يُعدُّ السَلْبْ والابتزاز أو ما يُعْرفْ بمرحلة جَنْيَ المكاسب، أخطر مراحل الإدارة بالأزمات (Management by Crisis)، ففيها يقوم صانعو الأزمة بحَلْبْ المُسْتَهْدَفين كما تُحْلَبْ البقرة تماماً، مُستفيدين من علاقات التبعية والانقياد داخل الكيان المُسْتَهْدَف لتحجيم حركته وتوجيهها وتقليل ردود أفعاله، وتلبية بعض مصالح المُسْتَهْدَفُين الجانبية عقب صناعة الأزمة بشكلٍ سريع ومُؤثر، لامتصاص انفعالاتهم بهذه المصالح وإيهامهم بفتح صفحة جديدة ونِسْيَان الماضي، وهذا ما يفعله المُتأسلمون الآن بالضبط!
إذ يشهد السُّودان مرحلة (السَلْبْ والحَلْبْ) الإسلاموي، تبعاً لما حَمَلَتْهُ وسائلُ الإعلام المُختلفة، من أنباءٍ مُخيفةٍ وخطيرة على أكثر من صعيد. فوفق صُحُف 4 سبتمبر 2016، تَوَجَّه وكيل خارجية المُتأسلمين لما أسموه (مَعْبَرْ أرقين) الحدودي، للوقوف على استعدادات افتتاحه في الرابع من أكتوبر القادم! وقبل هذا، ووفقاً لسونا وغيرها، تمَّ الإعلان عن (مَنْحْ) الصين (مليون فدَّان) بمشروع الجزيرة لزراعتها بالقطن! وفي سياقٍ مُتَّصل، اتفقت في 25 أغسطس 2016، ولايتي شمال كردفان والقضارف مع إحدى الشركات (الإثيوبية)، على إنشاء بورصتين للمحاصيل! كما أعلنت وسائل الإعلام الإسلاموية، في 23 أغسطس 2016، عن (مَنْح) الإماراتيين 100 ألف فدان بالشمالية!
المُتأمِّل في هذه الأخبار، لا يجد صعوبة في اكتشاف حجم الدمار الإسلاموي (المُتعمَّد) للسُّودان، وبصورةٍ مُتنوِّعة ومُتتابعة تُطابق ما أوضحناه أعلاه بشأن سَلْب وحَلْبْ المُسْتَهْدَفْين، ويُمثِّلهم في حالتنا هذه السُّودان (الكيان)! فما أسموه مَعْبَرْ أرقين الحدودي، يعني (عملياً) التهام مصر لكامل المناطق شمال وادي حلفا بما فيها أرقين، بعدما كانت حدودنا مع مصر وحتَّى وقتٍ قريب في (قسطل)! ولعلكم تذكرون احتراق حظيرة الجمارك بوادي حلفا قبل شهرين من الآن، و(احتفاء) المُتأسلمين وإعلامهم المأجور بإنقاذ سيَّارات الإطفاء (المصرية) للحظيرة من الحريق، نظراً لوجود سيَّارة إطفاء سُّودانية واحدة فقط بمطار حلفا على بُعْد (13 كم) من مكان الحريق، ولم يتساءل الغالبية عن أين هي حدود البلدين، للدرجة التي تجعل سيَّارات إطفاء مَعْبَرْ قسطل (المصرية)، هي الأقرب لمكان الحريق من مطار (وادي حلفا)! كما لم ينتبه السُّودانيون لتحذيراتنا المُتلاحقة، بشأن التهام المصريين لعُموديات جبل الصحابة واشكيت ودبيرة وسره (شرق وغرب) وجزيرة آرتي كرجو وفرص (شرق وغرب)، مما فَتَحَ (شهيتهم) فالتهموا الآن أرقين بالكامل! ولنتأمَّل تصريحات وزير النقل (المصري) يوم 19 أغسطس 2016 التي أكَّد فيها أنَّ ميناء أرقين هو (ثاني ميناء بري) بعد قسطل مع (السودان)، مما يعني أنَّ (أرقين) أصبحت أرضاً (مصرية)! كما أوضح الوزير (المصري)، أنَّ هيئة الموانئ البرية والجافة بوزارته، انتهت من إنشاء ميناء أرقين في 26 شهراً باستثمارات بلغت 93 مليون جنيه، وعلى مساحة 130 ألف متر مربع، على بُعد 150 كم عن أبو سمبل، ونحو 13 كم عن بحيرة ناصر، وهذا (يُؤكِّد) التهام المصريين لأرقين (عيني عينك) وبمُباركة البشير وعصابته المأفونة وإعلامه المأجور، ودونكم (إيفاد) وكيل خارجية المُتأسلمين لـ(تفَقُّد) أعمال الميناء ومُتابعة (افتتاحه) الشهر المُقبل، دون أن يتساءل عن كيف أصبحت (أرقين) ميناءً برياً لمصر!
