الفراعنة السود أعادوا توحيد مصر المفككة وملؤا ألارض بلحظات من المجد والتالق، ليصنعوا إمبراطورية امتدت من جنوب الخرطوم الحالية وحتى البحر المتوسط شمالاً. لقد وقفوا بشموخ ضد الأشوريين المتعطشين للدماء، بل من المرجح انهم في طريقهم لذلك قد أنقذوا القدس.
مجلة ناشيونال جيوغرافيك
الفراعنة السود : المجد المخفي
على مدى العقود الثلاثة أو الاربع الأخيرة بدأت حركة أرخنة وتوثيق جديد تستهدف بالدرجة الأولى إعادة كتابة التاريخ بعيون متحررة من العنصرية والانحياز العرقي الذي اتصف به أوائل المستكشفين والمنقبين والمؤرخين. تلك الحركة العالمية التي عبرت عن التطور فى النظرة العالمية للتنوع البشري الثقافي والعرقي والذي نبع من آثار العولمة وثورة الحقوق المدنية وتحرر آخر الدول من الاضطهاد العرقي في جنوب أفريقيا.
و ببطء شديد ولكن بالتزام وصبر كبير سخر مجموعة من العلماء والباحثين أعمارهم لكشف ما تعمد سلفهم من المؤرخين دفنه وتجاهله بل وأنكاره وتزويره في أوقات كثيرة. فقد قال باحث الآثار المعروف والبروفسور في جامعة هارفرد واول من اكتشف ملوك مملكة كوش في 1916، وفي كتابة مناقضة للواقع والكشوفات التي وجدها، كتب أن ” ملوك كوش والذين حكموا مصر وما ورائها حتى القدس والذين هزموا الأشوريين والمذكورين في التوراة لا يمكن أن يكونوا من الأفارقة سود البشرة البدائيين بل هم بالتأكيد مصريين أو ليبيين حكموا هؤلاء الأفارقة البدائيين.” ولكن وبعد مائة عام عاد مؤرخون متحررون من تلك النظرة العرقية المختلة للبحث عن الحقيقه وتصحيح التاريخ للأبد.
ففي رحلات متتالية لباحثين آثار من جامعات أمريكية وأوروبية مختلفة خلال العقدين الماضيين تم التنقيب والكشف عن آثار متعددة تحكي قصة الملك الفرعون الاسود بيي وابناؤه وإحفاده تهراقا وبعانخي ، الفراعنة السود الذين أنقذوا مصر والقدس من الأشوريين، وحكموا وادي النيل لمائة عام، لقبول خلالها بالملوك الرحماء، وكانوا هم الأسرة الخامسة والعشرين من الأسر الفرعونية التي حكمت مصر.
لقد تجاهل العالم هذا التاريخ والكثير في داخله من حضارة الملوك السود في كوش التي أمتدت لأكثر 2500عام. و الذين كانت أرضهم هي منبع الثروات والتقنية في صناعة الحديد والذهب الذي سميت به أرضهم. ان حضارة كوش وما انشأته من إهرامات ومعابد على سفوح أرض لم تكن دائما صحراء بل كانت أرض مرعي وخضرة وكان الكوشيين كما صورتهم بعض الرسومات في الأهرامات في مصر هم أصحاب الماشية وأهل الشجاعة في القتال. ورغم محاولات السيطرة من ملوك مصر العليا على أرض كوش إلا أنهم فشلوا وكانوا يخشون مقاتليها الأشاوس. لذا كانت الحضارة الكورشي فريدة وتتعامل بندية مع القوى الإقليمية من حولها.
لكن تلك الحضارة التي تعد الأقدم في أفريقيا، وما تمكنت من إنجازه دفن ليس تحت أنقاض الصخور والزمن، بل تحت اوبال العنصرية والتعصب العرقي البغيض. ففي المتحف المصري كتبت جميع اسماء الأسر الحاكمة في على جدران المتحف ما عدا الأسرة الخامسة والعشرون، بل والأدهى أن المؤرخين حاولوا باستمرار دفن تلك الحضارة التاريخية وعدم الحديث عنها.
لكن تتزايد الروابط الآن بين أولئك الملوك السود الرعاة وأصحاب الماشية، المقاتلين المهرة والمزارعين والمصارعين وبين النوبة قاطني جبال النوبة. التي زارها الكثير من الباحثين وصورت العديد من الأفلام الوثائقية التي تثبت تلك الروابط الواضحة التي تتجلى في ملامح ولغة وممارسات أهل جبال النوبة، إلى حد اثار دهشة أولئك الباحثين وجعلهم يتساءلون خلال زيارتهم لجبال النوبة عن ما إذا كانوا في الواقع يعيشون التاريخ من جديد من خلال رقصات الكمبلا والمصارعة النوباوية. إذ كانت شديدة الشبه بما وجدوه في الكهوف الكوشية والإهرمات في مروي وغيرها وحتى في مصر.
وربما يكون قد حان الأوان لتتكشف الحقائق في لحظة تاريخية يتسائل فيها بعض السودانيون عن هويتهم ويحارب سودانيين آخرون دفاعا عن هويتهم. وربما يكون الفراعنة السود الذين لموا شمل حضارة وادي النيل لحظة انهيارها قبل ثلاثة آلاف عام، هم الذين سيقومون مرة أخرى بإنقاذ ما تبقى من السودان. ويعينوا السودانيين اخيرا على الفخر بسوادهم واحترام تفردهم في الوقت الذي يعترف العالم بالحقيقة ويسعى لتصحيح التاريخ، يجب علينا أيضا أن نستلهم من تاريخنا لنصحح تاريخنا ونحسن حاضرنا ومستقبلنا.