واشنطن _ صوت الهامش
أفاد تقرير دولي جديد بأن الرئيس السوداني المخلوع “عمر البشير” الذي طرد من السلطة بانقلاب عسكري، بات أكثر عرضة من أي وقت مضى للاعتقال بموجب مذكرة التوقيف الدولية الصادرة ضده منذ عقد من الزمن بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور.
ولكن التقرير الصادر عن وكالة “أسوشيتد برس” الدولية أكد أن الجيش السوداني، الذي أجبر البشير على التنحي عن السلطة بعد أربعة أشهر من الاحتجاجات الجماهيرية، يأبى تسليم – البشير- إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
بينما أبدى العديد من معارضي البشير ترددًا من تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية كما يفصح التقرير، كاشفًا أنهم يفضلون تقديمه إلى العدالة داخل السودان، حيث أن أي محاولة لمحاسبته وغيره من كبار المسؤولين يمكن أن تشكل مخاطر على الانتقال إلى الحكم المدني الذي يسعى إليه المحتجون.
وذكر التقرير بأن التهم الموجهة للبشير ناشئة عن النزاع في منطقة دارفور الشاسعة والمهملة في غرب السودان، حيث اندلعت حركة تمرد في عام 2003، دفعت حكومة البشير لحشد الميليشيات المعروفة باسم “الجنجويد” المتهمة بإحراق القرى، وارتكاب مذابح استهدفت المدنيين، والقيام بعمليات اغتصاب جماعي بين ثلاث مجموعات عرقية إفريقية هي “الفور” و”المساليت” و”الزغاوة”، حيث أسفر الصراع عن مقتل ما يقدر بنحو 300 ألف شخص، وتشريد حوالي 2.7 مليون شخص.
واستضاف العديد من الزعماء الأفارقة والعرب – آخرهم الرئيس السوري بشار الأسد – البشير، ورفضوا اعتقاله على الرغم من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي حثهم على القيام بذلك، بحجة أن المحكمة الجنائية الدولية تتعدى على السيادة الوطنية.
كما زعم نقاد تسليم البشير للجنائية الدولية، أن المحكمة منحازة، مشيرين إلى أن جميع مذكرات الاعتقال المعلقة تستهدف الأفارقة، بالإضافة إلى أن كلًا من الولايات المتحدة والصين وروسيا لم تصادق بعد على نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة.
وقد رفضت الولايات المتحدة سلطة المحكمة الجنائية القضائية على جرائم الحرب المزعومة، والتي ارتكبتها القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان وأماكن أخرى، وفي مارس الماضي، تحركت الولايات المتحدة لمنع محققي المحكمة الجنائية الدولية من دخول البلاد.
ووفقاً لـ “أسيوشتد برس” فإن خبراء يقولون أن مذكرات الاعتقال الصادرة من المحكمة الجنائية الدولية ضد البشير، دفعته على الأرجح إلى اللجوء إلى تكتيكات أكثر وحشية للبقاء في السلطة، وهو الأمر الذي أدى إلى إطالة أمد حكمه الاستبدادي والصراع في دارفور، حيث تستمر الاضطرابات المنخفضة المستوى حتى يومنا هذا.
وربما تكون مذكرة الاعتقال قد أرسلت رسالة مماثلة إلى قادة آخرين متهمين بارتكاب جرائم حرب، مثل “الأسد”، مفادها أن الطريقة الوحيدة لتجنب الملاحقة القضائية هي البقاء في السلطة بأي وسيلة ضرورية.
وقال “أليكس دي وال” – الخبير في شؤون السودان بجامعة تافتس – : “ربما أرجأت المحكمة الجنائية الدولية إرساء الديمقراطية لمدة 10 سنوات لأن البشير اعتقد أنه لا يستطيع التنحي بأمان، ويجب ألا يلحق أي ضرر آخر بعملية التحول الديمقراطي السوداني”.
وعلى الجانب الآخر، طالب منظمو الاحتجاجات التي استمرت أربعة أشهر والتي عزلت البشير في نهاية المطاف من منصبه بأن يسلم الجيش السلطة على الفور إلى مجلس مدني يحكمه لمدة أربع سنوات، كما أبدوا اعتراضهم وخشيتهم من أن يحل الجيش مكان البشير.
ومن جانبه، يصر الجيش على أنه ملتزم بالحكم لمدة لا تزيد عن عامين، ستجري خلالها انتخابات مدنية، ويقول إن البشير سيقدم إلى العدالة من قبل المحاكم السودانية ، وأقيل كبار القضاة وأعضاء النيابة الذين تم تعيينهم من قبله.
وتعتبر أي مطالبة دولية بتسليم “البشير” تعقيد لمخطط العسكر، على اعتبار أن كبار قادة قوات الأمن قد يخشون أن يتم استهدافهم أيضًا، حيث أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر ضد ثلاثة متهمين آخرين لهم صلة بحكومة البشير، وقد يكون لديها أدلة ضد آخرين ممن يجلسون الآن في المجلس العسكري الانتقالي، وقد يستنتج المجلس الحالي،أنه “مثل البشير” وأن طريقتهم الوحيدة لتجنب الاحتجاز في لاهاي هي التمسك بالسلطة.
وفي السياق ذاته، يدرك المحتجون هذه المخاوف وامتنعوا حتى الآن عن المطالبة بتسليم البشير، حيث قال عضو بارز في تجمع المهنيين السودانيين – التي نظمت الاحتجاجات ، قال إنه إذا أمكن إقامة نظام قضائي جديد “بمعايير مستقلة” ، فعندئذ “لن يعترض أحد على محاكمة عمر البشير. وقال: إنه “بدون مثل هذه المعايير ،” سوف يبحث السودانيون عن العدالة في أماكن أخرى من العالم. ”
وقال “دي وال” إن اقتراحًا سابقًا قدمه الاتحاد الإفريقي لإنشاء محكمة مختلطة من القضاة الدوليين والسودانيين للتحقيق في الجرائم في دارفور قد قبله الجميع تقريبًا باستثناء البشير وكبار مساعديه ، ويمكن أن يقدم نموذجًا للمضي قدمًا في العدالة.
لكن هذا يعتمد على ما إذا كان المتظاهرون والجيش قادرين على الاتفاق على حكومة انتقالية يمكنها متابعة هذه العملية، حيث علق منظمو الاحتجاجات يوم الأحد المحادثات مع المجلس العسكري ، قائلين إنها فشلت في تلبية مطالبهم بنقل فوري إلى حكومة مدنية.
وفي غضون ذلك، يحتجز البشير، البالغ من العمر 75 عامًا في سجن “كوبر” بالخرطوم، كان السجناء السياسيون يُحتجزون فيه ذات يوم، حيث كان “العسام” قد احتجز فيه لمدة 98 يومًا.
ومن جانبهم، يأمل المحتجون أن يُقدم البشير يومًا للعدالة بسبب مجموعة من الجرائم، إلى جانب الفظائع التي ارتكبت في دارفور ومناطق أخرى ، وكذلك خلال الحرب الطويلة في جنوب السودان، كما أن قوات الأمن التابعة لـ”البشير” أطلقت النار على المتظاهرين في وقت سابق من هذا الشهر ، وقد تميزت فترة حكمه الطويلة بالفساد – وهي قضية رئيسية لحركة الاحتجاج المستمرة.