بسمة محمد المرسي :باحثة ماجستير
معهد البحوث والدراسات الأفريقية / جامعة القاهرة
يعد المفكر السنغالي الشيخ أنت جوب Cheikh Anta Diop أحد أهم المفكرين الأفارقة الذين أرسوا حقل الدراسات الإفريقية بالعديد من المعارف والأفكار التي مثلت انعكاسا لكثير من المشكلات والتحديات التي واجهت القارة الإفريقية في مرحلة ما بعد الاستقلال، وتأتي فكرة الفرعونية على رأس تلك المنظومة الفكرية التي ساهم بها الشيخ أنت جوب في هذا الإطار والتي تحمل في طياتها فرصة كبيرة في إطار عملية تعزيز العلاقات العربية الإفريقية لاسيما في ظل المدركات السلبية المتبادلة بين كلا الطرفين ، وفى هذا الإطار يمكن لمصر أن تلعب الدور المساعد في عملية الدفع قدما إيذاء التقارب بينهما. ومن هذا المنطلق تسعى هذه الورقة إلى إلقاء الضوء علي أهم الأفكار التي جاد بها هذا المفكر في حقل الدراسات الإفريقية مستعينة بالمحاور التالية:
أولا: النشأة والسياق الحضاري للشيخ أنت ﭽوب
تلعب النشأة والخبرات الشخصية دورا كبيرا فى رسم وتشكيل الإطار الفكري لأى مفكر، ومن ثم فقبل التعرف على أفكار الشيخ أنت ﭽوب ، كان لازاما البدء بالتعرف على البيئة التى نشأ فيها والتى ساهمت فى تشكيل وبلورة أرائه وتصوراته، وسيتم تناول ذلك على النحو التالي:-
أ- النشأة والخبرات الشخصية للشيخ أنت ﭽوب
لم تأت أفكار ومدركات الشيخ أنت ﭽوب من فراغ، بل أنها كانت وليدة بيئة معينة تمثلت في: نشأته في السنغال التي كانت ملتقى ثقافيًا وسياسيًا وتجاريًا لمختلف الدول الإفريقية الناطقة بالفرنسية، فكانت محفزا لبنائه الثقافي. فضلا عن مولده في ديوربل والتي جعلته يدرك التحدي الذى واجه عصره (العنصرية وعدم المساواة)، حيث لم يمنح لساكنيها حق المواطنة والتصويت والجنسية الفرنسية، ومن ثم تمت معاملتهم كرعية وليسوا مواطنين. ليس ذلك فى حسب، فقد كانت مدينة ديوربل معقل الطريقة المريدية الأكثر استقلالا عن غيرها من الطرق الأخرى فى غرب إفريقيا.
الأمر الذي كان له أثر في سياقه الثقافي والحضاري والحركي أيضًا . فقد كان موطن قدميه أو مولده حافزا وملهما وباعثا لاهتمامه بالتاريخ وعلم الإنسانيات والعلوم الاجتماعية لاسيما كل ما يتعلق بإفريقيا.
وقد كان لانتمائه إلى أسرة أرستقراطية دوره فى قدرته على السفر للدراسة في فرنسا، فأصبح موسوعي المعرفة، كذلك أثر في سياقه الثقافي والحضاري. وقد أفرزت هذه البيئة العديد من القضايا والتساؤلات في فكره _لاسيما عند سفره للدراسة في باريس، في الوقت الذي زاد فيه عدد الطلبة الأفارقة وبدأت الصحوة السياسية ودارت المناقشات الثقافية الواسعة حول عدة قضايا أهمها حقوق البروليتاريا، حقوق المستعمرات، وجود الحضارات القديمة، رفض سياسة الاستيعاب التي تقضي على الحضارة الزنجية(Nagel Rob ,”CheikhAnta Diop, 1923….1986)”,in Black Book Bulletin (Chicago: Institute of Positive Education, vol.14 ,no.4 ,1974), pp.115-119).
