بقلـم / الهادي عبد الله
في إنتهاك قديم مُتجدد لحقوق ضحايا الحرب النازحون واللاجؤون، أذاعت في التاسع والعشرون من مايو الفائت، محطة نيالا المحلية بمدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب، خبر توقيع ”وثيقة التعايش“ بين أهل منطقة أم سيالة ومعسكر عطاش بالمدينة عنيها، وذلك مع التكتم التام عن نشر والسماح للرأي العام الولائي الإطلاع على ”بنود“ هذا الصلح الكاذب !.
وقال والي جنوب دارفور المكلف، حامد محمد التجاني هنود، لدي مخاطبته الحضور في احتفال التوقيع، (إن مشهد التوقيع يؤكد أن أهل الولاية اتجهوا نحو السلام والتعايش، وإن المحبة والود بين الطرفين كبير وهم متجاورين ومتعايشين..)
وُقعت هذه الوثيقة العشائرية، بعد أسابيع من هجوم بربري، شنته مليشيا إنطلقت من هذه المستوطنة، على معسكر عطاش، أودى بحياة رجل، وإصابة إمراة بجروح خطيرة، وترويع النازحين، والتهديد بقتلهم وإحراق المعسكر ونهب ممتلكاته.
لا أود تفنيد خطاب هذا الهنود، رغم حشوه المسموم، غير أنني أركز على المنطقة المزعومة ”أم سيالة“، لأنها تمثل بوصلة أرض لمن لا بوصلة له في أراضي المواطنيين الأصليين بالإقليم المُؤآمر عليها.
منطقة أم سيالة المزعومة، هي في الأصل مستوطنة ”أندر“ الواقعة على بُعد نحو 14 كليومتر شمال مدينة نيالا، احتلتها مجموعة من القبائل العربية من بينها قبيلة (الرزيقات)، التي جاء بعض أفرادها من مناطق مدينة الضعين التي صارت لاحقاً عاصمة لولاية شرق دارفور نتيجة صفقة الدوحة التي جرت في العام 2011، بين نظام المخلوع عمر البشير، وحركة التحرير والعدالة، بزعامة المنتفع تجاني السيسي.
منطقة أندر المُحتلة، طردت ميليشيا الجنجويد سيئة الصيد، سكانها الأصليين؛ إبان بداية الحرب المسعُورة في دارفور منذ بواكير 2003، وأجبرت الظروف القاهرة مواطني أندر مع آخرين عاشوا المصير ذاته إلى تأسيس معسكرات ”عطاش ودريج وكلما والسلام وسكلي“، بجنوب دارفور، وذلك هرباً من غارات الجنجويد المتعطشة للدماء.
دأب المستوطنون الجُدد عادتهم، على إرتكاب الانتهاكات بكافة صورها، بحق أهالي المنطقة وأراضيهم الموروثة عبر الأجيال، مثل : القيام باستغلالها في الزراعة المطرية والصيفية، ومراعي لمواشيهم التي نهبوها من الضحايا، كما عمدوا على تخطيط المنطقة بمساعدة حكومات ولاية جنوب دارفور ومحلية بليل، في أوقات متفرقة طوال أيام الاحتلال الاسيتطاني.
منطقة أندر، تتمتع بموارد اقتصادية وفيرة ومساحات زراعية واسعة بجانب مرور الطريق القومي (نيالا – الفاشر) عبرها، كسبها موقعاً استراتيجياً متميزاً مهماً، الأمر الذي دفع هؤلاء المستوطنون الجُدد احكام سيطرتهم عليها، فضلاً عن أطماع نافذون من قبائل أفريقية مجاورة، في المحاولة لضمها إلى حواكيرهم.
في خضم حالة اللادولة، التي يعشها السودان، بات الحصول كل شئ غير مشروع سهلاً جداً، ولو بالاستيلاء على حقوق الآخرين بقوة السلاح بدعم السلطات الولائية والمحلية والاتحادية لتحقيق المشروع العربي الكبير بتغير الديمغرافيا خاصة في دارفور.
مثل هذه المصالحات المسمومة معلومة الأهداف والمرامي، فبالتالي دعايتها المُغرضة، لن تنطلع على أحد أخص هنا المتضررين.
من جانبه، إتركب والي جنوب دارفور، الهنود خطأ عن عمد أو بجهل، بالحضور والسماح بتوقيع صلح كاذب باسم منطقة أم سيالة، هي في الأصل مستوطنة محتلة كما أسلفتُ البيان، باستغلال ظروف الحرب، هذا الفعل المقصود، ارتكبه ايضاً الوالي التابع لحزب الأمة القومي، ”موسى مهدي“ المحسوب لتحالف ”هبت“ في ولاية جنوب دارفور، أيام الحكومة الانتقالية التي إطاح بها إنقلاب البرهان المشؤم، حيث ذهب الموسى إلى منطقة حجير سمبو الواقعة شمال شرق أندر هي بدورها وقعت ضحية للاسيتطان العروبي، وإطماع بني جلدتنا، وإفتتح مدرسة للمستوطون الجُدد، وذلك كله جزء من السعي الدروب لتحالف هبت الخادم للمشروع العروبي بالولاية لشرعنة أربتد هؤلاء المحتلون.
شمال مدينة نيالا ”نالا“، هي تضمن ناطق واسع من الحيز الجغرافي الإداري لمحلية بليل، أيضاً أضحت مستهدفة من قبل نافذون قبليون يردون ضمها إلى محلية مرشينج وذلك ضمن الأطماع القبلية بالتحام محلية بليل من ناحيتها الشمالية والشرقية والغربية.
خلاصة الكلام : إن منطقة أندر ما فتئت محتلة ومستوطنة من قبل القبائل العربية، مع وجود أطماع نافذون قبليون لضمها إلى حواكيرهم، بالاستفادة من الحرب التي لم تضع أوذارها بعد في دارفور، بجانب استمرار السكان الأصليين في النزوح والتشرد واللجؤ.
بلا ريب، تظل الحقوق القانونية والعرفية والسياسية والتاريخية، ملكية أصحابها، ولو حاول المحتلون والمستوطنون والطامحون في الاستيلاء عليها، باستغلال مؤسسات الاستعمار البريطاني في السودان.