واشنطن: صوت الهامش
اكتسبت حملة الضغط في أمريكا لرفع العقوبات على النظام السوداني زخمًا بعد إرجاء البيت الأبيض البتّ في مسألة العقوبات إلى شهر أكتوبر المقبل.
ورصدت الصحافية ميجان ولسن، في تقرير نشرته صحيفة (ذا هيل)، نشاطا من جانب شركات الضغط الموجودة في شارع (كي ستريت) بالعاصمة واشنطن ومن جانب المنظمات الحقوقية العاملة بالإضافة إلى الدبلوماسيين في الإدارة الأمريكية في محاولة للتوصل إلى اتفاق نهائي عمّا ستبدو عليه أية قيود مستقبلية على السودان.
ويعطي قرار الرئيس ترمب التنفيذي مساحة زمنية 3 أشهر أمام نظام السودان ليُظهر هذا الأخير كيف حققّ تحسّنات على خمسة محاور، تتضمن “التعامل مع صراعات إقليمية”؛ ولم يكن قرار ترمب مفاجئا للكثيرين في مجتمع السياسة الخارجية، ذلك أن ترمب لم يُعيّن حتى الآن مسئولين في المناصب المعنية بالقضايا الأفريقية بوزارة الخارجية الأمريكية أو بمجلس الأمن القومي في البيت الأبيض.
وبحسب مراقبين للجهود الدفاعية عن السودان، “أمامنا الآن 3 أشهر للوصول لأشخاص قادرين على الاضطلاع بالمهام، لكن لا يمكن تخمين ماذا سيحدث لو بلغنا شهر أكتوبر ولم نكن قد حصلنا بعد على الأشخاص المناسبين في مناصبهم في إدارة ترمب”.
وأصاب قرار ترمب، النظام السوداني بالإحباط إذ يرى نظام البشير أنه أحرز تقدما كافيا على كافة المحاور المتطلبة؛ وفيما أمر الرئيس البشير بتعليق التفاوض مع الولايات المتحدة حتى الـ 12 من أكتوبر المقبل، فإن مصدرا صرّح لـ (ذا هيل) أن مسئولين آخرين في حكومة البشير يحاولون التلويح بإمكانية العمل مع الولايات المتحدة في مسألة رفع العقوبات.
إننا إذًا إزاء وضْعٍ قد يتعذر معه تحقيق تقدّم على صعيد العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والسودان، لكن ثمة شعورًا بالتفاؤل بين بعض المشتغلين على القضية.
ويؤكد المراقبون للجهود الدفاعية عن السودان أن “ثمة عقودا من انعدام الثقة بين حكومَتي الولايات المتحدة والسودان تقف في خلفية المشهد؛ وهذا مكمن صعوبة التقارب الراهن حيث يحاول كل طرف بناء ثقة في الطرف الآخر”. ويؤكد هؤلاء المراقبين أن حكومة السودان مستعدة للتعامل مع سِجّلها في مجال حقوق الإنسان.
وترى منظمات حقوق الإنسان في قرار إدارة ترمب فرصة لدفع حكومة السودان على صعيد الاعتراف بحقوق الإنسان والحرية الدينية – وهما محوران لم يتعرض لهما قرار الرئيس السابق باراك أوباما في يناير الماضي.
وقال عمر إسماعيل، من منظمة كفاية الأمريكية، إن مسئولين من وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي الأمريكيين عقدوا جلسة نقاش بالبيت الأبيض الأسبوع المنصرم أكدوا فيه على أحقية هذين المحورين (حقوق الإنسان والحرية الدينية) بتصدّر المطالب، ذلك أنهما لم يظهرا في قرار ترمب التنفيذي.
وأضاف إسماعيل، أن العقوبات الحالية ينبغي أن تُرفع على أن تُستبدَل بعقوبات “محددة الهدف بذكاء” إضافة إلى إيجاد طريق لمراقبة التقدم المتحقق، وضمان أن يعلم النظام السوداني أنه لم يأخذ “تفويضا مُطلقا” لعمل ما يحلو له.
وأكد إسماعيل أن “تنفيذ العقوبات يساوي في أهميته فرْض العقوبات؛ ذلك أن فرْض العقوبات ليس سياسة في حد ذاته، وأن العقوبات إنما هي أداة تستخدمها السياسة”.
إن قرار (أوباما) رفْع العقوبات عن السودان جاء بمثابة تحوّل سياسي محتمل، حفزّ حكومة البشير على التعاقد مع شركة “سكوير باتون بوغز” الأمريكية للضغط في البيت الأبيض لرفع العقوبات في مقابل 40 ألف دولار شهريا؛ وتأتي على رأس أولويات العقد: العمل على تجنب عودة العقوبات الأمريكية؛ ودعْم المناخ الاستثماري في السودان.
وقبل أن يُصدر ترمب قراره بالتأجيل، شنّ كل من الممثل الشهير جورج كلوني، والناشط الحقوقي جون برندرغاست، هجوما في مقال نشرته مجلة “تايم الأمريكية” على شركة سكوير باتون بوغز بسبب دفاعها عن نظام البشير الذي وصفاه بالوحشي والبشع، مستائلَين عما إذا كان أعضاء الشركة يعلمون شيئا عن فظائع هذا النظام، ولا سيما من بين هؤلاء الأعضاء المشرّعون السابقون: جون بوينر، وجون بريوكس، وترنت لوت.
أيضا شركة “كوك روبوتام” للمحاماة تضطلع بتمثيل حكومة السودان منذ شهر فبراير، بموجب عقد قيمته 300 ألف دولار لمساعدة نظام البشير في الحصول على رفع العقوبات.
فيما أصدر عدد من السفراء السابقين ومسئولون سابقون في مجلس الأمن القومي تقريرا متعمقا عبر مؤسسة “المجلس الأطلنطي” البحثية مفاده أن عقوبات السودان لم تؤتِ الثمار المرجوة منها ومن ثمّ ينبغي على الولايات المتحدة استبدالها بالجهود الدبلوماسية.
وقال برينستون ليمان، المبعوث الأمريكي الخاص السابق للسودان وجنوب السودان، والذي شارك في تقرير المجلس الأطلنطي “من غير المُجدي أن تقول (عندما تتغيروا تماما، سنرفع العقوبات)، ليست تلك هي الطريقة التي يحدث بها التغيير”؛ وقد عقد المجلس الأطلنطي اجتماعا في واشنطن الأسبوع الماضي لمناقشة التقرير.
وأثناء مناقشة التقرير في اجتماع واشنطن، قال كاميرون هدسون، المساعد السابق لـبرينستون ليمان في إدارة أوباما، “لقد انتظرنا انهيار الاقتصاد السوداني… انتظرنا سقوط نظام البشير … انتظرنا بدء ثورة شعبية، لكن أيا من ذلك لم يحدث”.