لندن: صوت الهامش
رأت الكاتبة السودانية يسرا الباقر، أن الشيخة موزة زوجة أمير قطر السابق وأم الحالي لم تكن في زيارتها لأهرامات السودان في شهر مارس الماضي مجرد زائرة بارزة معجبة بعاصمة قديمة لمملكة فرعونية أقل شهرة، وإنما كانت الشيخة موزة صاحبة مصلحة في آثار السودان لما تمثله من ماضٍ غنيّ عانى إهمالا من جانب الأكاديميين حول العالم، بل ومن جانب قادة السودان أنفسهم.
ولفتت الباقر في تقرير نشرته الـفاينانشيال تايمز واطلعت (عليه صوت الهامش) إلى أن قطر ليست الداعم الوحيد لاقتصاد السودان الضعيف؛ حيث وصل حجم الاستثمارات السعودية في السودان عام 2016 نحو 15 مليار دولار في أكثر من 590 مشروعا في قطاعَي البنية التحتية والزراعة؛ وتأتي الإمارات العربية المتحدة كثاني أكبر مستثمر في السودان بنحو 11 مليار دولار – وعليه، فليس ثمة ما يثير الدهشة أن اشتعال أزمة الخليج وقيام أربع دول بقيادة السعودية بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر في يونيو المنصرم ترك السودان في مأزق بين طرفي الأزمة.
وعلى الرغم مما يعانيه السودان من نزاعات ممتدة الآجال ومن ضعف في صناعة السياحة، إلا أن قطر سبقت إلى استثمار 135 مليار دولار في استكشاف وترميم وصيانة الآثار السودانية؛ وقد تم توزيع التمويل على 40 مشروعا تقوم عليها بعثات دولية من فرنسا وألمانيا وبولندا.
وأسهمت اكتشافات توصلت إليها بعثات أوروبية بتلك المواقع في ملء ثغرات في التاريخ القديم؛ على سبيل المثال، مملكة كوش في شمال السودان والتي حكمت في أوج عظمتها مصر وفلسطين حوالي عام 750 قبل الميلاد إبان حكم الأسرة الـ 25 من “الفراعنة السود”، والملكة الكوشية العوراء “أماني ريناس” التي ألحقت الهزيمة بالجحافل الرومانية في هجوم قادته بنفسها على الأراضي المصرية عام 27 قبل الميلاد.
اليوم، المنطقة تمثل ساحةً لبقايا آثار معبد ومقرًا لمواقع اليونسكو للتراث العالمي، وقد ظلت مغمورة لعقود تحت عنوان عريض هو “علم المصريات”، ويقول خبراء إن دراسة الآثار السودانية مدخل هام جدا لفهم التاريخ الأفريقي ككل.
ورأت الباقر أن تمويل قطر إنما يعكس رغبة حقيقية في تسليط الضوء على تاريخ السودان والحفاظ عليه؛ إنما الخوف من أن يؤدي تصاعد حدة أزمة الخليج إلى ترك المواقع الأثرية السودانية عُرضة للتدمير – ويخشى محليون من أن تصير تلك المواقع ساحة رمزية لنزاعات إقليمية؛ وللأسف لا يمكن الوثوق في حماية الحكومة السودانية لتلك الآثار التي هي نافذة على تاريخنا.
وفي عام 1959، تسبب بناء سد أسوان المثير للجدل في تشريد 52 ألف نوبي في السودان ومصر وفي تدمير العديد من الآثار؛ ومرة أخرى في عام 2003، تسبب بناء سدّ مروي في تشريد 50 ألف سوداني محلي وفي إغراق منطقة أثرية مساحتها شاسعة؛ ويمكن تكرار هذا النمط التدميري، فحكومة السودان تخطط لبناء سلسلة من 5 سدود تخزين في وادي النيل وافقت السعودية على تمويلها.
وفي عام 2007، فتحت الشرطة السودانية النيران على مدنيين متظاهرين لدى بناء سدّ “كجبار” في النوبة القديمة، والذي ينذر بإغراق 90 قرية وتشريد نحو 10 آلاف شخص وتدمير أكثر من 500 موقع أثري؛ وقد سقط 4 أشخاص؛ وعلى الرغم من ضغوط جماعات المعارضة والاحتجاجات إلا أن المفاوضات لا تزال جارية بين الحكومة والمقاولين المحتملين لبناء السد.
وأكدت الباقر، أن استثمار قطر في آثار السودان هو هزيل مقارنة بالمليارات التي تصبّها السعودية لإغراق تلك الآثار؛ إن مشاريع الأثرية الحالية تفتح الباب لتدفق السائحين الدوليين وتشجع الحكومة على حماية الكنوز السودانية؛ لكن في ضوء سِجلّ الحكومة السودانية من إهمال وسوء إدارة، فنحن نخشى أن يُمسي تاريخ السودان مجرد أداة مساومة أثرية حيث يتم الحفاظ عليه تارةً لإرضاء دولة ويتم تدميره تارة أخرى لإرضاء دولة أخرى.