ايليا كوكو
لماذا العلمانية الخيار الافضل لنظام الحكم في السودان ؟
ذلك لان العلمانية تقف علي مسافة واحدة بين كل الاطياف و تساوي بين اختلافات الدينية و الطائفية و العرقية و الجهوية . العلمانية معادلة البشر للعيش معاً و هي القانون الوضعي يتراضي عليه الناس يحتكون به بغية تحقيق قسط العدل و المساواة بين الجميع . العلمانية ليست بالدين الجديد و لا هي ببديل عن الاديان السماوية او الطبيعية القائمة و الموجودة اصلاً . كما ان العلمانية ليست كفراً بالاديان و لا هي بالمرادفة للألحاد و هي لا تدعو الناس الي الالحاد و ترك الدين و الصلاة و الايمان بالله . العلمانية ابداً لا تدعو الي الفسق و الفساد و لا تجنح او تميل الي افشاء الموبقات والمحرمات الاخلاقية . العلمانية لا تشرع للزنا و السرقة و القتل او اباحة دماء الناس و سلب حقوقهم و اغتصاب عروضهم و ممتلكاتهم . العلمانية عقد و تشريع بشري متفق عليه و هو عبارة عن تراكم خبرات البشرية علي مر التاريخ و استنتاج لأفكار العلماء و الخبراء من الحكماء و الحلماء و ناتج عن خلاصة الارث الانساني لكيفية ادارة الدولة الحديثة بتعقيداتها من الاختلافات الدينية و الايدلوجية الفكرية و الاجتماعية بكافة مشاربها و تشعباتها ,و الوان طيفها
العلمانية ببساطة هي عقد اتفاق و توافق بين البشر و بالاحري هي عقد اجمتاعي بين اناس يقيمون في رقعة جغرافية واحدة لهم تاريخ مشترك و روابط بشرية و اقتصادية اجتماعية و اديان مختلفة ينبغي تكون ملهمة لقبول الاخر . المهم جداً في العلمانية هو كسر الحواجز بين الاديان المختلفة و تجسير المسافات بينها للتواصل و التعايش السلمي و الامان و السلام و ما الي ذلك من الامور التي يشترك فيها كل الناس الذين يجمعهم كيان واحد و يضمهم هذا الكيان في بوتقة واحدة اسمها الدولة .. العلمانية فكر بشري محض غير مقدس و غير معني بالامور الغيبية و ما وراء الكون المادي فهي غير معنية بأدخال البشر الي الجنة بقدر عملها و اجتهادها للرقي بألاحوال الانسانية الدنيوية و تنميتها لتحقيق العيش الكريم للشعوب و الرخاء و الرفاه الانساني للأمم . قد تكون العلمانية عكس الاديان من النواحي المقدسة و علاقة الفرد بالروحانيات و خصوصياتها لكنها ليست ضدها ابداً تحاول في تبسيط الامور الوقتية و العلاقات التي تخص الامور المادية و تطويرها لفائدة الانسان الوقتية .
الدولة فضاء بحدود هي أرض مشتركة و مظلة كبيرة يقيم فوق تراب أرضها شعب واحد و ربما شعوب مختلفة و اجناس متعددة من قبائل و طوائف و مملل و اديان بطون و امصار و اعراق . و مهمة الدولة هي كما ذهبنا تتبلور في الوقوف علي مسافة واحد بين مكونات شعبها بالعدل و القانون و المساوة بينهم في كل الاحتياجات الدنيوية غض النظر عن كل الاختلافات أنفة الذكر . و الدولة الرشيدة هي الدولة التي تحقق معاير العدالة و المساواة و تطبق القانون علي الجميع بدون استثناءات دينية او عرقية و مذهبية و قبلية فلا كبير علي قانون في الدولة العلمانية و يوجد انسان مقدس في هذه الدولة .
