كان أول من استعمل مصطلح العصيان المدني وأشار إلى إيجابية انتشاره هو الكاتب الأفروأمريكي “فردريك دوغلاس” في مقاله الشهير ” اني ممتنع عن المشاركة” وقد كتب مقاله الشهير هذا عقب امتناعه عن دفع ضرائب الحرب احتجاجاً على العبودية والقمع والاضطهاد ضد الافارقة والسكان الأصليين. وكذلك لجأ “كارل ماركس” لكتابة العديد من المقالات لإقناع الأوربيين بعدم دفع الضرائب خلال الثورة التي اجتاحت أوروبا عام 1848.
وايضاً احتجاجات مايو عام 1968 في فرنسا كانت الاشهر في القرن العشرين عندما سادت الإضرابات العامة والاعتصامات في الشركات والمصانع والجامعات في أنحاء الجمهورية الفرنسية بدفع من الطلبة والعمال. وذلك ما يجعل مصطلح “العصيان” ليس بجديد فهو أسلوب احتجاجي لجأ إليه الناس منذ عقود لمواجهة السلطة المحلية أو الأجنبية في بلادهم بهدف تغيير القوانين التي يجمعون على أنها ظالمة وإيقاف الممارسات الاستعمارية الخارجية أو الديكتاتورية المحلية بإنهائها وإيجاد سلطات بديلة لها. و هنا في افريقيا تأخرت صياغة هذا المفهوم ولكن فكرة مقاومة قانون جائر أو غير عادل بالعصيان الجزئي كانت موجودة منذ ايام الاستعمار وقد استخدم هذا الأسلوب السلمي في حركات مقاومة سلمية عديدة موثقة في كينيا علي يد “جومو كينياتا” وفي مالي عندما قاموا عمال السكة الحديد لمقاطعة الوزارة الاستعمارية الفرنسية، وفي جنوب أفريقيا في مقاومة الفصل العنصري، وكانت إحدى أكبر تطبيقات العصيان المدني وأوسعها نطاقا في لجوء المصريين إليه ضد الاحتلال البريطاني في ثورة 1919.
واليوم في القرن 21 “العصيان المدني” يستخدم في المسائل التي تهم قطاع واسع من الشعب ك المطالبة “بزيادة الأجور وبتحسين الأوضاع الداخلية، أو بدعم السلع الحياة اليومية، أو إطلاق سراح عدد من المعتقلين لأسباب سياسية ويكون ذلك من خلال مخاطبة العصيان حس العدالة والعدل لدى غالبية المجتمع ويصرح وفقا لرأي وتفكير ناضج بأن مبادئ التعاون الاجتماعي ليكون عمل هادف ومنظم غير عشوائي حيث لابد أن يتضمن مجموعة من المطالب المحددة ويفضل أن تكون مكتوبة ويمكن أن تنشر هذه المطالب في وسائل التواصل الاجتماعي “المكتوبة و المسموعة” لان تلك الطريقة هي اليوم التي تثبت مهارة القائمين علي العصيان في استثمار جهازهم الإعلامي “البديل” لمواجهة التعتيم ومن اجل الضغط على النظام الحاكم. ومع مرور الوقت يتجاوز ذلك ليصبح طريقه لتحفيز المواطنين على التمرد والعصيان. وكلما صمد تمرد الجماهير كلما ازداد عدد المنضمين للعصيان. وعادة ما يكون دور العصيان المدني هو إشعال فتيل التظاهرات، وكلما زاد القمع وبدأ التحرش بالمشاركين، كلما كان ذلك مؤشراً على نجاح العصيان. ولذلك ينبغي للحركات الاحتجاجية أن تعي لهذة النقطة جيداً.
ويجب ان يتسم “العصيان العام” الي السلمية لان في بعض الأوقات بتكون موازين القوى بين المجتمع المقهور وسلطة الاستبداد غير متكائفة من حيث امتلاك وسائل العنف والرد علي هذا العنف. وذلك ما يدفع بعض الحركات الاحتجاجية الي اعتماد اسلايب “نضال” سلمية تعبر عن حالة الرفض والاحتجاج ضد جميع اساليب السلطة التعسفية الوحشية بأساليب لاعنفية ضد سلطات الاستبداد والديكتاتورية والعصيان المدني اتخذته الكثير من الحركات الاحتجاجية كمثال لنجاح توصيل رسالة ما في بعض بلدان العالم.
