لندن: صوت الهامش
نشرت “جمعية الأمم المتحدة والمملكة المتحدة” (UNA-(UK بالتعاون مع منظمة “شنّ السلام” Waging Peace، تقريرًا مطولا حول مستقبل بعثة الأتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور (الـيوناميد) والتي تشهد تجديد مأموريتها نهاية الشهر الجاري وسط مخاوف من تخفيضات في أعداد قواتها وأثر ذلك على الأوضاع في دارفور.
ويوضح التقرير الذي اطلعت عليه (صوت الهامش) أهمية الأخذ في الاعتبار رغبات ومخاوف شعب دارفور كأساس عند مناقشة مستقبل اليوناميد؛ وأكد التقرير أن خفض أعداد القوات، ما لم يكن مصحوبا باستراتيجية شاملة لمراقبة حقوق الإنسان وتغطيتها إعلاميًا ودعم سيادة القانون، فلن يزيد الأوضاع المتردية في دارفور إلا سوءًا. وقد تضمّن التقرير شهادات لـدارفوريين في الشتات (مع إيراد الحرفين الأولين فقط من أسمائهم)؛ إضافة إلى تحليل للسياسات وتقييم للمعايير التي رصدتها الأمم المتحدة للبعثة.
يقول (إ. م)، وهو مدرس من شمال دارفور، “لقد رأيت انتشار اليوناميد أواخر 20077، وكانت السنتان أو الثلاثة الأولى جيدة فيما يتعلق بحماية بعض المخيمات الكبرى للمشردين داخليا في دارفور بمخيمات من أمثال “أبوشوك” و”زمزم”، إضافة إلى بعض القرى، ومع مرور الوقت نقص عدد ضباط الاتصال؛ وبدأت حكومة السودان تعاملهم كجواسيس وبدأت تضع قوات اليوناميد تحت المراقبة؛ كانت تلك هي بداية التدهور؛ وبدأت التغطية الإعلامية من اليوناميد في التقطع ونقصَ عامل الحماية بينما كانت القوة نفسها تحت الهجوم من جانب الميليشيات الحكومية”.
ويسعى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بحسب التقرير، إلى اتخاذ قرارٍ نهاية الشهر الجاري بشأن مستقبل (اليوناميد)، وقد اقترحتْ مراجعةٌ استراتيجية للعملية تخفيضًا مرحليا لأعداد القوات المسلحة بنسبة 44%، وأعداد قوات الشرطة بنسبة 30%، على مدى عام؛ لتكون البعثة الجديدة عبارة عن قوة مدنية لتحقيق السلام والدعم المؤسسي عبر معظم دارفور، على أنْ تتركز القوة العسكرية المخفضة في منطقة “جبل مرة” المضطربة وسط الإقليم.
وشدّدتْ كلٌ من “جمعية الأمم المتحدة والمملكة المتحدة” ومنظمة “شنّ السلام” على ضروة الحذر الشديد لدى تخفيض أعداد البعثة؛ فالحقوق السياسية والأمنية والأوضاع الإنسانية في دارفور كلها متزعزعة، وفي ظل مروق الحكومة السودانية فإن أي تقليص في الحجم أو النطاق للبعثة لا يمكن التراجع فيه بشكل سريع.
ورأى التقرير أن اليوناميد تعاني مشاكل بلا شك، وفي سعيه لعلاج تلك المشكلات يمكن أن يخفض إجمالي أعداد القوات وأن يحقق توفيرات مالية؛ لكن اختيار قيادة قوية للبعثة وانتقاء كبار المسئولين فيها بعناية كفيلٌ بأن تقوم اليوناميد بالكثير من المهام بعدد أقلّ من الأفراد؛ لا سيما وأن البعثة تؤدي خدمات استثنائية القيمة عندما تحول دون الدخول في نزاع شامل مجددا، وعندما تردع وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان، وعندما تحمي المدنيين – تلك الأوجه للبعثة لا يجب أن تضيع في محاولة محفوفة بالمخاطر تستهدف تحقيق توفيرات؛ إن خطوة كتلك ليست فقط كفيلة بأن تتمخض عن تكفلة إنسانية باهظة الثمن ولكنها أيضا ستكون عملية اقتصادية وهمية.
