واشنطن : صوت الهامش
نبّه الباحث الأمريكي المختص في الشأن السوداني، إيليا بروان، إلى استمرار عملية الإبادة الجماعية في إقليم دارفور، لافتا إلى أنه على الرغم من الإقرار للمرة الأولى في التاريخ الأمريكي بأن ما يشهده الإقليم من فظاعات يستوفي التعريف القانوني للإبادة الجماعية، إلا أن القوى العالمية الراهنة لا تزال تغمض أعينها إزاء الوضع المأساوي.
وقال براون -في مقال نشره موقع (إثيكس ديلي) الإخباري الأمريكي- إن أولى عمليات الإبادة الجماعية المعلَنة في القرن الحادي والعشرين والتي يشهدها إقليم دارفور تلحّ في طرح سؤال صعب: “ما الثمن عندما يقرّ العالم بعملية إبادة ويستمر في اختيار غض الطرف؟”
ونوّه الكاتب عن أن أعمال القتل بغرض الإبادة الجماعية في دارفور غربي السودان بدأت عام 2003؛ وفي نسق متكرر على نحو لا يُحصى، عادة ما تبدأ العمليات بقصف جوي لإحدى قرى الإقليم عبر سلاح الجو السوداني، وبينما تحترق القرية تبدأ ميليشيات مسلحة حكومية أو تمولها الحكومة تُدعى “جنجويد” والتي ترجمتها “شياطين على ظهور خيول” – تبدأ في الزحف إلى القرية لإكمال إحراق ما تبقى وتسميم منابع المياه والقيام بأعمال النهب والاغتصاب والقتل.
ونبّه براون إلى أن أكثر من 400 ألف دارفوري لقوا مصرعهم، بينما لا يزال نحو 3000 ألف يعيشون لاجئين شرقي تشاد، فيما قرابة 7ر2 مليون آخرين مشردين في الداخل في نحو 200 منطقة مختلفة – هؤلاء الملايين الثلاثة يعيشون في خطر داهم ويقتاتون على ما يتلقونه من فتات المساعدات الإنسانية بينما يواجهون خطرًا حقيقيا إذا ما تراجعت التدخلات الخارجية ولا سيما من جانب الأمم المتحدة.
وعاد الكاتب بالأذهان إلى شهر سبتمبر من العام 20044 عندما أعلن كولن باول، وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، عن اعتقاده بأن أفعال الحكومة السودانية تستوفي التعريف القانوني لعملية الإبادة الجماعية – كانت تلك لحظة غير مسبوقة، لكن للأسف لم يتغير شيء؛ فلا تزال ميليشيات الحكومة والجنجويد تعيث فسادا وتخريبا في دارفور، ولا يزال عمر البشير رئيسا للسودان رغم اتهامه من جانب المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية تشمل القتل والإبادة والتعذيب والاغتصاب.
ومع ذلك، بحسب الكاتب، فإن وكالة أنباء رويترز أفادت في يناير الماضي أن الولايات المتحدة أعلنت عزمها على “رفع حظر تجاري استمر مفروضًا زهاء 20 عاما ضد السودان، وحلّ تجميد أصول ورفع عقوبات مالية في استجابة لتعاون الخرطوم في مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية وجماعات أخرى”؛ وفي آخر مؤتمراتها الصحفية أمام مراسلي الأمم المتحدة، أكدت سامانتا باور، سفيرة أمريكا آنذاك لدى الأمم المتحدة، أن الأشهر الستة السابقة شهدت “تحسنا ملحوظا للغاية” من جانب الحكومة السودانية بما في ذلك “تغيير جذري” فيما يتعلق بوصول الإغاثات الإنسانية لدافور.
ومن جانبها، رفضت جماعات الإغاثة وتقديم المساعدات هذا البيان من جانب سامانتا باور، مشيرين إلى تقرير منظمة العفو الدولية في سبتمبر 2016 المعنون “أرض محروقة وهواء مسموم: قوات الحكومة السودانية تعيث فسادا وتخريبا في جبل مرة، دافور.” – ويفيد التقرير بأن الفترة مابين يناير وسبتمبر 2016 شهدت استخدام الحكومة السودانية أسلحة كيماوية ضد الدارفوريين في 30 واقعة مختلفة؛ وكان سلاح الجو السوداني يتولى إسقاط تلك القذائف الكيماوية حيث سرد شهودٌ عيان مناظر مروعة لأطفال تتساقط جلودهم قبل أن يقضوا نحبهم.
وفي أكتوبر 20166 توسعت علميات حصار المساعدات الإنسانية على نحو اضطرت معه الأمم المتحدة لاستخدام النقل الجوي لإنقاذ المشردين بعيدا عن أماكن الخطر.
وحذر صاحب المقال من أن الحكومة السودانية التي تورطت لسنوات في أنشطة إرهابية هي الآن بصدد معلومات محتملة حول رفع العقوبات وهذا لن يتمخض إلا عن مزيد من الانخراط في أعمال جرائم الإبادة الجماعية … وقال براون، إن إدارة الرئيس السابق أوباما أقدمت في يناير على إصدار بيانات تعارض بشكل مباشر واقع معاناة الملايين في دارفور جراء أعمال الإبادة الجماعية.
ورأى الكاتب أن ذلك يعني: أنه في سبيل احتمال إمكانية تأمين المواطنين في الولايات المتحدة، فإن الحكومة الأمريكية مستعدة للتضحية الأكيدة بحياة 3 ملايين إنسان في دارفور – فهل احتمالية التأمين الأمريكي أقوى من يقينية إبادة 3 ملايين إنسان في دارفور؟ كيف ستُجيب أمريكا عندما يقرّ العالم بعملية إبادة جماعية بينما حكومتها لا تزال تختار أن تغض طرفها؟
واستدرك الكاتب قائلا إن الموقف على قتامته لا يزال يحتمل الأمل: إن الرفع النهائي للعقوبات مرتبط بتقرير نهائي في 12 يوليو المقبل- القرار النهائي الآن هو في يد الرئيس ترامب ووزير خارجيته ريكس تلرسون.
وشدد براون على الحاجة الملحة إلى تحرك فوري يعكس قرارات مدروسة للحيلولة دون وقوع المزيد من الضحايا …. لقد حان الوقت لمناداة مسئولين منتخبين أمثال تلرسون وترامب لحثّهم على العمل لمنع وقوع تلك المهزلة…. لا أقلّ من ذلك لحقن دماء الأبرياء الذين لا محالة يواجهون الإبادة.