لندن _ صوت الهامش
بقي الفنان الشاب “محمود عبد العزيز” أحد أكثر المطربين شعبية في السودان، رمزًا مؤثرًا لسودان مختلف جداً حتى بعد 6 أعوام من وفاته، هكذا يقول لسان حال الشباب السوداني الذي لا يزال يشارك حتى اليوم في مظاهرات مناهضة للنظام القمعي الذي يحكمه.
وقالت صحيفة “الغارديان” البريطانية في تقريرلها بعنوان “المطرب السوداني الميت، الذي ألهم انتفاضة السودان” أن “محمود عبد العزيز” عندما توفي في العاصمة الأردنية “عمان” في يناير من العام 2013 ، قام جمهوره بمهاجمة مدرج مطار “الخرطوم” حيث تم نقل جثمانه إلى منزله، مما اضطر سلطات المطار إلى إلغاء كافة الرحلات الجوية حينها.
بينما تدفق آخرون على شوارع المدينة لتشكيل واحد من أكبر الحشود التي شهدها تاريخ السودان الحديث.
الفنان الذي يلقبه عشاقه وجماهيره بـ ” الحوت ” والذي تمكن من دمج التقاليد الأفريقية مع موسيقى البوب الغربي في أغانيه وموسيقاه، أصبح رمزًا قويًا لسودان مختلف، سودان أقل تشددًا في الدين، وأكثر تطلعاً إلى الخارج، ولهذاعُرِف باسم “نجم الشباب” ، والآن ينزل هؤلاء الشباب إلى الشوارع مرة أخرى، وبرزوا في طليعة الاحتجاجات الأخيرة ضد نظام الرئيس عمر البشير مطالبين بإنهائه.
وكشفت ” الغارديان” أن الدافع وراء إشتراك جماهير “الحوت” المحبين له، هي المنظمة الثقافية والخيرية التي أنشأها المغني قبل وفاته والتي تعرض بعض أعضائها المعروفين باسم “أقمار الريف” للاعتقال والقتل في حملة القمع الحكومية الأخيرة.
وكان أحد الذين قُتلوا في مظاهرة في “أم درمان” الشاب “صالح صالح” البالغ من العمر 25 عاماً، والمفارقة العجيبة أنه كان يحمل صوراً للمغني الراحل أثناء توجهه لنقطة تجمع شبابية لإحياء ذكرى وفاته، حيث وصل إلى التجمع مع اثنين من أشقائه الأصغر منه سناً، ليجد أن المجموعة قد حثت على التظاهر بدلاً من الاحتفال بذكرى وفاة “الحواته “.
“لسنا سياسيين على الإطلاق” هكذا علق شقيقه “مهند صالح” لموقع “نيلان” مضيفًا: “نحن حتى لا نفهم السياسة” مشددًا على أن حركة الاحتجاج ضد البشير، في بلد يعاني من التضخم المتصاعد والصعوبات الاقتصادية، قد توسعت إلى ما بعد مجموعات وأحزاب المعارضة، للتضخم اتصل إلى “استياء شعبي”.
وقالت شقيقته “جيهان صالح”: “عندما وصل والدي إلى المستشفى لتسلم جثة “صالح” هتف بصوت عالٍ وهتف الكثيرون معه، حتى قامت قوات الأمن بإلقاء الغاز المسيل للدموع علينا، ثم تبعه ذخيرة حية خارج المستشفى”.
وعلى الرغم من التهديد بالعنف والاعتقال، قالت ” الغارديان ” في تقريرها أن مجموعة “أقمار الريف” قالت أنها ستواصل المشاركة في الاحتجاجات، حيث يستخدم تطبيق “التليغرام ” عبر الهواتف الذكية على نطاق واسع للمراسلة الآمنة، وتفادي المراقبة من قبل الحكومة التي حجبت العديد من مواقع وسائل التواصل الاجتماعية في البلاد.
ولم يكن العديد من مؤيدي “الحوت” من جماعة “أقمار الريف” سياسيين بشكل علني، إلا أن أهمية ودلالة “الحواته” كأيقونة مستمرة وتؤثر على جيل كامل من الشباب يتغاضى عن القيود الاجتماعية في السودان.
وتحكي ” الغارديان ” عن أن ظهور “عبد العزيز” باعتباره المغني الأكثر شعبية في السودان يرتبط أيضًا بحكايةٌ لا تنسى في تاريخ السودان الحديث، حيث ولد في أكتوبر 1967 في الخرطوم بحري، وبرز كمغني في وقت كان أسلوبه في الموسيقى في ذلك الوقت ممنوعًا على التلفزيون والاذاعة الوطنية السودانية.
وخلال سنوات الحرب مع “جنوب السودان” عندما اضطر العديد من المطربين والفنانين والسياسيين إلى الفرار من البلاد خلال تزايد التعصب الديني المحافظ، بقي “عبد العزيز” في السودان واستمر في أدائه، مخاطراً باعتقاله.
وأشارت أن “الحوت ” هو الفنان الوحيد الذي تتصف قاعدته الجماهيرية بالتفاني في ذلك الوقت، حتى أنها –الجماهير- لا زالت تحاكي مظهره وقصة شعره وطريقة حديثه إلى الآن، وذلك يعود إلى رغبتهم في رؤية سودان العدالة الاجتماعية وبدون قوانين دينية تقيد النظام العام.
ويقول “محمد بابكر ” – رئيس رابطة أقمار الريف- في حديثه لصحيفة “الغارديان” أن الفنان “محمود عبد العزيز” كان دائمًا مع الناس، صريحاً وواضحًا بشأن قضاياهم .
وأضاف :”الكثير من أغانيه تدور حول ذلك، إلا أننا لا يمكننا أن ننسى أنهم أهانوه علناً، وأرادوا منه الانضمام إلى حزبهم واتباع أجندتهم، لكنه رفض، لذلك قاموا بمعاقبته”وبعد ساعات من كلمات “بابكر” ألقي القبض عليه، وله الآن ما يقارب الشهرلم يسمع عنه أحد منذ ذلك الحين.