الربيع محمد بابكر
الطهرانية الزائفة هي ظاهرة اجتماعية سيئة متغلغلة وسط الشعب السوداني . وهي لا تختلف عن النفاق الذي نعرفه .ظاهرة الطرانية الزائفة متفشية ويمكن القول انها توجد وسط جميع الشعب السوداني .اجتماعيا .سياسيا . اقتصاديا.
ففي الجانب الاجتماعي نجدها منذ التنشئة فالاطفال تجدهم يفرحون يمزحون يلعبون وفي علاقة جيدة بينهم واقرانهم ووالدتهم اما الطهارة الزائفة فقد علمتنا ان الاب كائن طاهر ومقدس وكل ما يقوله صحيح مطلق لا غبار عليه رغم ان افعاله واخلاقه تندرج تحت النسبية تحتمل الصحة والخطيئة .ففرح ومرح اطفاله يذهب بحضوره للمنزل وهذه طهارة مزيفة.فالصمت والاحترام والهدوء تتجسد بحضور هذا الطاهر وبذهابه يذهب الغلاف الزائف.
اما من ناحية تداول المسطلحات فالجميع يعرف ان هناك شتائم متداولة وسط الشعب من اصغرهم لاكبرهم الا الذي البس ثوب العفاف وضبط نفسه.على سبيل المثال كلمة كسم الذي يعرفه ويتداوله اغلبية سكان المليون ميل مقطع يعاب ان يكتب في الاسفير ولكنها شتيمة عادية حسب مداولته فهي تعني كس ام ولكنها ليست لها علاقة سواء كانت بالكس او بالام بل مجرد مصطلح اقرب الى المصطلحات التي تصنع الفكاهة اما اجتماعيا فيطلق عليها (كلام اولاد شواارع)رغم ان ابن الشارع هذا جزء من المجتمع تعرض لبعض المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية جعلته يتخلى عن نمط الحياة المعتادة .
وبسبب الطهارة الزائفة اصبحت كتاباتنا التي نكتبها لا تعبر عن واقعنا. تعبر عن واقع متخيل لذلك اغلب ما نكتبه تصدر عن الواقع الذي وضعناه افتراضيا او واقع متخيل ومتمظهر كغلاف اجتماعي بينما نحن بحاجة الى الشفافية كما يقوم بها بعض كتابنا كعبدالعزيز بركة ساكن في رواياته . فالذي يلوط او يلاط يجب ان يسمى لوطي والذي يسرق يجب ان يسمى سارق .والاب يجب ان يكون صريحا مع ابنائه وبناته . الطهارة المزيفة جزء من وسائل القهر والتهميش الذي يمارسه النظام ابتداء من قوانين النظام العام الذي يبعد الانسان عن الواقع ولا يدرس التركيبة الاجتماعية للمجتمع لذا فهي تبدو غريبة .كما نلاحظ تغيير اعلام بعض المناطق والمدن على سبيل المثال كان منطقة زمزم تسمى زير مريسة و عدالفرسان كان يسمى عدالغنم والكثير من المناطق الصق عليها اسماء لاحياء تابعة لدول اخرى كالطائف ،اركويت،الدوحة وغيرها .
بالنسبة للمناسبات العامة كالزفاف والكرامات واعياد الميلاد فنلاحظ ان الضيافة العظيمة دائما تقدم للرجال يليهم النساء ثم الاطفال بدعوى باعتبار الرجل هو الاهم ثم المراه ثم الطفل وهذا لا يمت للانسانية بصلة .
دينيا نلاحظ ان الذي يؤمنا دائما يرتدي الجلباب والعمامة لان في نظر المجتمع المزيف لا يرتدي البنطال الا فاسق ولا يرتدي الجلباب الا طاهر ورجل دين ومعرفته الدينية تفوق صاحب البنطال ويتوسطهم صاحب اللبسة الاشتراكية .كما تلعب اللحية دورا بارزا في القيمة الاجتماعية لذا فصاحب اللحية الذي يرتدي البنطال ضرب عليه المثل الذي يقول (تقوى ولا عدم موس) وهذه الحالة يمكن ان نسميها الطهارة المظهرية الزائفة .
من ناحية المعرفة الدينية فالتفضيل دائما للاسلاف السابقين فابن باز يفوق محمد سيد حاج والالباني يفوق بن باز وابن حنبل يفوق الالباني ومسلم يفوق ابن حنبل والبخاري يفوقهم جميعا وهكذا.
