الخرطوم ــ صوت الهامش
لم تمر ساعات من تعميم صحفي أصدره مكتب الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة، مؤكداً إلتزامها بالعملية السياسيّة وأنها تنتظر عما تسفر عنه اللجان الفنية المتعلقة بعمليات الدمج والتحديث. وتعميم آخر نشرته قوات الدعم السريع، تؤكد فيه” التزامها الكامل بالوصول لجيش قومي مهني واحد، وبكل ما ورد في الاتفاق السياسي الإطاري الموقع في 5 ديسمبر الماضي، وورقة مبادئ وأسس إصلاح القطاع الأمني والعسكري، الموقعة في 15 مارس الجاري، سيما قضايا الإصلاح والدمج والتحديث، والانتقال المدني الديمقراطي”.
بالإضافة إلى تعميم اعلنته بعثة الأمم المتحدة لدعم المرحلة الانتقالية، فحواه “عقدت الآلية الثلاثية اجتماعاً هاماً مع لجنة الموقعين على الاتفاق الإطاري بشأن انخراطها مع غير الموقعين، وذلك كجزء من دور الآلية التيسيري في دعم الجهود السودانية للتوصل إلى حل سياسي”، حتى تتواتر الانباء، ويضج السوشال ميديا بالتداول كالسيل الجارف من كل حدب وصوب عن تأجيل التوقيع على الإتفاق السياسي النهائي الذي كان مقرراً له غداً السبت، الأول من أبريل القادم، إلى أجلٍ غير مسمى.
وجاء في تصريح للناطق الرسمي باسم العملية السياسية “تواصل الأطراف المدنية والعسكرية العمل على قدم وساق لإكمال المناقشات حول بعض تفاصيل قضايا الاتفاق النهائي، ولم تقرر أي جهة بعد قراراً جديداً بشأن التوقيع يوم السبت القادم”. وأضاف “ستتواصل النقاشات خلال اليوم وغد، واذا استجدت أي متغيرات فستجتمع القوى المدنية والعسكرية الموقعة على الاتفاق الاطاري للبت بشأنها، واطلاع الرأي العام عبر قنوات التواصل الرسمية”.
ويعود أهم أسباب هذه الصفعة الجديدة على ثوريّة الشارع وتوقعاته رغم تحفظاته “الكبيرة” على العملية السياسيّة الجارية، إلى مخرجات ورشة الإصلاح الأمني والعسكري التي اختمت اعمالها أمس الأول باصدار بيانها الختامي، بجانب أن هناك مصادر تقول انه تم “سحب التوصيات الخاصة بدمج الدعم السريع في القوات المسلحة”، التي لطالما أقيمت هذه الورشة لمناقشتها بشكل جاد وتضمين توصياتها في الإتفاق النهائي الذي كان من المنتظر توقيعه غداً القريب.
وجاء في المسودة الأولى للاتفاق النهائي، أن عمليات الدمج والتحديث والإصلاح تقوم على أربع مراحل، وأن اللجنة الفنية المعنية بعمليات دمج الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية هي ما تقوم” بوضع التوصيات والضوابط الاخرى، وألا تتجاوز المدة الكلية العشرة سنوات”، وأنه “ستتزامن مع جداول مفصلة للإصلاحات اللازمة في القوات النظامية وتنفيذ الترتيبات الأمنية المنصوص عليها في اتفاق جوبا لسلام السودان”.
في السياق ذاته، ووسط هذا التزامن والتطورات “الصادمة” للشارع الثوري لحراك ديسمبر، قال الناطق الرسمي باسم العملية السياسية، أن جلسات ورشة عمل الإصلاح الأمني والعسكري التي إنعقدت بقاعة الصداقة خلال الفترة من 26 – 29 مارس 2023 قد “اتسمت بمناقشات صريحة وشفافة، حول قضية تمثل ركناً من أركان بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة”.
وأشار الناطق الرسمي للعملية، إلى واقعة الخلافات التي صاحبت الورشة، قائلاً “وعلى الرغم من صعوبة وتعقيد هذه النقاشات إلا أن الورشة شكلت خطوة في الإتجاه الصحيح، ستستكملها مناقشات اللجان الفنية التي ستواصل عملها للوصول لخطة واضحة للاصلاح والدمج والتحديث تستند على ما تم التوافق عليه بين الأطراف المدنية والعسكرية في الإتفاق الإطاري وفي ورقة مباديء وأسس إصلاح القطاع الأمني والعسكري”.
