعسفي والاحتجاز واللجوء للتعذيب منتشرة في السودان.
أضف إلى ذلك التناحر بين الجنرال البرهان على رأس القوات المسلحة والمقرّب من مصر والولايات المتحدة من ناحية والجنرال محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي على رأس قوات الدعم السريع والمقرب من روسيا وإريتريا من ناحية أخرى– وهو تناحر يحمل في داخله نُذرا بالسوء.
كل ذلك يشكّل تحديات خطيرة لأي حكومة انتقالية قادمة والتي سيكون عليها أولاً وقبل كل شيء أن تضمن ألا يظل الجيش مسيطرا فعليا على مقاليد الأمور في السودان، وأن تنفّذ آلية محاسبة ليس فقط للانتهاكات وعمليات القتل التي وقعت منذ 25 أكتوبر2021، ولكن أيضا للحوادث السابقة لذلك التاريخ، بما فيها الاعتداءات على المتظاهرين في يونيو 2019.
وهناك دور على المجتمع الدولي أن يؤديه أيضا؛ فبعد أن رأى هذا المجتمع إخفاقات السودان في آخر محاولة للانتقال إلى ديمقراطية سلمية، وبعد ملاحظة [هذا المجتمع الدولي] أخطاءه في أثناء تلك العملية، يتعيّن عليه ضمان عدم تكرار تلك الأخطاء.
وعليه يجب أن يظل الفحص المكثف لأوضاع حقوق الإنسان في السودان يمثل أولوية. كما أن على الدول أن تفعل كل ما بوسعها لضمان سرعة انتقال السلطة في السودان إلى حكومة بقيادة مدنية.