تقول (إ. أ) من شمال دارفور، إن “النساء في دارفور سيكونوا من بين أكثر الفئات تضررًا حال تقليص اليوناميد أعداد قواتها؛ أنا أمّ لأطفال وأقيم في مخيم “أبو شوك”؛ وعادة ما تخرج السيدات والفتيات حول المخيم لالتقاط الحطب لاستخدامه كوقود وهنالك تواجهن أخطار الاغتصاب أو الموت على أيدي ميليشيات موالية للحكومة: “الجنجويد” و”قوات الدعم السريع”؛ ينبغي ألا تكون هنالك أية خطة لتقليص عدد قوات اليوناميد؛ على العكس ينبغي أن تزيد تلك الأعداد لحماية المدنيين حتى يعمّ سلام حقيقي يضمن لنا عودة آمنة إلى بلادنا”.
ولفت التقرير إلى أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أكد عام 20155 على موقفه من أن أي تقليص لأعداد بعثة اليوناميد يجب أن يقوم على أساس إحراز تقدم على ثلاثة محاور: (i) عملية سلام شاملة عبر الوساطة بين الحكومة من جانب والحركات المسلحة غير الموقعة من جانب آخر على أساس وثيقة الدوحة للسلام في دارفور؛ (ii) حماية المدنيين وتمكين عملية وصول المساعدات الإنسانية وحماية وتأمين الأعضاء القائمين على تقديم تلك المساعدات الإنسانية؛ (iii) منع أو تخفيف حدة النزاعات المجتمعية عبر الوساطات واتخاذ تدابير لمعالجة أسباب تلك النزاعات وذلك بالتعاون مع فريق الأمم المتحدة في البلاد.
ورأى التقرير أن التقدم الذي تمّ إحرازه على تلك المحاور كان ضئيلا؛ وقد رسمتْ مراجعةٌٌٌ استراتيجية اشتركتْ فيها الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي للعام 2016 صورةً لوضعٍ أمنيّ في دارفور هو على الرغم من اعتباره بمثابة تحسّنٍ في أشد أيام دارفور حلكةً، إلا أن الإقليم لا يزال عالي الاضطراب ومرشحًا لمزيد من التمزّق؛ ويسعنا هنا أن نتفق مع هذا التقييم، رغم أنه يمكنا القول إن مستوى الاضطراب أعلى بكثير مما يصوره التقييم؛ فعلى سبيل المثال: التحليل للصراع والديناميكيات المستخدمة في المراجعة الاستراتيجية باتت قديمة؛ ذلك أن عمليات عنف جديدة اشتعلتْ بعد صدور هذه المراجعة.
وقد أكدت المراجعة الاستراتيجية أن العملية السياسية الخاصة بتحقيق السلام والإصلاح لا تُحرز تقدما بخطى سريعة على النحو المرجوّ، وأن “بنودًا أساسية لم يتم تنفيذها بعد، وأن عددًا من القضايا المُلحة المتعلقة بما بعد الصراع والمظالم الدافعة للتمرد لا تزال تحتاج إلى علاج”… يسعُنا الموافقة على هذا التقييم، بل وإضافة أن سيرَ العملية السياسية مرشحٌ لمزيد من التباطؤ وربما الخروج عن المسار في ظل ضياع النفوذ على حكومة الخرطوم.
ورصد التقرير انتهاج المسئولين السودانيين بالفعل توجهًا متخاصما إزاء عناصر من جهاز الأمم المتحدة، كما أن عمليات الظهور الأخيرة في أروقة مجلس الأمن إنمّا جرّأت هؤلاء المسئولين؛ وسوف يرى هؤلاء في انخفاض أعداد قوات اليوناميد نجاحًا رئيسيا في محاولاتهم الرامية إلى تطبيع العلاقات مع المجتمع الدولي، ولسوف يتجرأون أكثر عبر الرفع المُخطط له للعقوبات الأمريكية على السودان في يوليو المقبل؛ ولن يبقى أمامهم سوى الحذف من على القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب والتخفف من عبء الديون والاستثمارات المالية نتيجة لذلك.
وفي ظل ضعف ما تمّ إحرازه على صعيد المحاور المقترحة في 2015، تقترح المراجعة الاستراتيجية اختيار محاور جديدة؛ وهذا من شأنه مساعدة البعثة (اليوناميد) في مزيد من التحديد للأهداف المنوطة بتحقيقها، لكنه لا يعطي مبررا كافيا لخفض أعداد البعثة.
وحذر التقرير من أن تبعات خفض عدد بعثة اليوناميد ينذر بأخطار كبرى هي: نقص في المرونة وما يترتب على ذلك من فشل في مهمة حماية المدنيين؛ وفشل في مراقبة وتغطية وقائع حقوق الإنسان؛ ونقص في القدرة على التأثير على الوضع الإنساني بصورة أشمل.