“إنَّ الشعب السُّودان الحائِر” كمّا يحلُو لى دائمًا أنَّ أطلق عليه، هو شعب ينتقل اليوم مِنْ حالة الحِيِّرة التامة إلى ماهو أحير! أي من حالات الرَّبكَةِ إلى دعوى الذهُول .. تخيلُوا معي حالة المُواطِن السُّودانِى الآن، لمَّ أجد له مَثِيل إلا تلك الحالة الخيالية لطفل حائِر أمام صراع يحدث بين وآلديهِ والذي ينتهي بإنفصالهما ويترك له حُرية الأختيار للذهاب مع أمه أو مع أبيه!. وفي هذه الحالة المُحيرّة يكون هذا الطفل البريئ تحت ضُغوط كبِيَّرة بسبب الأفكار التي تراوده عن الحياة المُقبلة الغير وآضِحة الرؤية التي سيعيشها في حال ذهب مع أحد وآلديه !!، مثل هذه الحِيّرة المُحَيِرّة هي ما حاولت طرحَهَا في هذا المقال .
يبدو اِننا (السُّودانِيين) نُسير نحو مُهمَّة غير واضحة ولأهداف مجهولة لا نعرفها ونستخدم أساليب غامضة برفقة حُكام لا يُعتمد ولا يُعوّل عليهم، ولعل هذه العبارة تلخص حال الشعب السودانى في عصر فوضى هؤلاء الإسلاموعروبيين ونِفاقهم ودجلهم وكراهيتهم للقومية السودانية وتنوعها العِرقِي والثقافي والجغرافي٠٠٠الخ. لذا أكتملت أمراضهم في قيادتهم لهذه الدولة العِملاقة و وضعوا شعبها في حالة لا تُحسد عليها ورئيسها مُتخلف عقلياً ويقتل شعبه بوحشِيَّة وبلا هوادة .
أنه شعب لا يعرف ماذا يُريد وماذا يفعل إزاء من يحكمه من الجائرين الداعرين الذين أهانوا السودان والسَّودانِيين وأهانوا كرامتهم ، وقسّموا شعبه وأطلقوا أسوأ الصفات عليه.. علينا أنَّ نعلم أن حكامنا لمّ ينزلوا من السماء ، بل هم من نسيج هذا الشعب .. ولكنه نسيج مُهترئ غدى مُمزقاً اليوم جراء سياسات خاطئة بدأت تعزف على صراع الإثنيات والقبليات وصراع البيئات والمدن والمناطق .
وعليه، يجب أنَّ لا نعجب من حروب باردة قميئة نشهدها على الإنترنت اليوم “الفيسبوك والتويتر” أو الفضائيات تثير الإشمئزاز بين السودانيين، وخصوصاً بين القبائل العربية (المُتعربنة)! وباقي القبائل التى تنحدر من العنصر الأفريقي.. وهذا سِر إنقساماتهم الصعبة بحيث لمّ يعدّ هناك مِنْ إهتمام وحديث بين السودانيين منذُ مُجيئ هؤلاء الإسلاموعروبة حتى اليوم .
لم يعّد هناك بين السودانيين من تفكير سياسي وإهتمام إجتماعي وتعبير ثقافي إلا القبلية!، وعادة ما تنتهي بالخصومات والشتائم ! وغدًا السوداني لا يتكلم مع السوداني الأخر إلا بعد أنّ يعرف جغرافيته وإثنيته وقبيلته.. بل وأصاب هذا الوباء أغلب المثقفين السودانيين بحيث يجبر حتى المستنيرين غير القبليين أن ينحدروا إلى هذا المُنحدر بفعل قوة الهجمة وردود الفعل إزاءها.