اما الظاهرة الاخرى فظاهرة عدم الاعتراف بالنفس وبالشخصية السودانية من عدة نواحي فاغلبنا يرى ان الانسان السوداني لا يمكن ان نساويه في جانب الكفائات والقدرات مع الاوربي او الامريكي مهما كلف الامر وان وفرنا له نفس المناخ الذي يعيش فيه ذلك الاوربي او الامريكي بالنسبة للفتاة السودانية ومقارنتهم لها بالاجنبية فيسمون تلك السودانية التي ترتدي البنطال بالشرموطة اما الاجنبية فتسمى بالمزه الجميلة العثولة …الخ مع لصق موضوع الشرمطة بالفئة التي تبيع الشاي في الاسواق والاماكن العامة رغم انه لا فرق بين بائعة الشاي واي حليمة اخرى وزيرة كانت ام مديرة .
اقتصاديا فالتعاون والخدمة المخلصة دائما تاتي الى الغني بينما الفقير لا يخدمونه وان خدموه فمن جانب المجاملة لذا فيرى الجميع انه من العيب ان نساهم في بقيمة ضئيلة في مناسبة شخص غني او نذهب اليه متاخرين .
سياسيا نقدم خطابات المسكوت عنه بينما نخجل من الخطاب الحقيقي الذي يجب ان يقدم كما قال فرنسيس دينق ان اكثر ما يدمرنا هو المسكوت عنه فالخطاب الذي يخفي الحقائق ايضا هو جزء من تلك الطهرانية الزائفة التي تكبت المجتمعات وتجعلها تتشتت لانها لا تتعامل مع الواقع بل مع الافكار الاسطورية التي تنسخ من الكتب والمجلات واراء مدعي العفة الفكرية و الاخلاقية .
وبعض الخطابات استعلائية كخطابات بعض القوى السياسية المدنية التي ترى ان الحركاة المسلحة مثلا يجب ان تخطو خطاها وفقا لافكارهم وايدولوجياتهم الذين ينطلقون منها . حتى الكتابات التأريخية التي كتبتها المؤرخون السودانيون نجدها منحازة كالكتاب الذي كتبه محمد ابراهيم نقد بعنوان علاقة الرق في المجتمع السوداني كتب عن الرق في السودان ولكنه تجاهل جزء كبير من الذين مارسوا الاسترقاق في السودان فقد كتب عن الرق في المهدي وسلطنتي الفونج والفور ولكنه لم يتحدث في سطر واحد عن الاسترقاق الذي مارسه ال المرغني.
من ناحية الفن والغناء يمكننا ملاحظة تهبيط اغاني الجيلين الاخيرين مع تمجيد اغاني الاجيال التي سبقتهم . كاغنيتي حرامي القلوب للزنجية و بسحروك لطه سليمان تمت تصنيفهما كاغاني هابطة رغم ان كلماتهما لا تختلف عن اغنيتي انت وانا لهاشم ميرغني وعن حبيبتي بتكلم لابوعركي البخيت.
كل الاجيال السابقة تدعي المعرفة والطهارة وترمي اللوم على الجيل الحالي باعتباره جيل فاسد لم يقرا شيئا وما قراه لم يتعلم منه شيئا فالى الان لم نجد شخصا كان ضعيف المستوى قبل انقلاب تنظيم الجبهة الاسلامية التي استطاعت ان تعيد صياغة عقولنا بغلاف ديني مزيف لا ترتبط بالاصول الحقيقية للدين.وايدلوجيتها هي التي ساهمت في نشر التدني الفكري والاخلاقي للمجتمع لقد انتجت لنا مجتمع اغلبه فاسد سواء كانوا في السلطة او خاجها . في عصر الحكومات السابقة لم يعتاد الموظف والوزير السرقة ولكن الان حتى البريء الذي لم يجد نصيبه من السلطة يخطط للسرقة مستقبلا . وما يحدث من فساد الان في دولة جنوب السودان شخصيا اعتبرها وراثة بيئية طبيعية للسلوك ورثتها ابناء الجنوب من الشمال .
الذي يهم هو ان كل ما يقال يجب ان يكتب وكل ما هو كوجود يجب ان يقال دون قيد او شرط ويجب ازالة الفارق العمري بين هؤلاء واولئك والا نخشى من ما هو كائن فينا فالحياة تبنى عن طريق النظر الى ما لدينا فعلا من اشياء ونقدها وتعديلها او تبديلها بنماذج جديدة.
لم ولن تحل ازمة الطهرانية الزائفة الا بحكومة ديمقراطية حقيقية تؤمن بالقيم الانسانية وكرامة الانسان. واسبقية العقل على النقل .
اقول قولي هذاء بناء على ادراكي بالواقع وملاحظتي للمسكوت عنه ودمتم ولا دامت الطغاء
Rabee1211@gmail.com
Facebook /alrabee mohammed babiker