بقلم عثمان نواى
إجراءات البشير التى اتخذها فى الأيام الماضية لا تعبر عن تغييرات جوهرية فى الوضع بقدر ما انها تعبر عن المخاوف التى تقود كل الأطراف فى النظام بما فى ذلك الإسلاميين والعسكر. ولكن الكيزان بشكل خاص اخافهم الرفض الشعبى الشامل لهم خاصة عبر هتاف اى كوز ندوسو دوس الذى اعتبروه عنف لفظى واقصاء.
ان اللعبة التى يلعبها الكيزان من خلال استغلال واجهة الجيش للوصول إلى الحكم، بدأها الترابى عبر قوانين سبتمبر التى كانت بداية صعود الإسلاميين للحكم على اكتاف النميرى. وحينما قامت ثورة أبريل تمكن الكيزان أيضا من القفز عليها عبر الجيش عن طريق سوار الدهب الذى اتضح جليا توجهه الإخوانى بعد ذلك. وحينما اتت لهم الفرصة للصعود الواضح على الحكم كان الجيش أيضا هو المطية. فكان عمر البشير العسكرى الأعلى رتبة الذى تمكن الكيزان من تجنيده حتى يتم تسليم السلطة لواجهة عسكرية. مدركين تماما ان السودانيين لديهم ذلك الشعور الوطنى الذي يحترم العسكرية فى كل اقاليم السودان. وذلك باعتبار الجيش المؤسسة الاولى التى عبرت عن كيان الدولة السودانية منذ ما قبل الاستقلال عبر قوة دفاع السودان. كما ان ثورة السودان التحررية الأولى ضد المستعمر الإنجليزى من داخل الخرطوم قادها ضابط الجيش على عبداللطيف ومن بعده عبد الفضيل الماظ. حيث قدم الرجلان عظيم الشجاعة والتضحية فى سبيل الحرية عبر مواجهة مباشرة مع المستعمر لم يكن لها مثيل بعد ذلك حتى الاستقلال. اذن هذه الذاكرة لها دور كبير في مكانة الحي والعسكرية لدى السودانيين. من جانب اخر فإن طبيعة النظام العسكرى الصارم التى لا تشبه باى حال العفوية وعدم الانضباط الذي يميز التقاليد الاجتماعية والسياسية فى السودان ، وتجعل السودانيين يشعرون بشئ من الاستقرار النسبى عندما يذكر الجيش طمعا فى ان ينعكس الانضباط العسكرى على الدولة ان هم أصبحوا على رأسها، وبالتالى تحسن الأحوال فى البلد عموما.
لكن هذه الذاكرة العاطفية حول العسكرية السودانية، يجب ان لا تنسينا الذاكرة التاريخية المسجلة لواقع الحياة السياسية وتأثير العسكر على الحكم فى السودان. فمنذ الاستقلال الى الان حكمت السودان حكومات عسكرية لمدة ٥٢ عاما من جملة ٦٤ سنة هى عمر السودان المستقل. خلال هذه الحكومات جرت حروب أهلية دامية وقتل الجيش السودانى أبناء الشعب السودانى اكثر مما قدم لهم ولحدود الوطن الحماية. اذن فإن الجيش والعسكر فى الحياة السياسية السودانية هم جذر اساسى فى أزمة الحكم فى البلاد منذ استقلالها. على ذات المنوال فإن الكيزان الذين يعلمون كيف يستغلون الفرص ويقفزون عليها، تمكنوا من التسرب الى مصدر السلطة الرئيسي في السودان منذ الاستقلال والاختباء خلفه دائماً للوصول الى السلطة والحفاظ عليها. وذلك لعلمهم أنهم وحدهم لم ولن يكونوا خيار السودانيين كحزب او توجه سياسي. ولذلك هم يكررون الان نفس اللعبة مرة أخرى عبر الاختباء خلف العسكر الذين هم الآن فى قيادتهم على الاقل من الكيزان وعلى رأسهم وزير الدفاع المعين نائب أول.
ولكن المظاهرات التى تجرى الان تؤكد ان الشعب السودانى تحرر من الانجرار خلف الاعيب الكيزان المكشوفة. والجيش السودانى الذى لم يعد السودانيين لهم كبير ثقة في قياداته. ولكن هناك دوما ثقة فى أبناء الشعب من الشباب في القيادات الوسيطة والدنيا فى الانحياز لاخوتهم فى الشارع. لكن مكانة الجيش فى السياسة السودانية يجب ان تكون اتضحت وان تسقط اى مشاريع التفاف عبر العسكر او من بينهم نحو الحكم فى السودان.
ان الكيزان المصابين بالرعب من هتاف اى كوز ندوسو دوس والذين يشعرون جميعا بنفس رغبة الجرى مثل الامنجي فى برى، فإنهم يلعبون الان كرتهم الاخير عبر الاختباء خلف الجيش عبر دعم من قطر التى جاء وزير دفاعها الى البلد ليلة اول امس للتأكد من ان الجيش سيحمى الكيزان. لكن هذه المواجهة مع الشارع لن يصمد امامها الكيزان وقيادات الجيش التى تحميهم.
nawayosman@gmail.com