د. فيصل عوض حسن
عددٌ من وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، تناولوا الزيارة المُفاجئة للمُرتزق حِمِيْدْتِي إلى إريتريا، وذَكَرَت صحيفة الانتباهة في 2 نوفمبر 2019، أنَّ الزيارة لحسم (قضايا مُهِمَّة) بملف السلام بالسُّودان، وتهدئة الشرق السُّوداني الذي انفجر مرتين في نزاعٍ قَبَلِيٍ (محدود)، وقابلٍ للتطوُّر ودخول الأوضاع لمراحلٍ (حَرِجَة)، مما حَتَّمَ (مُشَاوَرَة) أفورقي حول (استقرار) الشرق، ودعم/حماية (التفاوُض) الجاري بجوبا. مُشيرةً لدعوات المُرتزق حِمِيْدْتِي المُتعلِّقة بتحقيق السلام بكل السُّودان، واهتمامه بشرق السُّودان خصوصاً، لارتباطه بـ(أمن) البحر الأحمر، حسب تعبير الصحيفة!
أهمَّ (الثوابت) التي يجب تأكيدها، أنَّ المُرتزق حِمِيْدْتِي غير مُؤهَّل البتة، لا أخلاقياً ولا مِهَنيَّاً ولا سياسياً للمكانة التي هو فيها الآن، والأثواب التي يَتَلَبَّسها سواء الرُّتبةِ العسكريَّة الرفيعة التي تَقَلَّدها في غفلةٍ من الزمان، أو موقعه في ما يُسمَّى مجلس سيادة، أو فرض نفسه كراعي للسلام. فحِمِيْدْتِي صنعه المُتأسلمون مع (مقاطيعه) كمليشيات/عصابات قَبَلِيَّة/جَهَوِيَّة مُكوَّنة من عُدَّة بلاد، تُحارب/تُقاتل لأجل المال مما أجبر بعض الدول الأفريقيَّة لطردهم، ويُشكِّل الأطفال دون عمر الـ18 نسبةً كبيرةً من قُوَّتهم الميدانِيَّة، وهذا يجعلهم من المجموعات التي تُجَنِّد الأطفال، وفقاً لتصنيفات/قوانين الأُمم المُتَّحدة. وحِمِيْدْتِي يعلم تماماً أنَّه لا يملك مُقوِّمات جندي، ناهيك الرُتبة العسكريَّة الرَّفِيعة التي مَنَحها المُتأسلمون، وإنَّما بَلَغَ هذه المَكَانة مُقابل جرائمه البَشَعة بدارفور والمنطقتين، وفي عُمق المُدُن السُّودانِيَّة بما فيها العاصمة، على نحو مَجْزَرتهم البشعةً أمام قيادة الجيش، الذي تَلَقَّى ضربات مُتلاحقة من حِمِيْدْتِي و(مقاطيعه)، وجميعنا عايشنا جَلْدَ الجنجويد لـ(عميدٍ) في الجيش بالكرباج، وتَرْكَه بالملابس الدَّاخِلِيَّة أمام جنوده، دون أي (مُسَاءَلَة) ناهيك مُحاسبة وعقاب! بجانب المقولة المُوثَّقة لحِمِيْدْتِي: “البلد دي بَلْفَهَا عِنْدَنا.. نِحْنَ أسياد الرَّبِطْ والحَلْ، مافي وَدْ مَرَا بِفِكْ لِسَاْنُو فُوْقْنَا.. نِحْنَ ما قَاعدين فِي الضُلْ، نِحْنْ فَازْعِيْن الحَرَّاْيَة، زُوْلْ مَا بَكَاتِلْ مَا عِنْدو رَأْي.. أَيِّ وَاحِد يِعْمِل مَجْمَجَة، ياها دِي النَّقْعَة، والذَّخيرة تَوَرِّي وِشَّها، نِحْنَ الحكومة، ويوم الحكومة تَسَوِّي ليها (جيش) بَعَدْ دَّاك تَكَلِّمْنَا..!”. هذه المُعطيات والوقائع (المُوثَّقة)، تنفي (سُودَانِيَّة) المُرتزق حِمِيْدْتِي من أساسه، ناهيك وجوده في أعلى مَراتِب الدولة وتمثيلها في أخطر الملفَّات وهو السلام المفقود، لوجود الجنجويد وزعيمهم المُرتزق!