وقد جعلت هذه البيئة الشيخ أنت ﭽوب يختلف عن غيره من المفكرين مثل سينجور ولامين جى، حيث كان سينجور أكثر تعاطفا مع فرنسا رغم تقارب السياق البيئي بينه وبين الشيخ أنت ﭽوب، وقد يكمن السبب في ذلك إلى التحاق سينجور بجامعة السوربون التي تعرف بأنها جامعة تقليدية محافظة، بينما كان لامين ﭽى أكثر اعتدالا وتعاطفا مع فرنسا من سينجور والشيخ أنت ﭽوب لدرجة أنه طالب بسياسة الاستيعاب وقد يعزى ذلك إلى مولده في سان لويس فرنسيا، ولم يحرم من حق المواطنة مثل سينجور (مدينة جوال الساحلية) و الشيخ أنت ﭽوب (مدينة ديوربل)(James G. Spady, “The Changing Perception of C.A. Diop and His Work: The Preminence of a Scientific Spirit.” in Ivan Sertima (ed.), op. cit., pp. 89-101.)
ب- السياق الحضاري للشيخ أنت جوب
يعد شيخ أنت جوب أحد رواد تيار الزنوجة الذي تصدى لإشكالية أساسية تتمثل في مواجهة ثقافة الاستيعاب الفرنسية ورفض كل أشكال التمييز ضد السود لاسيما التمييز الحضاري والثقافي. كما ينتمي إلى أكثر من سياق حضاري وثقافي، سواء سياق حضاري إسلامي وكذلك سياق حضارى أوروبي غربي، أو حتى سياق حضاري وطني ثوري. وكان لانتماء الشيخ أنت ﭽوب إلى السياق الحضاري الغربي والإسلامي والوطني الثوري أثره في إيمانه بعدد من المنطلقات الفكرية منها أنه لا استقلال سياسي دون استقلال حضاري وثقافي. من ثم لم يكن الشيخ أنت ﭽوب بهذا الإطار الفكري والسياسي ليلقى ترحيبا كثيرا من القوى العربية أو الإفريقية اليمينية، وإن كان ذلك لم يفقده الاحترام والتقدير على المستوى العالمي بسبب جهده الفكري الخاص ونشاطه الثقافي والسياسي الذى لم يكن من الممكن مقاومته، ورغم ذلك فقد نال شهرة عالمية واسعة حتى تُوفي في داكار فى 7 فبراير 1986.
ثانيا: أهم أفكار شيخ أنت ﭽوب
مثلت النظرة الدونية للحضارة الإفريقية المحرك والحافز الذي دفع الشيخ أنت ﭽوب للبحث في التاريخ الإفريقي، لإثبات أن الحضارة الإفريقية لا تقل عظمة عن الحضارة الأوروبية. وقد انعكس ذلك في مشروعه الفكري الذي يدور حول نظريتين أساسيتين، أولهما نظرية المهدين Two Cradle Theory، والتي حاول من خلالها إثبات أن المهد الأول للبشرية كان في إفريقيا في منطقة كينيا وحول المنطقة التي تضم إثيوبيا وتنزانيا وتنتشر على طول الطريق إلى جنوب إفريقيا؛ وثانيهما نظرية الفرعونية Pharaonism أو نظرية الأصل الواحد للبشرية monogenetic theory ، والتي تعني مرجعية للقارة أو شكلاً للهوية الإفريقية، وحاول من خلالها إثبات أن الحضارة المصرية القديمة هي حضارة زنجية سوداء، وسيتم تناول ذلك على النحو التالي:-
أ- الفرعونية
حاول الشيخ أنت جوب إثبات أن التاريخ الإفريقي لا يقل عظمة عن التاريخ الأوروبي من أجل التصدي لكافة أشكال التمييز الحضاري ضد السود، لذا كرس حياته في سبيل مشروعه الفكري المتمثل في البحث عن مرجعية تاريخية حضارية لإفريقيا، وقد وجد ضالته في حضارة مصر الفرعونية التي أثبت أنها كانت حضارة زنجية مستندًا إلى العديد من الحجج والأدلة، والتي تنوعت ما بين الأدلة اللغوية والأنثروبولوجية والتاريخية وغيرها لإثبات أن المصريين القدماء كانوا زنوجًا أو أشباه زنوج، وقد عرض هذه الفكرة بوضوح وبشكل مركز في مجلد تاريخ إفريقيا العام في الجزء الثاني تحت عنوان (أصل المصريين)، وقام بمناقشة مسألة أصل المصريين القدماء.