لقد كثرت في تاريخ هذه البلاد جُملة من المُفاجئات التي تثير الأعاجيب.. أما المواقف، فإنها تتناقض بشكل لا يمكن تخيله.. ويبدو أن كثيراً من السودانيين هم ورثة أجيال كانت قد عانت كثيراً من أمراض جماعية نفسية، فكانت الأجيال الجديدة قد ورثت كل بقايا تلك الأمْراض. وأستغرب من شباب سودانى في مقتبل العمر يعيش في الغرب (اُوروبا – أمريكا – كندا٠٠٠الخ) وهو يحمل هذا الوباء القبلي بِشَراسَة وتخلُف، سبحان الله.
إنّ ما نشهده اليوم لما يحدث بين السودانيين من علاقات وآهية تتخللها شتائم وسباب وشماتة وإثارة وأحقاد وتوصيف سوءات لا يمكن تخيلها حتى وصل الأمر إلى تفكك علاقات وتمزق روابط وإنهيار زيجات وتشرد اُسر ونهاية صداقات قديمة رائعة كانت تجمع بين سودانيين من اُصول عربية (مستعربة) واُخرى زنجية (أفريقية) منذُ عشرات السنين .
وحبذا لو كانت المنافسات سياسية أو فكرية بقدر ما هى قبلية مقيتة.. من المعيب جداً أنّ نطلق أسوأ الأوصاف بحق أهل أى قبيلة سودانية! ومن المعيب أنّ نشتِم أهل مناطق سودانية كاملة، فكأننا بذلك نشتم أنفسنا! ولا يمكن أبدًا أن أبيع شعباً كاملاً من أجل أنّ يبقى حاكم فاشل في سُدّة الحكم والأصرار عليه.
أنّ يكره نصف مجتمع نصفه الأخر إلى هذه الدرجة لا يمكن أن يتحقق أي وحدة وطنية، وأن أي بلد أو أي أمْة لا يستقيم أمرهما من دون لُحمة وطنية، أو نزعة إجتماعية موحدة.. وحتى أنّ كانت هناك إختلافات إجتماعية أو خلافات سياسية أو تباينات طبقية أو منازعات داخلية وقبلية واُسرية .
ولا يمكن أبداً أن ينشر أهل السودان غسيلهم على العالم بمثل ما يجري اليوم.. لقد زرت بلدان عديدة عربية وغير عربية في هذا العالم وعايشت ثقافات متنوعة على مدى عشرة سنة مضت، لم أشهد أبداً فيها جميعا أي حالة مشابهة لمثل ما صار إليه السودانيين اليوم من تمزقات فاضِحَة .
هل من العقل بمكان أن يصل هذا السخف الى حدود القتل والطعن؟ وهل من العقل بمكان أن يتشفى السودانيون أحدهم بالأخر؟ وهل من العقل بمكان أنَّ ينحدر سُوداني وهو في السبعين من العمر ويدعي أنه يحمل الدكتوراة من جامعات بريطانيا، وهو يستخدم علناً لغة لا أخلاقية مع أحد أعز أصدقائه كونه أختلف معه سياسيا؟ وهل من العقل بمكان أنّ يُطلق السوداني لِسانه على سجيته ليعبر بالشتائم ضد أهله السودانيين ويتهمهم بتهم باطِلة من دون أنّ يعرف الحقائق لما يجري ولما جرى في هذه المدينة أو تلك ؟ وهل خلت مدينة سودانية أو قرية من الألآم والأضطهاد حتى تمّحي القيم والأخلاق فيتم توزيع الإتهامات السيئة على كل أهلها ؟ وهل من الضمير الحي أن تعاني بعض الأقاليم على مدى سنوات من الإضطهاد والتهميش والأقصاء والتنكيل من خلال أوامر عليا، ويسكت بقية السودانيين على ما يجري ظلما وعدوانا؟!.. لماذا يسمع بعض السودانيين لما تقوله السلطة وأبواقها الأعلامية من دون السماع لما يقوله بقية أبناء الشعب؟ لقد وجدتُ أن السوداني الحقيقي هو الذي يحفظ لسانه من أن يسئ الى أي سوداني أو الى مدينة أو الى أي قبيلة.. أو يوزع الإتِهامات ضدّ الناس ويترك أهل السلطة يعبثون بحياة البلاد والعباد.. ولا أعتقد أن أي سوداني يحمل ذرة من الشرف يقبل بوجود طغاة في مجتمعه يقتلون أبناء بلده.
