الخرطوم – صوت الهامش
وصفت القيادية بالحزب الشيوعي السوداني، إحسان فقيري، وهي رئيسة منظمة ”لا لقهر النساء“ المدافعة عن حقوق النساء، مواطن سوداني بـ ”القرد“، في تعليق لها على صورة لشاب كان متصورا مع زوجته الأوروبية بـ ”الفيس بوك“ بقولها ”يمكن الخواجية دايرة تعرف الحلقة المفقودة بين الإنسان والقرد“.
وآثار التعليق موجة انتقادات واسعة، لإحسان، وطالب ناشطون بتدوين بلاغات في مواجهتها، كما طالبوا اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان الألمانية، بسحب جائزة الدفاع عن الشعوب التي منحتها لإحسان في 2019، تقدير لدورها في الدفاع عن حقوق الانسان بالسودان.
وقالت الناشطة السياسية، مزن النيل، ردا على أسئلة ”صوت الهامش“ إن التمييز العنصري المؤسسي صفة ملازمة للحكومات السودانية، فيما يتعلق بالتمييز من حيث التمثيل في اليات صنع القرار والتمثيل في مؤسسات الدولة، او التمييز في نصيب الاثنيات والمناطق المختلفة في التنمية والصرف والثروة عموما.
موضحة بأن التمييز في الحقوق خاصة في حالة انحياز الدولة لطرف دون آخر في نزاعات الموارد بناءً على تفضيلات عنصرية واثنية، وان الدولة السودانية الجديدة، لم تقوم بتفكيك بنية التمييز المؤسسي، على مستوى تشكيل الحكومة بل استبدلته في حالة المجلس السيادي بتمثيل صوري للمناطق، من قبل شخصيات لا يمثلون مصالح هذه المناطق.
تراكم العنصرية
فيما يتعلق بالنزاعات القبلية، قالت مزن إنها، متراكمة جراء التمييز المؤسسي، بتواطؤ من القوات الامنية بالمشاركة المباشرة او بالتخاذل عن السيطرة على الجرائم العنصرية.
وتناول الكاتب والباحث في قضايا الهوية، فاروق عثمان المسالة من خلال أطارها العام، وقال بأن العنصرية سلسلة طويلة وممتدة من الاستعلاءات والفرز الثقافي والعرقي والديني والنوعي، ظلت تمارس على مجاميع من السودانيين، منذ تدشين الهوية الأحادية الدينية والثقافية والعرقية، وفق محددات الوعي الايدلوجي ”الاسلاموعروبي“، مما أدي الي نشؤ تراتبية اجتماعيز، قسمت الناس وفق ألوانهم واعرقهم واديانهم وثقافاتهم، و جهاتهم.
استبطان الوعي العنصري
وأوضح عثمان ان القمع المستمر لبعض السودانيين، أدى الي تشكيل تراتيبية اجتماعية، غوقية تتمتع بامتياز دائم مكنها من السيطرة على السلطة والثورة، بل تعداه الي حتي التفكير إنابة عن الآخرين وتقرير امورهم المصيرية، لأنها تستبطن وعيا عنصري استعلائيا ضد المهمشين، و هذا شكل موانع هيكلية من ان ينال الاخرين حقوقهم كاملة في بلد هم أصلاء فيه.
لافتا الي ان هناك قمع معنوي من قبل الذين يمارسون العنصرية لإخضاع الآخر وكسر هيبته وهز الثقة في نفسه، مما يجعله شخصية منكسرة ومطيعة، ومسلمة ومقرة بهذا الوضع، ويرى بان الخلل المستمر أدى الي نشوء تيار عريض من المتضررين الرافضين لهذه الأوضاع، غير انهم متي ما عبروا عن ذاتهم بشكل سلمي فإنهم يواجهون قمعا معنويا من خلال وصمهم بالمتمردين والخوارج والانفصال يين وغيرها، يتبعه قمع مادي عنيف بشن الحروب ات مما ادي الي
انتهاكات جسيمة وصلت الي الابادة الجماعية
وبسبب التمييز العنصري، قال عثمان إن الحكومات السودانية المتعاقبة، شنت حروبا على بعض المناطق بالسودان، وارتكبت القوات الامنية انتهاكات كبيرة، وان الضحايا يحالون الدفاع عن نفسهم، غير انه يتم اتهامهم بالعنصرية المضادة، او الانفصالين او التمردين، وذلك لإسكاتهم وإخضاعهم.
وقال إن التغيير الجذري يجب أن يقوم على مستوي جمعي للذهن الشعبي، وسط العامة، وان الوعي ”الهوياتي الزائف“ هو مدخل إنتاج فكري وتصوري لحاضنة اجتماعية للسياسيين والصفوة والمثقفين، الذين يحملون العنصرية حتى لو حاولوا إخفائها تكتيكيا، وشدد الي انه و بعد انتصار ثورة ديسمبر، تلكأت الصفوة السياسية والمثقفة، عن إقرار العلمانية والفدرالية واللامركزية، بالرغم من أنها كانت ضمن اهداف الثورة.
