بقلم / محمد ابكر
ليس غريباً غير أن من الاشياء التي تدعو الي الإستغراب والآخذ نحو الذهول والتعجب ، هكذاِ نشهد مراراً وتكراراً أكبر مسوغات السخرية والهزل بالتنشئة ،و أحد أنصع الحقائق في التلاعب بالعقولِ، ومحاولات العبث بالأذهان الخصبة،ولطالما تجلت مظاهر قصدية التلاعب في خلق اللغط والتخبطات” السخيفة” وأقصى حالات التنكي بالطلاب” الممتحنين” وانماط من الاسئلة التي أصابت الأفئدة العاقلة بالعحب والتي تضمنتها ورقة إمتحان مقرر” التربية الإسلامية” للشهادة الثانوية بالأمس الأثنين، من هكذا النظام التعليمي و المنهج التحصيلي والأسلوب ” التلقيني” السوداني ومقرراته الداحضة الهادر للمواهب ،والقاتل للإبداع ،والقاهر للقوى اللامحدودة الكامنة لهذا اللإبداع، وبالطبع لا يشذ واضعي هذا المنهج ومهندسي مفرداته من القاعدة الإستقرائية الهزيلة ونجزم بأنهم الأولى بالصفع والتوبيخ والتحذير. وذلك ريثما نأخذ بعين الإعتبار المشروع الكلي الحاضن للنسق الكامل لأنماط التحكم والسيطرة تحت مسمى” المشروع الحضاري الإسلاموعروبي” بالإضافة لأجندة ” مؤسسة الجلابة”.
النظام التعليمي والمنهج التلقيني طوال مسيرته ظل يغرد داخل سرب النسق الشامل لمشروع يهدف إلي إجراء عمليات مسخ الأدمغة البريئة منذ المهد، وتأطير كبيرها علي الإنقياد والإنصياع ،وإغتيال الإرادة الحرة.
إن المنهجية الإقصائية لهذا النظام صمم إمتحاناً محتوياً مفاهيم، تروي بذور الفوضى ،والفاحشة ،والسخرية والكراهية ،للآخر ومفردات قاحلة عن الأخلاق، والمسئولية التربوية والضمير الإنساني.
فآيات الزنى التي تتضمنتها سورة”النور” بالإضافة الي إحتمالية اللغط المفاهيمي والتأويلي وتحديد معاني مفرداته التفسيرية، والتي يمكن حدوثها ،وهي حقاً ما نعايشها كذلك معاصراً، أنها تضمر بشكلٍ جلي، إشاعة التهكم من نفور الأديان من التعاطي مع كنه الإنسان وزيوع فكرة” التخلي عن الأله الحجود بالنصوص اللاهوتية والكفر بالديانات” وخلق السخرية وإثارة الكراهية حيال الآخر المغاير والمختلف وتجاه الدين كفكرة ميثولوجية مقدسة طاهرة لدى الناشئة و الطلاب المراهقين.
هذا ناهيك عن تداعيات آيات” نصوص” حرمة الإختلاط بين الجنسين ووجوب الحجاب كرهاً وتصوير المرأة دينياً أنها كلياً ووجودياً ” عورة ونجاسة وأم الشرور”، الأمر الذي تقوم الجماعة الدينية والنظام العقائدي والثقافي والحضاري في السودان بأستخدامه بخبثٍ ،وذرائعيةٍ ومصلحيةٍ أنانية بالغة السوء والبربرية بغية تحقيق “مشروخه الحصاري المفروغ”.
فالدين والمشرع الميثولوجي اللاهوتي، هنا ليس سوى مجرد عباءة تلبس بمكرٍ وستارة لمسرحية ظالمة شريرة خلفها تماماً ؛فالإله هنا لا يعترف به واقعياً فقط ،هو معروف ويحترم بالخيال والتصور، وهكذا نلاحظ التناقض السخيف لهذه “الزمرة الكهنوتية” بين الإعتراف به كرهاً بالدماغ والإساءة إليه بنصوصه جوارحاً إن كانت في الحقيقة من إبتكاره.
وبالتالي نجد أن سؤال “دخل رجل على أمرأة ظاناً منه أنها زوجته وخيارات الحكم… و عبارة “رجل زنى بزوجته… ” لا يضمران سوى الرغبة في إثارة الكراهية فتح أبواب الإساءة إلي الإكتمال بالجنس الآخر وتخبطات طبيعة العلاقة بين آدم وحواء منذ الأزل، هذا إذا لم نؤكد أن السؤلان يحتويان نوع ومستوى من الحمق والغباء والطرح الساذج.
