يمر شعب جبال النوبة في هذه الايام بمرحلة عصيبة ومخاط والدة عسير من تاريخيه النضالي لقد انطلقت السفينة بثورتهم مثقلة بالهموم وألامال تبحر في عرض المحيط تتهادى بين تلاطم الامواج والصخور المدمرة ومقودها بيد ربان غير رشيد يوجهها كيف يشأ لا يابه لركابها إلى اي جهة يقصدون وفي اي مرسى يحطون او يتجاهل عقولهم بل يتمارى في ان يكون لهم عقلا او يفقهون إلى اي شاطيء يرسون .
سفينة تبحر بلا أمل منظور وركابها من ابناء شعب جبال النوبة يتخاصمون فيما بينهم يتأمرون فيما بينهم حتى داخل السفينة التي تبحر بهم ويعلمون انها تبحر بدون بوصلة يتصارعون على الهوان والردى حتى داخل تنظيماتهم التي ينشأؤنها لمتابعة قضاياهم ومطالبهم العادلة يتواجهون سلبا وعدوهم يتبسم فرحا بما ياتيه من نشوة الانتصار الموعود إذا رأ الاسد فريسته تعرج فانه لن يبذل جهدا لمطاردتها وسيطمئن بان صيدته تحت السيطرة .
يحتاج شعب جبال النوبة اعادة ترتيب صفوفهم لإستعادة قيادة المقود لتوجيه السفينة إلى بر الأمان والجهة التي يرغبها الجماهير ومن الخطورة بما كان استمرار السفينة السير في إلى جهة غير معلومة فانها حتما ستغرق ويغرق من فيها وتذهب التضحيات هباءً منثوراً إذا علمت ان ربان السفينة يقودها على غير هواكم وهي تتمايل وترجكم رجا فاعلموا ان الخطر يداهمكم فمن السهل ان يقفذ من السفينة إلى الماء طلبا للنجاة بروحه تاركا خلفه كل من فيها ولكنه مهما كان يجيد السباحة لا يضمن عواقب ومخاطر البحر وإذا علم الجميع بان هدفهم واحد فعلى العقلاء في متن السفينة حتمية الالتئام ليصبحوا عصبة واحدة واستلام مقود السيفنة للتحكم والسيطرة على القيادة حتى ترسوا إلى بر الأمان فإذا كنت تسلك طريقا في الظلمة ولا ترى اين تضع اقدامك فتأكد انك ضال او ساقط وهالك في حفرة لا قرار لها .
إذا علمت أن لديك قوة تمكنك من عبور الاوحال بأقدامك في خطوات ثابتة فحافظ عليها فلا تحمل نفسك فوق طاقتها وتتبرع بحمل أغراض الاخرين معك واكتفي بحمل نفسك لتنجو من الوحل ، ظل شعب جبال النوبة يتحمل قضية شعب السودان كله عبر القرون لأن الوطنية هي دمه الذي يجري في عروقه ويتحمل ذلك لأنه ومن موقعه كشعب أصيل وباني حضارات عظيمة يشهد بها التاريخ فهو تربي على الواجب واحترام القيم الحميدة تربي على تحمل المسئوليات لذلك كان هذا هو فهمه وحتى إذا تفحصته كمجتمع فأن الاسرة فيه متكافلة مترابطة متجانسة متكاملة من جد إلى جد تلك من غرائزه الاصيلة والاصالة تعني انك اصيل بمعنى الكلمة وقيم الاصالة هي البذل والعطاء والشموخ.
ظل شعب جبال النوبة يناضل عن نفسه وعن غيره دون ان يطلب من الاخرين دعمه والحقيقة أن الاخرين لهم نظرة وفهم مختلفين عن نظرة وفهم شعب النوبة فما عند النوبة في عقلهم الباطن والظاهر هو ما يترجم عمليا بالشعور الوطني الخالص في التفاني لأداء الواجب الوطني والحرص عليه بخلاف الاخرين لا يهمهم أن يكون الوطن وطن وفيها مواطن شريف حتى في دواخل بعضهم تسكن ريبة التناهي عن الانتماء إلي الوطن لذلك تجد عواطفهم مشدودة خارجه وقلوبهم تهفو إلى حبيب لا يعيرهم وزنا ولا يسمع لهم صوتا ( الميل إلى العروبية والتعاطف الوجداني معها ) .
الآخرين لا يهمهم معاناة شعب جبال النوبة وكيف يهمهم ذلك وهم السبب في وجودها ولديهم فكرا بأن النوبة مجرد عبيد يؤكل إليهم حماية البلد من المتمردين او اي غازي ويقوموا بالاعمال الهامشية وليس لهم حقوق بل عليهم واجب الطاعة والانصياع لأوامر المحتلين خلفاء المستعمرين الذين ورثوا البلد بعد رحيل المستعمرين ويا ليت الخلفاء بقوا على ما كان عليه السلف ما كان هذا حالنا .
عندما كانت الحرب بين الشمال والجنوب منذ اواسط القرن الماضي إلى بدايات القرن الحالي 2005م على خلفية بداية مؤامرة احتلال المستعربين للسودان كان النوبة هم الجيش السوداني بقوته وعزته الذي استخدمته الحكومات المركزية المتعاقبة في الشمال لصد المتمردين وحماية حكوماتهم فيما كان في فكر النوبة فهم اخر وهو انهم يدافعون عن الوطن بدافع الوطنية والواجب في نفس الوقت هم ظلوا في قيم المواطنة صفر لا يتمتعون باي حقوق متساوية مع بقية الشعب السوداني لذلك ظلوا من جانبهم بناضلوا من أجل حقوقهم المدنية المشروعة ولم يتمردوا ضد الدولة السودانية على الرغم من ان كل القوة كانت بايدهم حيث كانوا هم الذين ينفذون الانقلابات العسكرية وتسليم الحكم للنخبة من الشماليين في الخرطوم وظل النوبة الحصن الحصين لأمن السودان الداخلي في تقديس الوجب الوطني .