تحاشي تطبيق مطالب الثورة
وأضاف بأن الصفوة تحاشت تطبيق مطالب الثورة، وذلك لمنع تفكيك الدولة القديمة والعميقة وعرقلة أحداث تغيير جذري شامل في هيكل الدولة السودانية ”المختل“، وذلك لمنع وانهاء التعديات والاستعلاءات والامتيازات المادية والمعنوية، مما كان سيوقف الحروب للأبد، ولكن رفض الصفوة لهذا الشي لانه إذما تحقق فإنه يجردهم من امتيازات حصلوا عليها لخمسمائة عام أو تزيد بخلق هذا الواقع من خلال ديمومة واستمرار نمط التراتبيات الاجتماعية الظالم والمختل.
و قالت احسان فقيري، في فديو بث في موقع الفيسبوك، إن ناشر صورة الشاب السوداني بالموقع نفسه، استفزها لأنه قال بأن ”السودانيات شينات“ مبررة بأن ذلك دفعها للرد عليه بأن الشاب السوداني المصور مع الشابة الاوروبية، يريد معرفة الحلقة المفقودة بين الإنسان والقرد، وأردفت قائلا: ” بفتكر انو ردي كان خطأ“ مشيرة إلي أن الناشطون أساؤوا إليها في ردهم على تعليقها.
واستنطقت (صوت الهامش) عبد الباسط محمد الحاج. المحامي، الذي قال إن ظاهرة التمييز العنصري القائم على أساس عرقي أو لوني او لغوي او الأصل الاجتماعي، هي ظاهر منتشرة بصورة واسعة بالسودان منذ امد بعيد نتيجة للخلل البنيوي والهيكلي، يتعلق بالبنية الاجتماعية والثقافية.
الدولة عنصرية
مضيفا ان البينة الاجتماعية والثقافية، تمثل سياقات جانبية، تؤثر على البنية السياسية والاقتصادية والمؤسسية للدولة، مما جعل الدولة، تمارس العنصرية عبر اعلامها الرسمي او عبر ادراج شروط عنصرية داخل مؤسساتها او انتهاج تعليمي متحيز عبر النظام السياسي الحاكم والذي يمثل انعكاس لبيئة وثقافة انتجت الحاكم كما انتجت البرامج السياسية الحاكمة.
وأردف قائلا: بأن السلطة، لم تسعى لمعالجة الخلل الذي تسبب في اقعاد السودان، وتراجعه، بل عززت ظاهرة العنصرية، حيث وصلت أقصى تجلياتها بصورة عنيفة في ارتكاب (الإبادة الجماعية / التطهير العرقي) في حرب جنوب السودان سابقا ودارفور وجبال النوبة النيل الأزرق.
تعليق إحسان فقيري، عاد الي الواجهة من جديد، ظاهرة التمييز العنصري، المتنامية في المجتمع السوداني، الذي تغذيه المؤسسات الرسمية ولا سيما بعض من منظمات المجتمع المدني.
وذكر ان السياسات، تنبع من الدولة، وتعبر عن وجه السلطة، المقزز والمشمئز من الآخرين المتخلفين عنهم، معتبرا ذلك إنكارا لحق الآخرين في ان يكون اخرين ويتمتعون بكافة الحقوق الأساسيّة والمواطنة المتساوية.
عقوبات رادعة
ويرى ان محاربة العنصرية ممكنة، وذلك إذا اتبعت الدولة تدابير متعددة بجوانب مختلف منها الجانب القانوني والدستوري بحيث تضمن مبادئ العدالة والمساواة بين المواطنين كما هو الحال في تجريم كل الممارسات التي تنم عن عنصرية او تحيز لجانب معين، ووضع عقوبات رادعة وذلك لخطورة الفعل الذي يهدد النسيج الاجتماعي ويفكك تماسك الدولة وفتح أبواب للصراعات العنيفة التي تأخذ منحي التمييز العنصري والتصنيف على أساس الانتماء.
وطالب الدولة باتخاذ كافة التدابير اللازمة لإزالة الحواجز بين المجتمعات المتعددة واتباع مناهج تعليمية سليمة تساهم في الاندماج المجتمعي والتعايش السلمي المشترك وتبغض النبرات التمييزية والتحيز المورث.
لا يوجد قانون يجرم العنصرية
وقال عبد الباسط، إنه لا يوجد قانون منفصل مخصص للجرائم العنصرية في السودان سوى مادة واحدة “يتيمة في القانون الجنائي السوداني، وهي المادة 64 “إثارة الكراهية ضد الطوائف” حيث انها لا تتناسب مع كل الجرائم العنصرية التي تقع عادة في كل مكان بأشكال مختلفة ووسائل متعددة او ربما في سلوكيات غير مباشرة احياناً.
وأكد بأن السودان انضم الي الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وطالب السلطات بتضمين الاتفاقية، في التشريعات الداخلية، منوها الي ان الاتفاقية ألزمت الدول على اتخاذ تدابير داخلية وسياسات مختلفة لإزالة كافة أشكال التمييز العنصري على اساس اللون او الأصل الاجتماعي او العرق وغيرها.
ومضى بالقول إن المرحلة، تتطلب التخلص التمييز العنصري، بإعادة صياغة السياسات القومية العليا بشكل جماعي، واعداد مناهج دراسية شاملة تساهم بصورة فعالة لتقوية الكيانات الاجتماعية بحيث تكون أكثر تقبلا للآخر المختلف وتدعم عملية التعايش المشترك.