لم يتفق السودانيون من قبل على شيء أكثر من إتفاقهم على ضرورة إزالة هذا النظام. وحتى المتخلفين عن الانضمام العلني للحراك المناهض للنظام لا ينبع تأخرهموعن عن شك في الغاية إنما هو اختلاف في السبل التي يمكن أن يسقط بها النظام، فحتى الإسلاميون أنفسهم أصبحوا يعلمون أن مدة صلاحية هذا النظام قد انتهت، ولم يعد أمامهم وقت طويل للمناورات التي اعتادوا عليها طوال ال 27 عاما الماضية. ويبدو أن القوى الدولية والإقليمية بدأت في إدراك أن هذا النظام لم يعد بقدرته إدارة الأزمات التي صنعها بنفسه.
فقد أوردت صحيفة سودان تريبيون يوم 12 ديسمبر الجاري خبر ان الصين رفضت منح النظام السوداني قروض جديدة نسبة لعدم وفاء الاخير بالقروض السابقة، كما أن انعدام وجود أي ضمانات مثل النفط في ظل أزمة اقتصادية عالمية تأثر بها العملاق الصيني نفسه لم يكن من المجدي اقتصاديا ويبدو سياسيا أيضا للصين الاستمرار في تقديم معونات في شكل قروض للنظام الذي أصبح من الواضح فشله في إدارة البلاد في كل المستويات. وخاصة المستوى الاقتصادي الذي يهم دولة مثل الصين التي لا تعني كثيرا بالديمقراطية أو حقوق الإنسان، بل تهتم بالربح والجدوي الاقتصادية. وما كان النظام ناجحا فيه خلال العقدين الماضيين هو قدراته على صناعة تحالفات اقتصادية مع الدول التي لا تهتم بسجله الحقوقي والسياسي الأسود، مثل إيران والصين وروسيا. وبعد إغلاق السفارة الإيرانية في السودان بشكل رسمي قبل أيام قفل ملف إحدى أكبر الدول التي ساهمت في استمرار نظام البشير.
وبقيت الصين الشريك الاستراتيجي الاقتصادي الأكبر للنظام الحاكم، ولكن فشل النظام في إدارة ملف النفط مع الجنوب واستمرار الحروب في أهم المناطق المليئة بالثروة النفطية والمعدنية مثل جبال النوبة ودارفور والنيل الأزرق وعدم الاستقرار النقدي وانهيار العملة كلها عوامل جعلت النظام يخسر حليفه الاقتصادي الأقوى. وبهذا الاعتراف الصيني بفشل النظام في إدارة اقتصاد السودان يبدو أن آخر خطوط الامداد والإنقاذ للنظام لا عطائه فرصة الانتعاش والبقاء قد توقف. هذا إضافة إلى عدم استعداد السعودية ودول الخليج الأخرى تحمل المزيد من التكاليف الاقتصادية، فقد انتهت الحرب في اليمن عمليا ولم يعد من المجدي الاستمرار في دعم نظام البشير فقط لموقفه في اليمن وحتى ان تم دعمه فإن الأمر لا يعدو الصرف على مجموعات من المرتزقة، هذا ما حول إليه النظام الجيش السوداني، لن تكفي لتسيير الدولة المفلسة عمليا. وسربت أنباء عن احتمال إرسال جنود حميدتي إلى اليمن، وبهذا تكون هذه صفقة فعلية في إطار مرتزقة وعصابات حرب وليس في إطار دعم دولة وجيشها. وبالنتيجة فإن محاولات البشير لاستجداء الأموال من السعودية والإمارات لن تسهم في إخراجه من الازمة الاقتصادية التي أوقع فيها البلد بفساده وحروبه. فالسيولة من النقد الأجنبي لدى بنك السودان حسب تقارير صحفية أصبحت لا تكفي لأكثر من شهر واحد من الاستيراد للمواد الأساسية للبلاد. لذلك فإن النظام الان يعلم أنه أيل للسقوط ولا مخرج لديه وحلفاؤه واصدقاؤه الاقليميون والدوليون لن يتمكنوا من إنقاذه، ولهذا فإن أجهزة الإنعاش بدأت في التوقف عن هذا النظام وقريبا سيصبح جثه هامدة. وآخر أجهزة تنفس النظام هي بيد الشعب السوداني الذي يدفع الضرائب ورسوم الخدمات، لذلك تنفيذ العصيان المدني بشكل ناجح يعني خنق النظام تماما حتى الموت ونقله إلى مقبرة الزمن. وهذا هو الدور الهام لنجاح العصيان المدني القادم الذي سيكون حاسما في وضع نهاية هذا النظام.