ولكن عندما بدا تنفيذ مخطط الابادة في مناطق جبال النوبة واتلحق مقاتلين من شعب جبال النوبة بقيادة الشهيد يوسف كوه مكي بالجيش الشعبي لتحرير السودان انقلبت الكفة لصالح الجنوبيين (وليس النوبة ) بل استثمر الجنوبيين قوة النوبة كمقاتلين وحقق الجنوبيين مرادهم بانفصالهم عن الشمال ، وظن عدو التوبة اللدود نظام المؤتمر الوطني بعد ذهاب الجنوب أنه يستطيع كسر شوكة النوبة واحتوائهم ولم يدرك ان اتلك الشوكة هي ميزان القوة التي تحكم قبضتها على الوطن كله وها هو العدو يغرق في مستنقع الحرب الدموية سنين عدة ويفشل في تحقيق مشروعه الإبادي ضد شعب جبال النوبة والتوجه الحضاري الذي فصل الجنوب من اجله .
في كل هذه التداعيات لم يقف الشعب السوداني يوما مناصرا لقضية شعب جبال النوبة بل يساهم اعداد كبيرة منهم في تدمير شعب جبال النوبة في كافة مناحي الحياة و إذن لماذا يستمر شعب جبال النوبة يتحمل فاتورة الدفاع عن الوطن كله بما يسمى بالحل الشامل الذي يرفضه معظم الشماليين تقريبا.
وعلى سطور التاريخ حقيقة لابد أن تكتب لم يفشل مقاتلي شعب جبال النوبة كمناضلين في الجيش الشعبي لتحرير السودان في التصدي لعدوهم والدفاع عن حياتهم وارضهم فأن الحرب بعد انفصال الجنوب اصبحت اكثر ضراوة وتركيزا على النوبة واخذت منحى اخر رتبت له حكومة المؤتمر الوطني للقضاء على شعب جبال النوبة بشتى السبل أوتطويعه للعبودية على يد الجلابة ولكن صمد المناضلون من اجل اهدافهم الواضحة العدالة والمساواة والمشاركة في القرار السيادي في الدولة السودانية وعلى الاقل حقهم في الاحتفاظ باقليمهم جبال النوبة والبحث عن هذا من خلال مشروع لحل الشامل غير مجدي لأنه هضم القضايا المصيرية لشعب جبال النوبة.
وأخطر ما يكون ان يكون في الخندق الذي تحتمي فيه من عدوك ثعبان سام على هيئة صديقك يسكن فيه معك وانت لا تدري أنه يلدغك حين تغض في النوم وما يؤسف له ان من بين ركاب السفينة في متنها متأمرين على القضية منهم من ارتمي في حضن العدو متملقا ولا يدري كيف نظرة العدو له فان العدو ينظر إليه الخائن الذين خان أهله فكيف للعدو إئتمانه بل يتحين العدو فرصة يسلمه سلاحا لمحاربه اهله ثم بعد انتهاء مهمته يقتله العدو بنفس سلاحه .
ومنهم مستفيدون من الحرب ومعاناة المواطنين في جبال النوبة والنيل ازرق يتاجرون ويجمعون الأموال منها ويضخمون ثرواتهم على دماء الشهداء وجماجم الضحايا وحتى المنظمات الدولية لها دور في التخفي وراء شركات نزع الالغام وغيرها وهي تعمل علي نهب ثروات جبال النوبة من ذهب ويورانيوم وكثير مما يعرفه موطنين الجبال بالإضافة إلى منظمات الامم المتحدة وغوث اللاجئين التي يستشري فيها الفساد من واقع حالة تواجد معسكرات اللاجئين النوبة في تلك الدول الافريقية ومنها دولة جنوب السودان كينيا ويوغندا واثيوبيا التي اصبحت تستثمر في انسان جبال النوبة ولم يحصل النوبة على حقوقهم كالاجئين حسب موثيق الامم المتحدة ويعيشون حياة صعبة مما دفعت هذه الحالة الانسانية المتردية الكثير منهم الخروج من تلك المعسكرات تائهين من غير ايواء في ظروف يحتمل ان تقوم فيها حكومة المؤتمر الوطني بحملة عسكرية لقتل المدنيين المجردين من اي حماية، والتجاوزات كثيرة جدا فلابد للأمم المتحدة مراجعة بعثاتها ومناديبها في تلك الانحاء لتصحيح الوضع.
ونعتقد أن قيادات شعب جبال النوبة يتحملون الجزء الاكبر من المعاناة التي تقع على المواطنين لعدم تجاوبهم السريع والتعامل مع قضاياهم بشكل مباشر وتركوا مقود السفينة لغيرهم يتلاعبون بمصير شعب باكمله ويحيكون المؤامرات التي ادت إلى اطالة امد الحرب وإلى انحراف مسار نضال شعب جبال النوبة بوسائل التمييع ما بين المبادرات وجولات المفاواضات العقيمة التي تقودها الآلية الافريقية رفيعة المستوى بزعامة سامو امبيكي وحكومة المؤتمر الوطنية والحركة الشعبية وكادت أن يجهض نضال شعب جبال النوبة الذي ضحى من اجله زمنا طويلا فلابد من تعديل المسار حتى تنزع المطالب المشروعة وتستقر الامور .
محمود جودات