محمــد أبكــر
في مساحة تنويرية تثقيفية جادة تفردها تلك الصحيفة المناهضة للتيار الجارف كما هو مسماها..
وضجت حديقة الصحيفة بمنسوبيها.. والمهتمين ﻷمر (الصحافة).. والمعجبين بإحالاتها الوجودية..ﻷن موضوع السجال والحوار مهماً جداً بكل المقاييس والجوانب لها وعليهم..
وقد كنتُ من ضمن المدعوين، غير أنني من أصحاب الموضوع والسياق.. في ذالكم الخميس..
وبعد أن أخذ كُلٍ مكاناً من شأنه تسهيل عمليات التفاهم، والإفهام وإدراك الموضوع.. قيد التداول والنقاش، فضلاً عن التفاعل وتبادل الرأي والرأي الآخر ..
وجاء فرصة النائب البرلماني – المشهور بــ(سياسي بلا تاريخ) للتحدث…فقال مستهلاً – بعد إستبعد نفسه وحزبه عن دائرة الجهات الحكومية التي تسن وتصادق القوانين عن غصب أهلها وإغتصاب حرية رأي أصحابها – إن مشروع القانون الجديد للصحافة; الكل لا يعلم من الذي صاغه ووضعه وبغية ماذا..؟
بيد أنه إستدرك – في برهةٍ – قائلاً ” إلا أنه قد جاءت صياغته من جهة أمنية غير معروفة، وقد طُرح في وضع حساس وظروف أكثر حساسيةً; أي أنه جاء من رحم جهة أمنية همها الإنتخابات القادمة”..!
وتابع ” وإن الهدف من هذا القانون هو تهجيم وتضييق وإزلال الرأي الآخر وحرية الصحافة”.. وهذا سياق نضعهُ جانباً…!
إن رأي ذلك النائب البرلماني من سياق التحدث الحُر والتخاطب المناهض لكل شئ أو قرار عن إكراهٍ وتعسفيةٍ وإقصاءٍ لهو مقبول نوعياً، إلا أن الأمر – وهذا هو مركزية نقاشنا هاهنا- يتعلق بمدى ملامسة حديثه لمصداقيةٍ و(موضوعية) التحاور، وتجرد خطابه عن التحزب العقائدي، وتعليقاته – المتكررة – السياسية المحسوبة سلفاً لإي سياقٍ يُراد بها..
أنه من حيث المنطلق المنهجي والفكري; الكل يعلم أنهُ إسلاموياً ذا خطابات وحدوية تعربية ومقولات تأسلموية و(مؤتمرجية) ضاربة في العصبية والمحسوبية والإنتماء الإثني والثقافي والديني الصاخب،فضلاً عما في الخفاء أعظم من تلكم الحركة الدينية..
ولما يأتي الحديث في موضع الإعتراف بالحرية الكاملة للكل في كافة المناحي وجميع الصُعد، فأن الجميع يعلم بذلك; علم اليقين الخالص ويدافع عنه الكل ويحميه و – ربما أحياناً – يضحي ﻷجله..
ولكن كل القضية تتعلق بمدى حيادية (التكالم الصادق) عن الغث والتخاطب الموضوعي عن الكلام المزيف والخطاب المؤدلج..
فهو يقول هكذا..، إلا أنه نائباً برلمانياً معروفاً عن وجه نوعية التحزب، وسياق التفكر، ووجهة التخاطب ورصيف الإعتقاد أيضاً..!
وﻷن الشعب السوداني واعياً جداً طيلة الثلاث عقود – بوطأة المعانأة المستمرة، وشدة البؤس الدائم – بالتخاظب النفاقي الممهور بالكذب والكلام المفروغ المغلف بالرياء والنفاق السياسي والمحسوبية من قِبل الحكومات المتعاقبة على سدة السلطة وبورصة الثروة..
وهذا فضلاً عن الشعارات المضللة والكاذبة التي تُصاغ وتُكتب وتُرفع عنان السماء.. ولذلك لا يستدعي حديث (سياسي بلا تاريخ) أخذ العُجب والدهشة والذهول أو ينحى مناحي التصديق والتصفيق والإمتنان الجزيل..!
