لندن: صوت الهامش
نشرت منظمة (إنسايت أون كونفلكت) تقريرا، أكدت فيه أن التمييز العنصري ضد غير العرب في السودان يمثل مشكلة رئيسية، وأن الصراع لا يمكن إنهاؤه إلا بوضع حد لأشكال الاضطهاد.
وقال التقرير إن عددا من التدابير السياسية التي تتخذه حكومة السودان تحمل في طياتها تمييزا عنصريا متزايد الوتيرة ضد السودانيين من غير العرب، مشيرا إلى أن الحرب والاضطراب السياسي ساعدا في ترسيخ الفصل المؤسساتي والتوتر العرقي بالبلاد.
وأشار التقرير إن التمييز العنصري البنيوي الثقيل الخطى والتهميش الاجتماعي والثقافي ضد الجماعات الإثنية الأفريقية يمثل سببا رئيسيا من أسباب زيادة حدة التوترات العرقية والصراع؛ وقد فشلت حتى الآن الحكومة وكذلك المجتمع المدني في التعامل مع المشكلة المتفاقمة لهذا الانقسام الاجتماعي.
وشدد إن تحقيق سلام مستدام في السودان يتطلب التعامل مع الأسباب ذات الجذور الاجتماعية للصراعات القائمة في أطراف السودان؛ كما أن دعم المبادرات المحلية ومساعدتها في الانتشار على مستوى إقليمي وقومي من شأنه تعزيز الحوار الاجتماعي وتخفيف حدة التوتر العرقي.
ولدعم حوار مجتمعي داخلي فعال، فثمة حاجة إلى المشاركة النشطة في: مبادرات الشباب، ومبادرات المشردين داخليا، ومبادرات القادة التقليديين والقبليين- ومن الأهمية بمكان التفاعل مع كل تلك المجموعات لبناء سلام مستدام.
وأوضح التقرير أن أسباب التوتر العرقي القائم في السودان كثيرة بينها ما هو تاريخي وما هو موروث استعماري وما هو اجتماعي واقتصادي وسياسي وبيئي ، ويمكن اعتبار الفصل المؤسساتي الرسمي للجماعات الإثنية الأفريقية من جانب النُخب الحاكمة بمثابة سبب رئيسي للتوتر الراهن.
ومنذ الاستقلال في عام 1956، رغبت النخب السودانية الحاكمة في الانضمام إلى الأمم العربية ومن ثم التحقت بجامعة الدول العربية؛ هذا القرار كان قائما على أساسٍ هو محلّ نظر من أن غالبية السودان هم عرب ومسلمون؛ وعليه فقد تبع الانضمام لصفوف جامعة الدول العربية تبّني الحكومة السودانية لسياسات فصلٍ تميل إلى “تعريب” البلد، وتمخضت هذه السياسات عن تهميش للمواطنين الأفارقة على الأصعدة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، كما تمخضت عن نشوب حروب في جنوب السودان والنيل الأزرق وكردفان عام 1983.
وبعد استيلائه على السلطة في انقلاب عسكري عام 1989، أقدم الجنرال عمر البشير عبر حزبه الحاكم على طرح أول بيان سياسي له باسم “المشروع الحضاري” الذي سرّع وتيرة تعريب السودان واستهدف الثقافات والهويات غير العربية؛ وكانت النية وراء تصميم المشروع الحضاري تستهدف خلق تفاوت اجتماعي على حساب غير العرب على نحو قاد إلى سيادة الفقر واشتعال الصراع والتشريد الجماعي والهجرة من المناطق الرعوية إلى الحواضر.
وأكد التقرير على أن المناطق التي دمرتها الحروب منذ حقبة التسعينيات هي مناطق غالبية سكانها من غير العرب، والأدهى من ذلك أن الحكومة في كافة حروبها عمدت إلى تعبئة وتسليح العرب لتنفيذ هجمات عدوانية جنبا إلى جنب مع قوات الجيش الحكومي ضد الأفارقة.
وفي ديسمبر 2010، أعلن الرئيس البشير أن انفصال جنوب السودان هو إيذان بانتهاء زمن التنوع وأن هوية السودان ستمسي عربية إسلامية فقط؛ وقد أثار ذلك قلقا وتخوفا وكراهية بين أوساط الأفارقة ضد مَن يسمونهم “الجلابة” في إشارة إلى العرب من وسط وشمال السودان.
وإذا كانت الحلول السياسية بإمكانها إنهاء الحرب عبر تقاسم السلطة والتنمية، فإن هذه القضايا المرّكبة اجتماعيا تحتاج إلى حوار اجتماعي وتفاعل مجتمعي؛ وفي ظل الديكتاتورية وضيق الفضاء المسموح به للمجتمع المدني، ينبغي على جهود السلام أن تركز على دعم الحركات والمبادرات المحلية .
وقال التقرير في ظل الدور المتآكل للدولة نتيجة للتسييس القَبَلي في السودان من جانب الحكومة الراهنة، فإن الناس في المناطق الرعوية بشكل خاص يخضعون لنفوذ قبائلهم، ومن ثم فإن إشراك القادة القَبَليين (زعماء القبائل) في حوارات السلام يمكن أن يكون ذا مردود عظيم على صعيد تحقيق سلام مستدام في السودان.
وبين التقرير إن التمييز العنصري في السودان يتم بحماية وتحت أعين النظام الراهن الذي ينتهج استراتيجية “فرّقْ تسدْ” لتأجيج نيران الحرب في الأطراف؛ كما أن المساحة الضيقة المتروكة للمجتمع المدني لا تسمح لأي عناصر حكومية بالتأثير في السياسات – وعليه، فإن العمل مع الشباب والقادة التقليديين والمشردين داخليا رغم التحديات والقيود، يبقى هو الطريق الأكثر فاعلية لوضع قضية العنصرية على الأجندة السياسة والترويج لفهم أبعادها.