ب- الوحدة الإفريقية
لم يكن انت جوب بالبعيد عن قضية الوحدة الافريقية، بل جعلها هدفا أسمى وكانت تأكيدا على مفهوم الهوية الإفريقية . وتكشف كتابات أنت ﭽوب أنه بحث في تاريخ إفريقيا لأجل غاية وهدف أسمى وهو الوحدة الأفريقية.
فرغم أن مؤلفات أنت ﭽوب يغلب عليها الطابع التاريخي والاجتماعي و ما يتصل بعلم نشاط الشعوب، فقد ظهر دافعه للوحدة الإفريقية من خلال مؤلفاته، حيث أوضح أن فكرة المربين والشعوب السوداء من أصل واحد مشترك، أي ينتمون إلى أصل مشترك، وكذا ظهرت فكرة الوحدة الثقافية في المجتمع الذي ترجع السلطة فيه إلى الأم وكذا ذكرى الإمبراطوريات السودانية الكبرى.
ثالثا: أهم مؤلفات الشيخ أنت جوب
قدم الشيخ أنت جوب العديد من المؤلفات التى عكست موسعيته المعرفية بمعنى إلمامه بالعديد من المعارف والعلوم ويمكن تناول بعض منها وذلك على النحو التالى:
1- Cheikh anta Diop,E.P.Modum (trans.), Towards the African Renaissance: Essays in Culture and Development 1946 – 1960 (London: The Estate of Cheikh Anta Diop and Karnak House, 1996).
يتكون هذا الكتاب من 152 صفحة في 11 فصلاً كتبها أنت ﭽوب عندما كان طالبًا في باريس. يعرض الفصلان الأولان: العلاقات اللغوية بين اللغات الإفريقية باستخدام التشبيهات المعجمية والدلالية وإيضاح التشابه بين اللغات الإفريقية لاسيما الولوف والمصرية القديمة. ويتساءل في الفصل الثالث “متى يمكننا الحديث عن النهضة؟”حيث يذكر أنه عندما نتحدث عن النهضة الإفريقية، ينصرف الأمر فقط إلى ما يتعلق بالموسيقى والنحت والعمارة، ولكن تبقى اللغة هي المفتاح لتحقيق هذا الهدف الكبير للقارة. واسترسل موضحا، أن تطور اللغات الأصلية هو شرط أساسي للنهضة الإفريقية الحقيقية.
ثم واصل حديثه عن الآثار الضارة الناجمة عن استخدام اللغات الأجنبية في وسائل الإعلام والتعليم في المدارس الإفريقية، وأكد أن اللغات الأجنبية أجبرت الإفريقي على بذل مجهود مضاعف لاستيعاب معنى الكلمة وهذا جهد فكري بخلاف المجهود الفكري الآخر المتمثل في فهم الواقع والسيطرة على معطياته. ومن ثم ضرورة تطوير اللغات الإفريقية، وتعزيز وتعليم الناس سياسيًا. كما نادى بإجراء بحوث تهدف إلى إقامة علاقات بين اللغات الإفريقية ودراسة بعض قواعد اللغة التي حتى الآن يتجاهلها الكثيرون. في الفصول الثلاثة الأخيرة يكرر الحاجة الماسة للوعي اللغوي والسياسي والاقتصادي الإفريقي وتنمية ثقافة عميقة الجذور للتاريخ الإفريقي.
2- Chikh Anta Diop, L’Unitéculturelle de l’Afrique noire: Domaines du patriarcatet du matriarcatdansl’Antiquitéclassique(Paris: PrésenceAfricaine, 1ière edition, 1959).
3- Cheikh Anta Diop, Black Africa: The domains of patriarchy and matriarchy in classical antiquity (London: karnak house, June 1989).