فأفواه (الحركة الإسلاموية) الناطقة معروفة – طيلة فترة الإغصاب والإغتصاب للإرادة الشعب وحرياته بالكلية- بثقافتها (العالية) في فنون الكذب المستور عما يُقال ويحدث، وبراعتها(…) في التهميش والإقصاء والتحارب بلا وجه منطقٍ أو حقٍ مكفول بالوجود..، والأمر الذي لا يضاهيه شيئاً سوى إجادتها آليات وأنماط ثقافة التزييف والكلام غير المصدوق والتخاطب (العنفي)، والتحدث غير المنطقي والدهاء قيد التسلط والإقصاء الموّقع بالزناد وإنشاء ساحات الوغى وخلق مساحات البغي والموت الظلوم!!
فحديث النائب البرلماني لا يزيد شيئاً سوى مساحة آخرى لمارسة (الحديث المغلف بالتضليل والمستور عن أعين مدى ملامسة الحقيقة)..!
فهو نائباً برلمانياً; من شأنه معرفة كل ما تسنه، وتصيغه وتصادق عليه الحكومة، وتنفذ إحالات وجوده الفعلي..، ولذلك يأتي حديثه خالياً عن القُبول، ومعرفته بالجهة التي سنت (مشروع القانون الجديد للصحافة)، هذا غير أنه معروف بمنصبه الحساس والمهم جداً سواء كان في حزبه أو على مقعده الحكومي..
فلذا يا (…)لا تعتقد أن (الجميع)أغبياءً وحمقى لا يفقهون شيئاً غير التصديق بكلام هذا السياسي الذي لا يتمتع بتاريخٍ قط، أو ذاك الإقتصادي الذي يقول مالا يعرف ويتحدث فما لا يفقه، أو ذلك أو تلك قيد مجالاتهما..!
وهكذا تظل أحاديث كل منسوبي – بإستثناء قلة قليلة جداً هي شاذة في حدِّ ذاتها- (الحركة الدينية الوهابية الإخوانية) مجرد ممارسات آخرى في تجويد فنون التضليل والتزييف والكذب المغلف بجمال إنتقاء المفردات والرموز..
وكل هذا.. بالإضافة إلي أنها – الأحاديث- تبقى لا غير عمليات التدريب المجاني في إجادة التخاطب الترويجي، والتحدث عن ممارسة ثقافة الفبركة الخطابية وتفعيل سبل وآليات نشرها والتفاعل معها والعمل إلي سيادتها فوق الجميع..!
ثم أنه في سياق السجال الساخن والتحاور القائم قيد الهجير حيال (القانون الجديد للصحافة); فالقضية محورية وعادلة وإستحقاقية; فــ”النظام” قد لا يحتاج إلي سنَّ قوانين للصحافة بين فينة وآخرى، بغية تهجيم أقلامها، وتضييق حريتها ومحاصرة منسوبيها، ومحاسرة إنتاجيتها وسبل إزدهارها المستقبلي..!
وذلك ﻷنه -النظام- لحظياً يمارس كل أوجه الإنحصار والقمع والمصادرة عليها وعليهم على وجه الواقع والواقعية والتواقع واقعاً..
فالقانون القديم للصحافة 2009 – بالإضافة للقوانين الآخرى عنها أو غيرها- لهو لا يختلف عن سابقه أو لاحقه في نصوصه بغية تجفيف الأقلام الناثرة، وتكميم الأفواه الكاتبة، علاوةً على تضمينه شتى انواع آليات القمع والإنحسار والمصادرة والتضييق..
وهكذا فحديث (سياسي بلا تاريخ) لا يضيف أو يقلل شيئاً في سياق قبول ومصادقة أو مناهضة القانون الجديد للصحافة..غير أنه مارس ويمارس – بشكلٍ أو بآخر- هوايته المفضلة في إجادة فنون (التضليل السياسي)،والفبركة الخاطبية قيد أُطر السياسة الحزبية..
وهذا فضلاً عن معرفة مدى رغبة أهل شأن المجال في مناهضة القانون وسبل تنفيده، وأهم أضلاع التنهيض وقوى التصعيد اللاحق…ليعكس كل ذلك (هناك); في قبة البرلمان، وإجتماعات القطط السمان عما يجب فعله وتفعليه والإفعال به أو ضده..!
وبالتالي فالــ(سياسي بلا تاريخ) يريد مقاربة قوانين الصعيد (الصحافي) الذي لا يفقهه، بل يعلم عنه، والمجال الذي يضرب جذوره في سحيق التاريخ..!!.
داخل-السياق
أنه ﻷمرٍ مستفز حقاً..؟
١٩/٧/٢٠١٨