الدكتور عمر القراي مديرالمركز القومي للمناهج منذ أن وطأت قدماه بلاط المؤسسة المعنية بوضع المنهج التربوي، ما فتيء يثير الجدل حتى خلق ازمة مستحكمة بينه ومجلس الوزراء، الذي تحرك مطّراً لتجميد مقترحات مشروعه المتناول لتجديد وتعديل وتنقيح المقررات الدراسية لطلاب المراحل الدنيا، فاذا عقدنا المقارنة بين المهمة الثورية لوزير العدل والواجب الوطني للقراي كرجلين دستوريين اتت بهما الثورة، ومطلوب منهما اجراء جراحات قاسية ومؤلمة في اكثر الموضوعات حساسيةً، نجد أن مولانا نصر الدين قد اتبع الحكمة وهو يدير معركته مع رجالات التزمت والغلو الديني، بخلاف مدير مركز المناهج الذي حرص على الظهور الاعلامي وعكف على الردود المتتالية على المتعصبين والمتربصين من بعض المتشددين دينياً، وهنالك مقربون من مجلس الوزراء ذكروا بأنهم قد اسدوا النصح للقراي بأن يبتعد عن الاضواء قدر الامكان، واشاروا اليه بأن يعمل جهده وتركيزه فيما يليه من واجب وان يستصحب بيت الشعر: (لو أن كل كلب عوى القمته حجراً..لاصبح الصخر مثقالاً بدينار)، لكنه للأسف لم يفعل، وعندما القى الاستاذ لقمان في برنامج حوار البناء الوطني بسؤال على وزير العدل، حول الاسباب التي حدت به الى عدم مقارعته للناقمين عليه ممن يقفون ضد التعديلات القانونية، كان رد الوزير مختصراً في أنه مشغول بعمله ولا وقت لديه كي يضيعه في الرد على اصحاب الغرض، او كما قال.
الحملة التي شنها الناس على هذا الرجل ليست منطلقة من اجندة النظام البائد لوحدها، وانما هنالك جهات وفئات اخرى قد ناشتها سهام القراي، من بينها طائفة الانصار وكلنا قرأ البيان المنشور في الصحف من قبل هيئة شئون الانصار، المتناول بالنقد تجرأ القراي على حذف فصول من تاريخ المهدية بالكتاب المقرر على الصف السادس، خاصة حذفه لحقبة خليفة المهدي التي اثارت حفيظة مكون اجتماعي سوداني معتبر، لقد نسي القراي أن تنقيح كتاب التاريخ مثله مثل كتابة دستور البلاد الذي يجب أن يرى فيه كل مواطن نفسه، وايضاً انتفض الناشطون من ابناء البجا رافضين للتناول الهلامي الذي لحق برمز عزتهم الوطنية أمير الشرق عثمان دقنة، مشكلة هذا الجمهوري تكمن في أنه مركزي الهوى ولا ينظر للطالب والتلميذ السوداني المستهدف بمقررات التاريخ والجغرافية، الا من خلال نظارته المكتسية بلون الفكرة الجمهورية، واستحوذت عليه النظرة النخبوية المنحصرة في مركز البلاد والتي لم تتعداه الى الاقاليم البعيدة، لقد اطلعت على بيان صادر من قومية (التنجر) يوم امس يلقون فيه باللوم على واضعي كتاب التاريخ لعدم تضمين تاريخ مملكة التنجر في المقرر، هذه الفسيفساء السودانية الدينية والاجتماعية والجهوية والعرقية بحاجة لمن يستوعبها من رجال الثورة الديسمبرية التي عبّرت عن كل هذه الكيانات الاجتماعية في يوم قيامة بوابة الجيش.
السلاح الامضى تأثيراً على الرأي العام السوداني بعيداً عن استقطاب اليمين واليسار هو تدين الفرد، والسودانيون يقودهم منهاج اهل السنة والجماعة ولا يتسامحون مع الفكر الديني المغاير والغريب، حتى الجبهة الاسلامية القومية بطرحها المشوّه للدين فطنت لهذه الخصيصة السودانية فانحنت لعواصف المدارس المذهبية الاخرى، القادحة في منهاجها المؤمن بضرورة تجديد اصول الفقه للعرّاب حسن الترابي، فانشغل (الجبهجية) بشئون السياسة اكثر من انشغالهم بالجدليات الدينية، بل مضوا الى ابعد من ذلك بفتح القنوات لكل التيارات الدينية باشراكها في الرأي وسمحوا لها بتأسيس المنابر، مصيبة الجمهوريين انهم أسسوا فكرهم السياسي انطلاقاً من الدين، والمدهش انهم وصموا الذين يشاركونهم ذات القاعدة المستندة على الطرح السياسي المتسربل باللباس الديني بالمهووسين، متناسين أن أي حزب سياسي يعتمد على آيات الله في تحشيد عضويته هو حزب كهنوتي غير جدير بأن يسعى للسلطة عبر المتاجرة الرخيصة بهذه الآيات الكريمات، مهما كان رومانسياً في التعبير عن اطروحته، فالحامل للفكر الجمهوري حتماً ستترسب وتترسخ مفاهيمه وقناعاته على الكتاب الذي اسندت اليه مهمة تنقيحه واصداره.
الدكتور حمدوك رئيس الوزراء تعلّم كثيراً بعد قضاء ما يقارب العامين وهو على كرسي الوزارة، وعرف كيف تتحرك الطاقات الدينية الكامنة في قلوب السودانيين سلباً وايجاباً بحسب حكمة الرئيس والقائد السياسي، فالمساجد في السودان ليست تابعة للحركة الاسلامية والا لما تضامنت مع ثورة ديسمبر وانزلت ائمة السلطان من المنابر عندما حاولوا يائسين الدفاع عن سلطانهم الزائل، واخرجت ائمة حداثيين يؤمنون بالتغيير ولا يستسلمون للطاغوت مهما كان بارعاً في استغلال العاطفة الدينية، فعلى حمدوك أن يسحب بساط طبقة رجال الدين من تحت اقدام النظام البائد ويوظفها خدمة لاجندة الثورة، ولن يعجز السودان في أن يأتي بمدير آخر للمركز القومي للمناهج من الكفاءات التربوية الشاغلة لاكبر المؤسسات التعليمية والتربوية، وليبتعد رئيس الوزراء كثيراً عن الشخصيات المثيرة للجدل والمختلف حولها وتلك التي لديها تاريخ سياسي مشحون بالتشاكس والخائضة في اتون معارك طواحين الهواء، لقد اطاح الاسلاميون بزعيمهم صاحب الافكار الشاذة حينما لزم الامر، ولم يؤثر ذلك في قبضتهم الحديدية على مقاليد الامور، ولم يضمنوا تعاليم شيخهم المخالفة للمعلوم من الدين بالضرورة في مناهج التربية والتعليم، ومن تلك التعاليم والاراء المخالفة لتدين الفرد السوداني نفي عذاب القبر والسخريه من ياجوج وماجوج واسقاط علامات الساعة.
اسماعيل عبد الله
[email protected]
9 ينيار 2021