الدولة الرشيدة لا تنحاز للأغلبية و تغض الطرف عن الاقلية لكنها تراعي حقوق الاقليات و تحميها و تدافع عنها و هذا لا يمكن تحقيقه الا من خلال علمانية الدولة . الدولة الدينية أياً كان الدين مسلم مسيحي ، يهودي او بوذي هي دولة منحازة لطائفتها و الشرائع الدينية تحابي عناصرها ضد العناصر الاخري . و لا يمكن بحال من الاحوال الادعاء بأن هذا الدين قادر علي المساواة بين كل الناس فكل دين يخدم مصالح معتنقيه و ان ادعي الكمال . و من ينادون بالاغلبية الدينية دائماً يفشلون في كفالة حقوق الاقليات عند اول تطبيق لأحقاق حقوق الاقليات .
و الدولة السودانية الدينية منذ الاستقلال هي خير نموذج لفشل الدين السياسي او الدولة الدينية علي الاطلاق بل هي علامة فشل كبير جداً في المواطنة المتساوية في الحقوق و الواجبات . و خير دليل لفشل الدولة السودانية هو انفصال الجنوب بسبب الاضطهاد الديني المستمر و حروب الجهاد ضد الجنوبيين و التمييز الديني و العرقي و الاجتماعي الاقتصادي . كل ذلك كان بسبب الممارسات الخاطئة جداً للدين السياسي و التطبيق الخاطيئ للشريعة الاسلامية في السودان .
الدولة الدينية السودانية حاربت الجنوب منذ فجر الاستقلال هي التي اضطرت الجنوبيين للمطالبة بحق تقرير المصير الذي أدي لفصله في العام 2011 م .
الدولة الدينية السودانية هي التي اعلنت مناطق جبال النوب و الانقسنا مناطق مقفولة و مارست فيها اشنع انواع الاسترقاق و القمع حاربتها نوعياً في التعليم و الصحة و الخدمات . و هي التي أججت فيما بعد الحروب في جبال النوبة و النيل الازرق منذ العام 1983م . و أعلنت ضدهم الجهاد لأنهم طالبوا بحقوقهم الوطنية في التنمية و الحرية و العدالة و المساواة .
و الدولة الدينية السودانية هي التي ازكت نيران الحروب القبلية في دارفور و فرقت شملهم الي زرقة و عرب . هذا رغم ان أهل اقليم دارفور مسلمين بدرجة كبيرة جداً لكن العنصرية الدينية و القبلية و الجهوية تمكنت من تمزيق نسيج هذا الاقليم الديني و الاجتماعي بفساد و ممارسات قمع الدين السياسي .
عليه فأن الرؤية الشجاعة التي تطرحها الحركة الشعبية و مناداتها بالدولة العلمانية ستظل الخيار الافضل لوحدة السودان . كما انها الطرح المفضل للسواد الاعظم من السودانيين الذين اكتووا منذ الاستقلال بنيران مكايدات الدين السياسي .
فلا مستقبل لسودان موحد في ظل الغطرسة الدينية الذي يدعي الاغلبية و عدم اعترافه بالاخرين مواطنين متساويين في المواطنة الحقيقة الكاملة . فقد مضي و انقضي و الي الابد عهود الوصاية و الاستعباد و الاسترقاق بأسم الدين فللسودانيين المهمشين في جبال النوبة و النيل الازرق خياراتهم المفتوحه حال رفض العلمانية خياراً للوحدة الجاذبة . فتقرير المصير حق يكفله المجتمع الدولي و المؤسسات الاممية و مجلس الامن و الامم المتحدة هو حق مكفول للشعوب المضطهدة يختارونه حال استحالة العيش في وطن و دولة لا يحقق لهم أدني حقوق المواطنة من الحقوق و العدالة و المساوة .
دمت وعشت يا سودان وطن العزة و الكرمو وطناً للجميع
فالدين لله و الوطن للجميع … الوطن السودان لنا لسوانا .