ان إشكالية الممارسة السياسية في البلاد تكمن في عدم وجود إرتباط ما بين السياسة والأخلاق والقيٌم الإنسانية، وهي من موبقات السياسة السودانية، وتمثل معضلة حقيقة في الشأن السوداني؛ حيث ان السياسة والأخلاق بدلا من ان يكونان نظيرين أصبحا نقيضين حتى أضحى العمل السياسي فعلا لا أخلاقيا، وهذه في حد ذاتها تمثل جريمة في حق السياسة والبلاد معا، ولا يمكن ان يكون هنالك وعي وتقدم ورقي سياسي؛ بل حتى إستقرار سياسي في البلاد في ظل التقوقع والإنغلاق على الذات وإرتباط السياسة بالمنفعة والمصلحة الذاتية او الحزبية، وإنعدم الاخلاق والممارسة السياسية الراشدة، وأعتقد ان مثل هذه الظواهر تحتاج الى حلول جذرية لا سيما في ظل إستشراء الأمراض السياسية والممارسة التى لا تتقيد في الالتزام باي من الضوابط والقيٌم الأخلاقية، وما تشهده البلاد من أزمة سياسية طاحنه هو أبلغ شاهد على إنحدار القيم والتدني الأخلاقي في الممارسة السياسية، حتى عند أولئك الذين يرفعون شعارات الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة؛ فإن التجربة والممارسة السياسية أثبتت انهم في الحقيقة أبعد ما يكون من هذه الشعارات، فحب الذات والانا لا يقودنا سوى إلى التطرف والتعصب السياسي الذي بدوره يؤدي إلى خلق المزيد من الصراعات، وهنا لا بد من الوقوف والتفكير عميقا حول عملية إصلاح الممارسة السياسية وتجسير الهوة بين ما هو كائن وما ينبغي ان يكون لرب الصدع بين السياسي والأخلاقي حتى نتمكن من إنقاذ ما يمكن إنقاذه والوصول الى ممارسة سياسية راشدة تصب في مصلحة البلاد والعباد.
ان التاريخ السياسي السوداني مُثقل بالصراعات بين المجموعات السياسية صعودا وهبوطا وفي الغالب حسب طبيعة المنفعة والمصالح الحزبية والشخصية الضيقة، وما تشهده الساحة السياسية السودانية اليوم من صراع بين المكونات السياسية والمجتمعية هو الأعمق والأعنف في تاريخ بلادنا السياسي، ولا يمكن لبلادنا ان تستقر وتزدهر في ظل هذا الصراع العقيم الذي ليس له اي مبرر أو مسوغ موضوعي غير انه صراع يدور حول سيادة المصلحة ومحاولة تحقيقها بأية وسيلة بغض النظر عن مدى أخلاقيتها؛ باعتبار ان الغاية تبرر الوسيلة، وهى لا تفضي إلى حل؛ بل تقودنا نحو المزيد من الخراب السياسي ودمار البلاد. ان واقعنا السياسي بكل ارتهاناته إنحرفت فيه الممارسة السياسية بشكل يدعو للتأسف في الواقع والفكر الإنساني والممارسة السياسية، وفي المقال القادم سنحاول سبر أغوار أبعاد تلك الإشكالية وإلقاء الضوء بشكل أكثر عمقا خاصة لدى الكيانات السياسية والافراد.
نواصل ..
*محمد عبدالله ابراهيم*
6 اكتوبر 2022م.