بالنسبة لشرقنا الحبيب، وما جرى فيه من صراعاتٍ ونزاعات، فقد غَرَسَها المُتأسلمون بتوطين وتجنيس مئات الآلاف من الأجانب، ومنحِهِم مزايا تفضيليَّة خصماً على أهل الشرق (الأصليين)، وحينما اشتدَّ الحِرَاكُ الشعبي منذ ديسمبر 2018، سَارَع المُرتزق حِمِيْدْتِي لتعجيل تفجير الصراع في شرق السُّودان، مُتِّبعاً خطواته المعلومة بتدريب الأجانب المُجَنَّسين/المُوَطَّنين، وتحريضهم/شَحنهم ضد بقيَّة مُكوَّنات الشعب (الأصيلة)، وإخضاعهم جميعاً لسيطرة عائلته بشكلٍ تام، ليبيعوا بعضهم بالرأس كـ(الخِرَاف) للارتزاق خارجياً، ويستخدموا المُتبقِّي لتفتيت السُّودان ونهبه. ومن ذلك، ما حَدَث بولايتي القضارف وكسلا، حيث ابتهج وكلاء نُظَّار بعض القبائل/الإثنيَّات بانضمام شبابهم للجنجويد، رغم انتهاكهم لدماء/أعراض السُّودانيين في الأطراف وبعُمق المُدُن/المناطق السُّودانِيَّة، وكتبتُ وقتها مقالتي (الغَفْلَةُ السُّودانيَّة) بتاريخ 26 مايو 2019، مُنبِّهاً أفراد/عُقَلاء تلك الإثنيات لأكاذيب/فِتَن نُظَّارهم العُنصُريَّة والجَهَوِيَّة، وللخراب/الدمار الذي سيطالهم، ونصحتهم بإدانة هذه الخطوة والتَبَرُّؤِ منها، باعتبار الجنجويد أعداءٌ للسُّودان الذي يَدَّعون (انتماؤُهم إليه). كما حَذَّرتَ أُولئك النُظَّار/العُمَد من المُلاحقات والمُحاكمات (الجِنائِيَّة)، لتحريضهم على الانضمام للجنجويد، وتشجيع العُنصريَّة والصراعات القَبَلِيَّة، ودَعَوتُ القانونيين لإعداد شَكاوي (دوليَّة وإقليميَّة ومحلِّيَّة)، لمُحاكمة قادة الجنجويد والمُتعاونين معهم، سواء كانوا مسئولين أو نُظَّار/عُمَد أو حتَّى مُواطنين.
عقب ذلك، قامَ المُجرِمَيْنِ البُرهان وحِمِيْدْتِي بزيارات خاطفة لإريتريا، بمُبرِّراتٍ مُعلَنة (هايفة)، كحماية الحدود المُشتركة والحد من التهريب وتجارة البشر، وهي جرائمٌ رَسَّخها المُتأسلمون ومليشياتهم (التنظيميَّة والجنجويديَّة)، بينما الأهداف (الخِفِيَّة) لتلك الزيارات هو تأمين (تدريب) شباب تلك الإثنيات داخل إريتريا، عقب افتضاح أمرهم وانتباه الشعب السُّوداني لذلك الغدر. وبعدها بأيَّام اندلعت صِدَامات بورتسودان الدَمَوِيَّة، التي صاحبتها كثيرٌ من الأحداث والمظاهر المُريبة، ومن أبرزها تَخَاذُل الحاكمين عن حسم الصراع، واختفاء المُرتزق حِمِيْدْتِي طيلة أيَّام الأحداث، ثم انتشار نبأ زيارته (غير المُبرَّرة) للإمارات، وفق التيَّار يوم 5 أغسطس 2019، ومُسَارَعَة مليشياته لـ(نفيها)، ثُمَّ الإفتتاح (المُفاجئ/غير المُبَرَّر) للمُلحَقِيَّة العسكريَّة الإماراتيَّة بالخرطوم، في تكرارٍ خبيثٍ لفكرة الحزام الأمني بـ(عَدَنْ)، ومُرافَقَة إماراتيين وأحد الزُعماء الدينيين لأفورقي، خلال زيارته لقاعدة (ساوا)، وعدم حضور الإريتريين والإماراتيين توقيع الوثيقة الدستوريَّة، والإعلان (المُفاجئ) عن إلغاء عقد تأجير الميناء بواسطة شخصيَّة عامَّة من داخل قصر الرئاسة، عبر مقطع فيديو لا يُمثِّل الجهات الرسميَّة، وقبل اندلاع أحداث بورتسودان بيومين، ثُمَّ خبر الانتباهة (المُوالِية للمُتأسلمين)، يوم 26 أغسطس 2019، عن الأسلحة الواردة من (دولة مُجاورة)، ثُمَّ انتشار (مقاطيع) المُرتزق حِمِيْدْتِي في بورتسودان، بِحِجَّة فرض هيبة الدولة وتحقيق الاستقرار، بينما هدفهم الحقيقي السيطرة على المدينة، لتسليم الميناء للإمارات عقب استماتة أهلنا الشرفاء في الدفاع عنها، ثُمَّ تسليم الطَّامعين الخارجيين مُقدَّراتنا بالشرق واحداً تِلْو الآخر.