وأضاف خالد عمر يوسف ” ان العملية السياسية الآن وصلت آخر محطاتها لذا فاننا ندرك حجم تعقيد المهمة الملقاة على عاتق جميع الأطراف لإيجاد حلول لما تبقى من قضايا”.
وتابع أنه “وفي هذا السياق فإننا نثمن الروح التي عكسها بياني القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بالتأكيد على الإلتزام بالعملية السياسية والانخراط في مناقشة القضايا المتبقية والعمل على الوصول لتوافق حولها في أسرع فرصة بغية ادراجها في الإتفاق السياسي النهائي المرتقب توقيعه خلال الأيام القادمة”.
وعن مدى المشاركة وجدية تنفيذ توصيات الورشة ضمن العملية السياسية الكلية قال خالد إن ” العملية السياسية الجارية تمثل انعكاساً للمطالب الرئيسية للشعب السوداني ولقوى ثورة ديسمبر المجيدة، وقد شهدت ورشها ومؤتمراتها مشاركة واسعة من أصحاب المصلحة، وسيعبر الاتفاق السياسي النهائي عن تطلعاتهم ورؤاهم بصورة واضحة لا لبس فيها، إننا ندرك أن قوى النظام البائد لن تدخر جهداً لايقاف عجلتها وهو أمر متوقع، سنعبره بتمسكنا برؤية لن نحيد عنها تقوم على ضرورة إسترداد مسار الإنتقال الديمقراطي بقيادة سلطة مدنية كاملة تضطلع بمهام الإنتقال الرئيسية التي جاءت بها ثورة ديسمبر المجيدة، وهو ما ظل شعبنا متمسك به ولن يتراجع عنه أبداً”.
وفي الوقت الذي كان الجميع ينتظر أن تؤدي كافة الجهود المبذولة، في حسن حالاتها، إلى انتقال سياسي يؤسس لوضعية بناء الدولة المنشودة وفق رؤية ومطالب حراك ديسمبر، هكذا تتناهى أخبار وتقارير هنا وهناك ناقلة عن تأجيل التوقيع النهائي، ما معناه أيضاً إرجاء جدولة تشكيل الحكومة المدنية المنتظرة في 11 أبريل، وهذا آخر ما كان يتوقعه الشعب السوداني لطالما ظل ينتظر طويلاً الضوء الأخضر ولو بصيصاً نحو الانتقال الديمقراطي المنشود للمجتمع والدولة. ولكن هناك ايضاً من كان لا يستبعد مثل هكذا تطورات لطالما خبَر الجميع العديد من التجارب غير الصادقة والكثير من الاعمال والوعود من سواء من قِبل العسكر أو حتى من المعسكر المدني أو الاثنان معاً.
في فاتحة ورشة الإصلاح الأمني والعسكري أكد القائد العام للقوات المسلحة، إلتزام القوات المسلحة التام بالإنحياز لأهداف التغيير وتحقيق تطلعات الشعب السوداني في الحرية والسلام والعدالة. وقال ” لن نقف حجر عثرة في سبيل إصلاح الدولة السودانية”.
وأضاف ” نريد أن نبني قوات مسلحة ملتزمة بمعايير الأنظمة الديمقراطية”. وأعلن القائد العام للقوات المسلحة أن القوات المسلحة ستكون تحت إمرة أي حكومة مدنية منتخبة بأمر الشعب.. أن هذه فرصة مواتية لوضع أسس الإصلاح الأمني والعسكري وكل أجهزة الدولة المختلفة”.
وهكذا وسط هذه التصريحات المتواترة، والتعميمات الصحفية التي تتكاثر هنا وهناك يومياً بل كل بضع ساعات حيال الازمة السياسية الجاثمة على صدر البلاد منذ انقلاب الـ 25 من أكتوبر 2021، على الاقل، يعيش المواطنين السودانيين والسودانيات تحت رحمة وضعية عمومية قاهرة ومستبدة وقاسية للغاية.. ومع كل صباح يأمل أن يكون يومه أفضل من سابقه وهكذا.. وبالتالي ماذا ستسفر عنها الساعات القادمة أو الأيام؟.