تدور فكرة هذا الكتاب حول إثبات أسبقية الحضارة الإفريقية وأنها أصل الحضارة الأوروبية وأن مصر القديمة كانت مجتمعًا أسود، وهنا ركز الكتاب على ذات البنية الاجتماعية في مصر وإفريقيا باعتبارها أحد الأدلة الاجتماعية التي تثبت الأصل الزنجي لحضارة مصر الفرعونية. وقد قسم الكتاب إلى سبعة فصول، فجاء الفصل الأول بعنوان الأسس التاريخية للنظام الأمومي، ثم الفصل الثانى والذي يحمل نقدًا للنظرية الكلاسيكية للأمومية العالمية، وفي الفصل الثالث يتناول تاريخ الأبوية والأمومية، كما تناول الفصل الرابع، نماذج للنظم الأمومية والأبوية في العالم، وبعد ذلك في الفصل الخامس، مقارنة بين الثقافة الأمومية والشمالية، وفي الفصلين السادس والسابع مقارنة بين إفريقيا السوداء وأوروبا.
وقد حوى الكتاب آراء مختلفة لأنت ﭽوب عمن سبقه من مؤلفين في هذه الموضوعات، حيث يهتم أنت ﭽوب بإفريقيا كلها وبالأخص إفريقيا القديمة في العصور الوسطى، ويرتكز بحثه على مصر الفرعونية والسودان أكثر مما يرتكز على إمبراطوريتى غانا ومالي. ونتيجة لذلك فإنه لم يسبق مقارناته بين المجتمع الأوروبي الحديث بل أخذها من آشور واليونان القديمة والإمبراطورية الرومانية والقبائل الجرمانية التي غزت أوروبا وحتى من الهند الآرية.
وكان العنوان الملحوظ لهذا الكتاب هو “الوحدة الثقافية لإفريقيا السوداء: مناطق سيادة النمط الأبوى وسيادة النمط الأمومى في العصور الكلاسيكية القديمة”. والفكرة الأساسية والرئيسية لكتاب الشيخ أنت ﭽوب هي أنه يوجد نموذجان أحدهما نابع من إفريقيا والآخر ينتمي للعالم الأوروبي، وأن تكوين هذين النموذجين مختلف ومتباين في كثير من النقاط. ويبتدئ هذا الخلاف من الفرق الأساسي بين سيطرة الأم الإفريقية وسيطرة الأب الأوروبي، ويلخص الشيخ أنت ﭽوب في خاتمة كتابه هذا كل صفات المجتمعين ويقوم بتعريفهما عن طريق ما بهما من متناقضات وخلافات.
وقد مثل هذا الكتاب رد الشيخ أنت ﭽوب عما ساقه أنصار الأصل القوقازي للمصريين القدماء مثل سليجمان وباشوفهن، فضلاً عن أنها قدمت كيف قام الشيخ أنت ﭽوب بهدم ونقض الأسطورة الحامية، وتم الاعتماد على هذا الكتاب في فهم الأدلة الدينية والاجتماعية التي ساقها أنت ﭽوب.
4- Cheikh Anta Diop,Les FondementsEconomiquesCulturels d’un Etat Federal d’ Afrique Noire (Paris: Presence Africaine, 1974).
يؤكد انت جوب في هذا الكتاب أن إفريقيا كانت ولا تزال رغم الفترة الاستعمارية مركزًا حضاريًا وليست طرفًا من الأطراف، وأن الثورة الإفريقية لا يمكن تحقيقها إلا بإعادة بناء التاريخ الإفريقي الذي يبدأ من مصر الفرعونية وبذلك يمكن التغلب على ما يسمى التخلف والتحدي التقني، وهذا ما كان دافعًا له للبحث في الأصل الزنجي لحضارة مصر الفرعونية. كما ربط التخلف بالاستعمار الثقافي وسيطرة اللغات الأجنبية على الأفارقة، ولأن الإنسان الحقيقي لا يتحقق وجوده إلا في الجامعة الوطنية، فإن الأفارقة لن يتحقق وجودهم إلا بالفيدرالية. جاء هذا الكتاب في معقل الرد على أطروحات سينجور المتمثلة في الزنوجة وأن مستقبل إفريقيا مرهون بالتوحد مع الفرنكفونية، واليى ربطها أنت ﭽوب بالسيطرة الاستعمارية الاقتصادية. وتكمن أهمية هذا الكتاب فى تركيزه على الأسباب التي دفعت أنت ﭽوب للبحث في أصل المصريين القدماء، فضلاً عن كشفه عن الإطار الفكري والحضاري الذي ينتمي إليه الشيخ أنت ﭽوب.