وفي بعض الأوقات و الحالات التاريخية بتكون ثمرات “العصيان المدني” العملية محدودة ويتعذر أن يعم العصيان بين أوساط الجماهير جميعا ولكن كلما اتسع نطاق “العصيان” كلما كان تاثيره أكبر وأشمل، ولعل من ضمان نجاح عوامل هذا النجاح النسبي هو انطلاق مبادرات شعبية باتجاه الإضراب وبناء شبكات تضامن تكفل الحد من العواقب المحتملة للإضراب العام، ويجب ان تكون هناك كوادر شبابية تحفظ علي العصيان واظهار فوائده للعامة لأن ذلك ينتج المزيد من التضامن الاجتماعي ومن التعاون والتواصل بين الجماهير. واهم شئ المبادرات الوظيفية “بين كوادر وقيادات الحركات الاحتجاجية من خلال التعود على معالجة وحل المشكلات التي يتعرض اليها المجتمع خلال ايام سريان الاعتصام دون انتظار أوامر أو توجيهات عليا من أي كان.
العصيان المدني أو الإضراب الْعَام ليس بديلا عن الاحتجاجات التظاهرية فهو نفسه اداة ضغط احتجاجية مفيدة ومؤثرة لشل الأنظمة القمعية واليوم السودان أمامنا كمثال. ولذلك يجب ان نرفع القبعة للشعب السوداني ونتوجه بالتحية والتقدير علي ارادته القوية وصموده في إنجاح العصيان المدني لحد هذه اللحظة التي اكتب فيها هذا المقال. وانا اتمني ان ينجح هذا الاحتجاج حتي يتم انقاذ السودان المختطف على يد طغمة “يونيو” الفاشية وديكتاتورها المخبول المستمر منذ اكثر من 27 عام في التنكيل بالشعب السوداني وتحطيم إرادته ونهب ثرواته وتبديدها حسب مزاج عصابته الفاشية الذين قاموا بنسف الهوية السودانية الواحدة وأسسوا لعدة هويات بمسميات مختلفة قاسمة لاجامعة ومهددة لوحدة السودان. غير ان تم إعادة إنتاج التخلف الاقتصادي في السودان من ديون خارجية بلغت المليارات وحروب أهلية ادت الي انعدام الاستقرار السياسي والاجتماعي واهدار لحقوق المرأة و الأقليات وعجز صناعي وغذائي والكثير من الكوارث التي تسبب بها هذا النظام الديكتاتوري وهذا ما يجعل ان الخلاص من البشير والكيزان لا ينتظر إلا تفعيل حالة الرفض إلى مستوى العصيان المدني وتطويره إلى”انتفاضة شعبية” لذا علي المعارضة السودانية في الداخل والخارج تنظيمات وأفراد مستقلين ادعوهم نحو التكتل تحت سقف وطني واحد يجمع كل قوي المعارضة السودانية بجميع اطايفها السياسية والفكرية المختلفة على أرضية الثوابت الوطنية الواضحة التي لا تقبل المساومة على مبدأ تغيير هذا النظام الفاشي وإقامة البديل الذي ذكره الدكتور “تاج السر عثمان بابو” في احد مقالاته الذي كان يشير بان لابد من توجيه الدولة السودانية في اتجاه التنمية وترسيخ الديمقراطية بمضمونها السياسي والاقتصادي والثقافي، وتحقق المساواة الفعلية بين المرأة والرجل، واصلاح التعليم العام والعالي، والنهضة الثقافية التي تقوم علي احترام التنوع الثقافي واللغوي والديني في البلاد، وبناء الصناعة الوطنية، وتحقيق الاصلاح الزراعي الذي يضمن تأهيل المشاريع الزراعية التي انهارت وتوفير الغذاء والاسهاك في بناء النهضة الزراعية الصناعية في البلاد، والحل الشامل والعادل الديمقراطي لقضايا مناطق: “دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، والشرق، والمتأثرين بالسدود” واعادة توحيد الدولة السودانية علي أسس وديمقراطية.