فى تسريبات النظام حول المفاوضات فى المنطقتين ، احد المتحدثين كان الفريق كمال عبد المعروف رئيس اركان القوات المسلحه ، الذى عبر عن الجيش الكيزانى ورايه في مسار المفاوضات وموقفه منها. و كان ابرز ما قاله الفريق عبد المعروف: ان النوبة ليس لهم أرض بل هى أراضى سودانية تلك التى عاش فيها تاريخيا اهل جبال النوبة، وإنكر حق النوبة التاريخي والقانوني والذي أقرته مواثيق دولية في حقوق الشعوب الأصيلة في أراضيها. وبالأمس القريب قال وزير الدفاع الكيزانى ان الجيش مستعد لاستعادة السيطرة على كافة أراضي السودان وعدم انتظار اى اتفاقات مع الحركات التى سماها “متمنعة”. وفى هذا التصريح مؤشرات على مخطط وشيك نحو عمليات عسكرية يتم الإعداد لها هذا الشتاء في مواصلة النظام لمنهج الإبادة ولغة القتل والعنف وهي اللغة الوحيدة التى يجيدها.
لكن النقطة الاهم في تسريبات النظام هو انكار حق النوبة في أرضهم، وهو مرحلة متقدمة من الخطاب الذي يهدف إلى إبادة شعب كامل عبر انكار وجود ملكيته على أراضيه. هذه الأراضي التى لاتمثل فقط ملكيات اقتصادية او انتاجية بل إنها تعنى موروث حياة واساليب معيشة ومنطلقات ثقافية تنبع من تلك الأرض بطبيعتها الكاملة وكل مافيها من موارد وخيرات. حيث ان الشعوب العريقة والاصيلة في العالم كله لا تنظر الى أراضيها فقط كموارد اقتصادية، كلا بل تنظر لها من خلال صلة روحية مقدسة وعلى انها الرحم الذى تخرج منه حياتهم وهويتهم. ولذلك فإن الإعلان الدولى لحقوق الشعوب الاصيلة الصادر عن الجمعية العامة في الأمم المتحدة عام ٢٠٠٧، اقر حق الشعوب الأصيلة في المادة ٨ /٢/ب : فى ان تصنع الدول آليات تمنع اى عمل يؤدى الى نزع حقوق الشعوب الأصيلة في أراضيها او مواردها. ويعد شعب جبال النوبة من الشعوب الأصيلة حسب تصنيف الأمم المتحدة. والذى يعرفها على انها الشعوب او السكان المنحدرون من السكان الأوائل في دولة ما. ومما لا شك فيه ان شعب جبال النوبة المعروف أراضيه الان قد اعترفت بحقوقه الدولة الاستعمارية مثل الجنوب وبقية الشعوب التى كانت معرضة الى خطرالاسترقاق والاضطهاد ولذلك قرر الاستعمار حمايتها عبر قوانين المناطق المقفلة، واى كان الجدل حول هذا للقانون الا انه وضع أراضي حبال النوبة فى اطار قاتونى واضح عبر وضعها في اطار المناطق المغلقة . وايضا قانون تنظيم الأراضي الصادر عن الادارة الاستعمارية فى ١٨٩٩ قد اعترف بحقوق الانتفاع والملكية للمجموعات السكانية المختلفة واعترف بالملكية الجماعية والحيازات والملكية التاريخية للاراضى في كل السودان وليس فقط في جبال النوبة، وذلك منعا للدخول في نزاع بين الدولة والسكان. ولكن يبدو ان هؤلاء السماسرة الجهلة سياسيا وقانونيا وحقوقيا لا يريدون ان يعترفوا بهذه الحقوق التاريخية. ومن الجدير بالذكر أيضا ان الاعلان العالمى للشعوب الأصيلة يقر فى المادة ٣ بالنص على أنه ” للشعوب الأصيلة الحق في تقرير المصير وبمقتضى هذا الحق تقرر هذه الشعوب بحرية وضعها السياسي وتسعى بحرية الى تحقيق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.” وهذا الحق كفله الاعلان انطلاقا من ان الشعوب الأصيلة لطالما تعرضت للتمييز والإبادة ومحاولة انتزاع أراضيها ومواردها بالقوة من قبل الاستعمار والدول القومية التى نشأت على إرث الاستعمار.
الان لا يمكن النظر إلى الصلف الكيزانى عبر التسريبات الا في اطار انه مواصلة في سياسة الإبادة الجماعية بكل الوسائل الممكنة. وهذا فى امتداد مستمر لسياسات حكومات المركز منذ الاستقلال فى التعامل مع أراضى جبال النوبة على انها ارض لا يملكها احد. حيث انه كثير من الباحثين في شان النزاعات فى السودان وضعوا ازمة نزع الأراضي واعلان الحكومات المركزية المتعاقبة الهيمنة عليها وتوزيعها بشكل مخل على ملاك من غير اهل المنطقة على حساب السكان الأصليين، يعتقد ان هذه الممارسة من اهم اسباب انتشار واستمرار النزاع في المنطقة وفى السودان ككل.
ولذلك يجب التعامل بجدية مع حقيقتين، الاولى هى الحق المكفول دوليا وقانونيا وتاريخيا لاهل جبال النوبة في أراضيهم وفى ملكيتها وملكية مواردها. الحقيقة الثانية هى استنتاج من الحقيقة الاولى ومن تسريبات النظام، وهى حق لا يملك النظام انتزاعه مهما صرح ومهما قاتل الكيزان عبر جيشهم الذى بالتأكيد هو جيش كيزانى يحافظ على مصالح النظام وليس مصلحة السودان او شعوبه لان الجيوش الوطنية لا تقتل شعوبها. وعليه فإن أرض جبال النوبة واراضى الشعوب الأصيلة الاخرى هى أراضي ملك هذه الشعوب اولا وثانيا هى أراضي سودانية عبر خيار هذه الشعوب الانتماء الوطني للدولة السودانية، وهذا الخيار هو الذى ربما فى حاجة إلى مراجعة لأنه لم يتم سلميا ولا ديمقراطيا وظلت شعوب جبال النوبة تدفع اثمان غالية من إبادة جماعية وحروب وتميبز عنصري نتيجة الاتتماء القسري لما يسمى بالدولة السودانية. ولذلك فإن الطريق نحو المستقبل يبدأ بان يتم الاعتراف بالحقوق الاساسية للشعوب الأصيلة وأولها حق تلك الشعوب في أراضيها. واى كان ما يراه الكيزان او سدنة الدولة المركزية في السودان فإن الشعوب الاصيلة ستظل تناضل للحفاظ على حقوقها ونيلها مهما كانت ادعاءات هؤلاء.
عثمان نواي
nawayosman@gmail.com