5- Cheikh Anta Diop, Nations Nègreset Culture: De L’AntiquitéNègreEgyptienne aux Problems Culturels de l’Afrique Noir (Paris: PrésenceAfricaine, 1967).
6- Cheikh Anta Diop, Mercer Cook (trans.), “The African Origin of Civilizatian: Myth or Reality? (New York: Lawrence hill 7 & company publisher Inc., 1974).
يهدف أنت ﭽوب من خلال هذا الكتاب إلى أن يبرهن أن الحضارة المصرية القديمة كانت حضارة زنجية وأن سكان مصر القديمة كانوا من السود، ومن ثم تدين الإنسانية جمعاء إلى الجنس الزنجي الأسود بأقدم حضارة من حضاراتها. وكان لهذا الكتاب أكبر الأصداء والدوي في الأوساط الإفريقية.
ويؤيد أنت ﭽوب فكرته بالبرهان الملموس في هذا الكتاب من خلال طرح مجموعة من الموضوعات تقترب من 253 صفحة مليئة بالاستشهادات والمراجع. أراد أن يظهر بمظهر المتعمق في دراسته، فاستقى حججه من جميع مناصي التاريخ وعلم أصول السلالات البشرية ومن مقارنة اللغات وذلك في سياق الدفاع عن نظريته اليى تتعارض تعارضًا مباشرًا مع علماء الآثار المصرية.
رابعا: الدور السياسي للشيخ أنت جوب
لم يكن الشيخ أنت ﭽوب عالما مرتبطا بالبحوث المختبرية فقط، بل كان طالبا و ناشطا سياسيا في النهوض بقضيته. وأعرب عن اقتناعه بأن مفهوم التاريخ يمكن أن يكون أحد أسباب الوحدة والاستمرارية في القارة الإفريقية. وكان من أشد المؤمنين بفكرة القارة الإفريقية الاتحادية في المستقبل والقوية بما يكيى للدفاع عن تراثها وتعزيز قضية الإنسانية.
فقد كان الشيخ أنت ﭽوب أول باحث في عموم إفريقيا متابعة لنهج العلماء وصاحب العمل والنشاط السياسي الهادف إلى النهوض بقضية وجود قوى سياسية جديدة وقوية لتجاوز حالة عدم الاستقرار والتفكك وعدم وجود الفخر الحقيقي والإيمان والشعور بالمصير الجماعي في إفريقيا الحديثة وكان الشيخ أنت ﭽوب منذ دراسته في باريس متعطشًا للسياسة وناشطًا سياسيًا ومهتمًا بحركة التحرير الإفريقية من الاستعمار والإمبريالية.
ولم يكن اهتمامه ببحث الأصول التاريخية لإفريقيا من خلال التعليم والدراسة فقط ولكن امتد ذلك إلى الممارسة والحركة، من ثم أصبح ضمن الحركات الطلابية الإفريقية المطالبة باستقلال المستعمرات الفرنسية والكفاح ضد العنصرية وتحقيق الوحدة الإفريقية وأدرك أن ذلك لن يتأتى إلا من خلال إعادة النظر في مكانة إفريقيا المشوهة. خلال الفترة من 1951 إلى 1953 كان الأمين العام للتجمع الديمقراطي الإفريقي Le RassemblementDémocratique African (RDA) والذي كان يترأسه رئيس ساحل العاج الأسبق ” فيلكس هوفيه بونيه”، وكتب العديد من المقالات السياسية في مجلة صوت إفريقيا التابعة لـ (RDA).
كما ساعد على تأسيس الكونجرس الأول للطلاب الأفارقة في باريس 1951 Pan – African Student Congress أو الاتحاد الطلابى لغرب إفريقياWest African Students Union (WASU). وقد قاد نضالا شديدا من أجل خلاص إفريقيا من مخالب وأنياب الاغتراب الثقافي وإعادة إفريقيا إلى مكانها الصحيح الذي كانت عليه في عصور ما قبل الاستعمار.