إن كل تلك المنجهية النفعية في صياغة النظام التعليمي والأسلوب التلقيني الحفظي والإنتقائية المغززة لمفردات ومفاهيم وضع المقررات الدارسية” الرسمية” وبمثل هذه الكيفية في طرح أسئلة الإمتحانات مثل سؤال في باب الميراث بصيغة “…وأبن مسيحي…” والوراث مسلماً والمزاجية في ترك فراغات الأجوبة” النموذجية”، كل ذلك يأتي في السياق تحقيق مسخ الأذهان البريئة منذ المهد وتأطير العقول على عدم قبول الآخر المختلف وإحترامه ،وزرع سنابل الكراهية في الناشئة ،وخلق نوع من البلبلة الثقافية في النظر على طبيعة العلاقة بالغير وترسيخ الرؤوس على ثبات الأشياء ونبذ التسامح والتعامل على أساس “أخ الدين لا أخ الدم” وتكريس أساليب وصور التمييز الديني الثقافي والإثني، وكذلك لطالما ثمة ” نظام” واحد ممنهج ومخطط منذ (١٩٢٠م) أو قبله يحتوي على نسقٍ من “الأنطمة والخطط” أكبرها وأهمها ” المشروع الحضاري ، الإسلاموعروبي” ومؤسسة “الجلابة” و فكرة ” القومية العروبية” و فرضية” الأسلمة والتعريب”…الأمر الذي يجعل كل هذه أفكار وألأنساق تدور حول مشروع “نظام كلي شامل” يسعى جاهداً ويعمل بكل الطرق والوسائل القذرة بغية تحقيق الحلم والهدف الكبيران وهما ” تأسلم غير أتباع سرب الرسول محمد وتعرَّب كل عن غير ولاء وإثنية وسلالة” الحسن والحسين” وثالثاً وأخيراً بلوغ نشوة ذلك التحكم في الغير وتلك السيطرة على الآخر، الأمر الذي يصب في نهر الهيمنة الكلية على الكل.
ولكن يبقى كل ذلك الأخير في نهاية المطاف مجرد “أصغاث أحلام” و “أشياء في نفس يعقوب” ليس إلا. فكل معطيات الواقع وآفاق شفق الصبح تظهر وبصورةٍ في منتهى الإستجلاء وتعبر أن ذلك ” النظام” لم يكن سوى كابوس حلمٍ إستيقظ صاحبه شاعراً بالذعر والهلع من الشعور وإمتلاكه عقدة النقص الثقافي والثقب الحضاري حيال الإبداع الخلاق والإبتكار العظيم والمسامهة الإنسانية بالإنتاج المعرفي والتحصيل العلمي والبحث اللامحدود فيه، وأن ذلك ” المشروع الظلامي” قد أكد الزمن فشله الأنكر وخبثه الأنكى منذ زمن ولى دبره مذ زمن بعيد، وما أنجزه في واقع الأمر ليس إلا واقع سياسي واقع ومستوى حضاري متخلف وسياسة إقتصادية مفلسة ومترهلة ومنجزات ثقافية تساوى أصفاراً ونصوص عقائدي غض كاهني; وبالتالي سقوطه الأخير لطالما ثمة كل هذه الضجة السجالية.
وهكذا نخلص ربطاً بالإستهلال الي أن هذا التلاعب وإثارة السخرية والتهكم بكيفية طرح الأسئلة والعزف على أوتار الكراهية علانية،ً وبالإضمار وطرق أبواب ترسيخ مفاهيم التمييز الديني والثقافي وتكريس مفردات الإقصاء اللغوي والهذل بالألباب “الطاهرة”، ليس في حقيقة الأمر إلا مظاهر واضحة جداً لعمليات المسخ الذهني بالتخطيط الممنهج مسبقاً للنظام التعليمي التلقيني الذي يعد جزء لا يتجزأ من ” نظام كلي شامل” يسعي جاهداً ويعمل مكافحاً ويفكر تخطيطاً الي غسل العقول للإنصياع له كلياً وتأطير الروئ بالإجمال لإنقيادها سهلاً وتطهير الشعوب لأجل تأسلمها وتعريبها عنفاً إكراهاً أو طوعاً وإختياراً بيد أن الأخير ليس إلا لسبك التعبير هنا لا أكثر أما هناك فالأمر هو الخيار الأول فحسب.
وبالتالي فلنتعود على قبول مثل تلك الألاعيب والخطط الذرائعية بكل سهولة؛ دون إبراز أدني درجات العجب والذهول، لطالما ندرك بالكمال “النظام الشامل” لتلك الجماعة ولنا العلم والإلمام التام بمشروعها وخططها ومجموع أجندتها الظاهرة والمضمرة.