ويَتَواصَلَ انحطاطُ البشير وعصابته وتدميرهم للسُّودان بانبطاحهم لإثيوبيا، إذ لم يكتفوا بمَنْحِهَا الفشقة ونواحيها ففتحوا لها (نَفَّاجاً) يدعم زحفها نحو شمال كردفان، ويُتيحُ لها التهام ما تجده من مناطق خلال زحفها (العَرضي) هذا بعمق السُّودان، مُتجاوزين بذلك عن مُمارسات إثيوبيا الإجرامية وأطماعها الاستعمارية نحو السُّودان وأراضيه! والسؤال الأهم، كيف يتعاملون مع دولة (مُحتلَّة) من أساسه ويُتيحون لها مُقدَّرات البلاد؟ وعن أي محاصيلٍ يتحدَّث المُتأسلمون، بعدما جَفَّفوا الزروع والضروع بأفعالهم الشيطانية وانحطاطهم غير المسبوق، إذ لم نَرَ على مَر التاريخ الإنساني من يُدمِّر البلاد التي يحكمها كما يفعل البشير وعصابته، وهو واقعٌ مُعاش ونراه عياناً ولا يحتاج لاستدلال!
وتَتَواصَل مظاهر الانحدار الإسلاموي، بمَنْحْ الصين مليون فدان بمشروع الجزيرة، لتزرعه (قُطْناً) حسب أكاذيبهم! وبعيداً عن فشل و(خطورة) القطن الصيني المُحوَّر، وثبوت أضراره وآثاره الكارثية، وهو موضوعٌ شرحناه كثيراً ولا يسع المجال لذكره، نُذكِّر السُّودانيين عموماً وأهل الجزيرة خصوصاً، بتمثيلية المُتأسلمين المُسمَّاة (نفرة الجزيرة) قبل شهرين من الآن، والتي إدَّعوا فيها رَصْدْ (210) مليار جنيه، والتزم البشير (الكضاب) بدفع أربعة أضعافها واحتفاء إعلامهم التافه بهذه الأكاذيب، ثم وفي أقل من أُسبوع مَنَحَ والي الجزيرة إحدى الشركات الصينية (800) فدان من أرض المشروع، ارتفعت لـ(450) ألف فدان ثمَّ إلى مليون فدَّان الآن بما يُعادل نحو نصف المشروع، دون توضيح مصير الـ(210) مليار جنيه التي احتفوا بجمعها سابقاً، ودون توضيح مُبررات ارتفاع المساحات الممنوحة للصين من 800 إلى مليون فدان! والأكيد عقب هذه الأكاذيب، أنَّ الصين نَالَت مشروع الجزيرة بالكامل وليس فقط مليون فدان، مُقابل ديون أحالها المُتأسلمون لمصالحهم الشخصية، وذلك رغم تضليلات إعلامهم المأجور، كامتدادٍ لاحتفائه الرخيص بمسرحية الـ(نَفْرَة)، التي أكَّدْتُ كَذِبَهَا بمقالٍ في حينه بعنوان (اَلْجَزِيْرَةُ هَدَفٌ إِسْلَاْمَوِيٌ قَاْدِمْ)! واستكمالاً لمسرحيات العبث، وتمشياً مع توجُّهات المُتأسلمين التدميرية للسُّودان وأهله، تمَّ تخصيص (100) ألف فدان للإماراتيين، مع تجهيز وزارة الزراعة الاتحادية ما وصفوه بفرصٍ استثماريةٍ بالشمالية، تمهيداً لعرضها على الوفد الصيني الزائر مطلع الشهر القادم!