وبعد رجوعه إلى السنغال في عام 1960م، انتقل في تفكيره إلى مرحلة الممارسة والحركة، وكان يرغب في خوض الحياة السياسية من خلال حزب جديد أنشئ في 15 سبتمبر 1961 برئاسة سمبا ﭽوب، وأسند إلى الشيخ أنت ﭽوب منصب السكرتير العام لحزب الجبهة الوطنية السنغالية (F.N.S)، ويحظى الحزب بمساعدة أحد كبار علماء الطائفة المريدية وهو الشيخ أمادومبك قريب الصلة من الشيخ أنت ﭽوب.
وهذا ما أقلق سينجور؛ فأخذ يفاوض زعيم المريدية لمحاربة تأثير حزبF.N.S، وقد أسفرت المفاوضات بين قادة الحزب والرئيس سينجور عام 1963 عن تصفية الحزب. ورغم ذلك رفض معظم قادة الحزب الانضمام إلى الحزب الحاكم وأرادوا البقاء في صفوف المعارضة، فكونوا حزبا سياسيا جديدا باسم التجمع الوطنى الديمقراطى الذي يعد المرحلة الثانية من F.N.S، واحتفظ الشيخ أنت ﭽوب بمنصب السكرتير العام. وقد بدأ هذا التنظيم يصدر جريدة اسماها تاخاو أى “قفوا”، التي يهاجم فيها الحكومة، ولم ُيعترف بهذا الحزب رغم أنه قدم طلبا بذلك منذ 1976.
وقد دار صراع خفي بين الشيخ أنت ﭽوب وسينجور، وذلك نظرا لمكانة الرجلين في المجتمع السنغالى، حيث يعد الشيخ أنت ﭽوب شخصية ثقافية لها ثقلها في البلاد، ويجد تجاوبا كبيرا لأفكاره لاسيما بين العامليين في المدن والشباب المثقف، كما يجد تعاطفا من جانب تلاميذه، هذا بالإضافة إلى علاقته الخاصة ببعض زعماء الطريقة المريدية، وهذا الوضع يجعله شخصية جماهيرية ولقب برجل العلمL´Homme De Scienceيمكن أن تزاحم في شعبيتها، ولو بقدر شخصية الرئيس سينجور. وقد بدأ الصراع بين سينجور والشيخ أنت ﭽوب عندما قدم الشيخ أنت ﭽوب طلبا إلى المحكمة العليا للاعتراف بحزبه Le Rassemblement National Démocratique فى 3 فبراير 1976.
خاتمة:
إزاء ما تقدم يمكن القول أن الشيخ أنت جوب جمع بين الفكر والممارسة ولم يكن عالما مكتبيا منفصلا عن واقعه السياسي والاجتماعي وإنما تفاعل مع قضايا مجتمعه وقضايا القارة الإفريقية بشكل عام محاولا الإضافة والتغيير كنوع من التراكم المعرفي ومحاولة أيضا تقديم تشخيصا مختلفا لقضايا ومشكلات القارة بغية الوصول إلى صيغة مناسبة لتخطى تلك المشكلات .
1- نازلى معوض، الإشتراكية الديمقراطية فى السنغال (القاهرة: الهيئة العامة المصرية للكتاب، 1979).
2- الشيخ أنتا ديوب ، حليم طوسون ( ترجمة)، الأصول الزنجية للحضارة المصرية( القاهرة: دار العالم الثالث، 2005).
3- إيريكا سيمون، د/ محمد عاشور مهدي (ترجمة)، “الزنوج والمشكلات الثقافية لإفريقيا المعاصرة “، في آفاق إفريقية (القاهرة: الهيئة العامة للاستعلامات، السنة الأولي، العدد الثالث، خريف 2000).
4- Cheikh anta Diop,E.P.Modum (trans.), Towards the African Renaissance: Essays in Culture and Development 1946 – 1960 (London: The Estate of Cheikh Anta Diop and Karnak House, 1996).
5- Cheikh Anta Diop, Mercer Cook (trans.), “The African Origin of Civilizatian: Myth or Reality? (New York: Lawrence hill 7 & company publisher Inc., 1974).
6- Cheikh M’Backé diop, Cheikh Anta Diop: L’Homme et l’Oeuvre (Paris: Présence Africaine, 2003).