وقبل أن نِدين أهلنا من أي قبيلة أو منطقة، علينا أنَّ نِدين السياسات الجائرة، والأوامر الغبية، والتعليمات التى تصدر للجيش بقتل العزّل من دون أن يعرِف المقتول مَنْ الذي أصدر الأوامر؟ علينا أن ندين ما مارسه أفراد الميليشيات الحكومية من ممارسات في إهانة السودانيين والنيل من كرامتهم.. علينا أيها السودانيون بالدعوة إلى التغيير وتأليف حكومة فيها نوع من الرأفة والشفقة بدل الحكومة الحالية التي مُنيت بالهزيمة النكراء بعد تاريخ سيئ على مدى 27 عام مارست خلالها كل الموبقات والمفاسِد والإنتهاكات وتبديد الثروات وأسوأ الحملات الإنتقامية.
سبعة وعشرُّون عام والعقلاء يطالبونهم بمصالحة وطنية بين الفرقاء، ولكن جرى الكيل بمكيالين على اُسُس إثنية وتعرض الألآف من السودانيين للجُوع والضياع والتشرد والإذلال والإعتقالات على حساب آخرين ينعمون بالآلاف من الدولارات!.
علينا القيام بمحاولات صادِقة ومخلصة لتأسيس عقد وطني يجمع كل السودانيين من دون تمييز، وخصوصًا التمييز القبلي الذي حاق بموظفين وقادة وأساتذة وطيارين وخبراء وقضاة وأطباء ومديرين وضباط.. مع منح كل السودانيين حقوقهم.. ومثل هذا الذي يجري في السودان لم تشهده مجتمعات اُخرى لا زالت تعيش في عهود دكتاتورية .
فهل هناك من رسِم خارطة طريق نحو بدء تاريخ جديد، والإسراع بالتغيير قبل إندلاع أي حرب أهلية وإنقسام البلاد وحلُول الخراب مع تدخلات الأخرين في شُؤون السودان – لا سمح الله – ؟
أولاً: أزالة هذه الحكومة نهائيًا بكل الطُرق المُمكنة ومحاسبة أفرادها ثم البدأ فى حوار مع كل فصائل المعارضة بشقيها (السلمِى والمُسلحَ) .
ثانياً: البدء بعملية سياسية وطنية جديدة بعد حلّ الدستور وإصدار قوانين تضبط أحوال البلاد من الناحية الأمنية والتحضير للدخول في مرحلة إنتقالية تتحقق خلالها العدالة الإجتماعية والوحدة الوطنية ويجري خلالها إصدار دستور يُؤمن الحياة السياسية المدنية لمستقبل السودان الديمقراطي المتقدم .
ثالثاً: محاسبة كل المُقصرين والمُفسدين السودانيين على إمْتداد 27 عام الماضية، ومحاكمة ومعاقبة كل الذين ساهموا بقتل السودانيين وإضطهادهم وتهجيرهم وتشريدهم.. مع إصدار قانون يحرّم التمييز القبلي والأثني بين السودانيين، وأن تجري مصالحات وطنية .
رابعاً: إبعاد رجال الدين عن الدولة وسياساتها نهائياً، وأنّ يُحل بدلهم العديد من السودانيين من ذوي الخبرة والتخصص في العلوم المدنية.. مع العمل على إلغاء كل الأحزاب والجماعات والكتل الدينية والطائفية .
خامساً: إحترام الدولة لكل السودانيين بمختلف أديانهم ومناطقهم وأعراقهم وأن يتاح لكل الناس مُمَارسة شعائرهم.. وأنَّ يتم أختيار كبار المُسؤولين على أساس الكفاءة والخِبَرة وحسن السيرة مهما كانت قبيلته أو منطقته أو إتجاهه الفكري والسياسي .