مُحصِّلةُ القول، أنَّ (أفاعي) الإمارات وإريتريا يستخدمون المُرتزق حِمِيْدْتِي لتلبية أطماعهم في الشرق السُّوداني، وهذه الزيارة (الخاطفة) وما أُشيعَ عنها، فضلاً عن التحرُّكات المُريبة لبعض الإثنيات ببورتسودان، تُنبئُ أنَّ هناك ما يُحاك ضد شرقنا الحبيب، وسينتقلون بعدها لبقيَّة السُّودان، وحِمِيْدْتِي هو حصان طُروادة الذي يستخدمه (الأفاعي) ضدنا، وسيُنفِّذ أوامرهم/ورغباتهم دون سقوفٍ أخلاقِيَّةٍ/إنسانِيَّةٍ أو قانونِيَّة، وليتنا نَسْمُوا بأنفسنا ونترك (التَهافُت) المرحلي/الإلهائي على المناصب، وننتبه لِمَا يُحاكُ لنا ولبلادنا، وليعلم الغافلين/الفَرحين بـ(الفِتَاتِ) الجنجويدي، بأنَّ حِمِيْدْتِي سينقلب على الجميع بإشارة من سادته الإماراتيين، فهو (خائنٌ) بالميلاد وله استعدادٌ فطريٌ للغدر، حتَّى أهله وأفراد مليشياته لم يسلموا من غدره ومُتاجرته. ومسئوليَّة مُواجهة هؤلاء الغُزاة (تَضامُنِيَّة)، منوطٌ بها جميع السُّودانيين، بمُختلف أطيافهم/مناطقهم، وليس فقط أهلنا البجا، وبدلاً من التَنَاحُرِ والتحشيد القَبَلِي/الجَهَوِي ضد بعضنا البعض، علينا الاتِّحاد والوقوف بِقُوَّة مع أهلنا بالشرق، لتحجيم وحسم هذا المُرتزق ومليشياته وسادتهم الطَّامعين بالخارج، بذات الطريقة التي أجبرنا بها البشير (على الاختفاء)، وابن عوف على التَنَحِّي، ونحن كشعبٍ قادرين على تكرار التجربة وإنجاحها، لو ابتعدنا عن الانتهازيين والخَونة الذين سرقوا أعظم الثورات المُعاصرة، وباعوا تضحياتنا العظيمة بأبخسِ الأثمان.
الفرصة ما تزال مُواتية، وأُكرر دعوتي بصفةٍ خاصَّة، لـ(صغار) الضُبَّاط والجنود بالجيش والشرطة، بأنَّ القضية تَعدَّت الولاءات الحزبيَّة والطائفيَّة/العشائريَّة، وأصبحت قضية (وطن) يتلاشى بمن فيه، وبدلاً عن (الفُرجَة) على إجرام المُتأسلمين والجَنْجَوِيد، انحازوا إلينا واعملوا معنا لإنقاذ ما تَبَقَّى من البلاد والعِباد، بمن فيهم أُسركم وأهاليكم قبل فوات الأوان.