هذه الخطوات تجعلنا أمام حقائق قاسية، لعلَّ أبرزها أنَّ سدود الشمال لا تخص السُّودان وأهله، فقبل التهام مصر لأرقين، كما أوضحنا أعلاه، كان سد دال واقعاً داخل حدود بُحيرة النوبة المُباعة لمصر، فما بالكم عقب ضياع أرقين (رسمياً)؟ فضلاً عن بيع أخصب أراضي الشمالية إمَّا للإمارات أو السعودية والصين! وثاني هذه الحقائق، دَعْم وتآمر (أشقاءنا) كالسعودية مع البشير ضدنا (نحن السُّودانيون) وتكاتفها مع أعدائنا لاقتسام أراضينا، كما حدث في اتفاقية الحدود البحرية السعودية/المصرية، والتي ثَبَّتت (مَصْرَنَة) حلايب، رغم أنَّ (السعودية) كانت (الوسيط) لإيقاف تعديات مصر على السُّودان، ولكنها آثرت مصلحتها وضربت بالسُّودان وسيادته وأهله عرض الحائط! وهو ما فعلته وتفعله الإمارات، التي لم تَكْتَفِ برعاية استثمارات المُتأسلمين، رغم علمها بأنَّها من أموال الشعب السُّوداني المكلوم، وإنَّما واصلت غدرها بنا بالتهام أراضي أهلنا لصالحها، دون اكتراثٍ لأفضال السُّودانيين عليهم وعلى دولتهم، وسنفرد مساحة مُنفصلة لشرح وتفصيل هذا الغدر السعودي/الإماراتي المُزدوج لاحقاً بحول الله. أمَّا الحقيقة الثالثة، فهي تسليم المُتأسلمين أراضي السُّودان للدائنين، بعدما أحالوا الديون التي نالوها باسم البلد لمصالحهم الشخصية وامتنعوا عن سدادها. والحقيقة الرابعة، وهي الأسوأ، إكمال المُتأسلمين لمثلث حمدي اللعين الذي أفصحوا عنه عام 2005، وأنكروه (ظاهرياً) حينما رفضه السُّودانيين الشرفاء حينها، ولكنهم نَفَّذوه بأساليبٍ خبيثة، وتخلَّصوا من المناطق الواقعة خارج المُثلَّث (دنقلا، سِنَّار والأبيض) ولم يَتَبَقَّ منها غير دارفور والمنطقتين، يُساعدهم في ذلك المُجتمع الدولي، ومن نصفهم بالـ(أشقاء) على نحو من ذكرنا بعضهم أعلاه!
قد يقول بعض الغافلين أنَّ التهام مصر لأرقين وبقية أراضي النوبة فيه مصلحة، تبعاً لما تقوم به من تعميرٍ وتحريكٍ للمنطقة وغيره، وكذلك استحواذ الصين على مشروع الجزيرة بإعادته للحياة، وإمكانية الاستفادة من النهضة الإثيوبية وغيرها من التَرَهَات والأوهام. وفي هذا نقول، أنظروا لأهلنا النوبيين بالجانب المصري، والذين تمَّ تهجيرهم من مناطقهم الأساسية وطَمَسُوا هويتهم وتاريخهم، تبعاً لوعود ذهبت جميعها أدراج الرياح، ستجدوهم في أسفل وآخر اهتمامات المصريين الذين لا يهمهم سوى مصالحهم! بخلاف أنَّ المصريين يستكثرون علينا بلادنا، وأفصحوا عن ذلك صراحةً في أكثر من مُستوى وصعيد! وبالنسبة للصين، فهي دولة استعمارية تسعى لمصالحها، ويكفينا دَعَمَها للبشير وعصابته رغم إجرامهم المشهود، واشتراكها مع المُتأسلمين في تدمير (قُطْنِنَا) المرغوب عالمياً، وذلك لتعطيل مشروع الجزيرة الرائد تمهيداً لالتهامه عقب مسرحياتهم العبثية أعلاه! ولتسألوا (إيلا) الموصوف بالمُنقذ عن مصير أموال (نَفْرَة الجزيرة) البالغة (210) مليار، والتي رقص فيها مع بشيره وتبادلوا الأكاذيب، لتُدركوا حجم الإجرام والتربُّص الإسلاموي/الصيني بالمشروع وأهله! أماَّ إثيوبيا، فيكفي قَتْلَهَا لأهلنا بالمناطق الحدودية ونَهْب أراضيهم وأموالهم، بتوثيق وشهادة الإعلام الإسلاموي، فكيف يستقيم الإعمار بالدماء؟! إنَّها أحداثٌ جَرَت أمامنا جميعاً، ولا بأس من التذكير بها في ظل الأزمات الإسلاموية المُتلاحقة الرَّامية لـ(تغييب) الوعي السُّوداني واستكمال مُخطَّطاتهم التدميرية الخبيثة، وآن لنا التحرُّك بجدِّية للحاق بما تبقَّى من بلادنا.
علينا الاتحاد سويةً لاقتلاع المُتأسلمين بأسرع وقت، بدلاً عن استهلاك الوقت في مُفاوضاتٍ (هايفة) لم ولن توقف القتل (المَجَّاني) واليومي، أو تحدُّ من احتلال أراضينا هنا وهناك، أو تُوْقِف (تهجيرنا) القسري من بلادنا واستبدالنا بآخرين من المقاطيع وسَقَطْ المَتَاعْ، لنكتشف في يومٍ (أخشى أن يكون قريباً) أنَّنا دون وطن.
نحنُ فقط المعنيون بتحرير ذواتنا، فالجميع، سواء كان مُجتمع دولي، أو من نصفهم بأشقاء، يتكالبون علينا وينهشون في جسدنا المتآكل، لإشباع أطماعهم وتلبية مصالحهم، ولا مجال أمامنا للخلاص والنهوض إلا بجهودنا، وسنظل نكتب ونُذكِّر ونُكرِّر دون يأسٍ أو قنوط ما حَيينا.