الخرطوم : صوت الهامش :حسين سعد
نناقش في هذه الحلقة المواقف التفاوضية للاطراف في المحادثات التي احتضنتها العاصمة الاثيوبية اديس ابابا في اغسطس الماضي بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية شمال في مسار المنطقتيين وحركتي العدل والمساواة وحركة تحرير السودان (مناوي) في مسار دارفور، ونقف ايضاً علي تباعد المواقف في الملفات التفاوضية الخاصة بوقف العدائيات والعمل الانساني، كما نتابع تدخلات الوساطة الافريقية برئاسة ثامبو امبيكي ومجهوداته لانقاذ الجولة من الانهيار،وذلك من خلال تمديدها للمفاوضات في في اليوم الاول، وتمديدها مرة ثانية لجهة الوصول لاتفاق يفتح الباب امام التفاوض في الملفات الاخرى لكن هذه الخطوة أصطدمت بحائط سميك لم تفلح معه نصائح امبيكي الذي سرد تاريخ بلاده ونضالها في مواجهة نظام الابارتيد لاسيما عند انسداد افق الحل،وفي منتصف ليل الاحد الموافق 14 اغسطس 2016م اعلن امبيكي تعليق المفاوضات لاجل غير مسمي، نستعرض عبر المقال ايضا ومن خلال مساحة مقدرة أزمة الثقة بين الاطراف،ولفهم ذلك نعيد بعض الاتفاقيات السابقة التي أبرمتها الحكومة،ومن خلال التحليل نتابع تطورات الموقف الاقليمي والعالمي للازمة السودانية، ونجاوب علي سؤال لماذا تراجع الاهتمام العالمي. كما نقوم بقراء هادئة لزيارة المبعوث الامريكي دونالد بوث في الاسبوع الأخير من الشهر الماضي،ونفكك مدلولات تلك الزيارة الي الخرطوم والنيل الازرق، وترجح مقابلة بوث للفعاليات الشعبية ورجال الادارة الاهلية والنازحين بأنه لم يحصر نشاطه في جولة المفاوضات القادمة، وتقارب الشقة، بل نستطيع ان نقول انه وصل درجة من التفاؤل جعلته يبحث في النيل الأزرق خطوات ما بعد وقف العدائيات من متطلبات السلام إذ بحث خلال وجوده في الدمازين الإجراءات المطلوبة لإكمال تنفيذ المشورة الشعبية التي بدأت إجراءاتها في الولاية قبل خمس سنوات ثم توقفت قبيل تجدد الحرب، وللوقوف علي هذه القضية ندفع بتعريف يجاوب علي ماهية الحكم الذاتي وماهي مرجعية هذه التجربة واين طبقت.معلوم ان المشورة الشعبية هي اساس للحل السياسي، لذلك نرى ان ما كشف عنه بوث دون اي يدفع بأي تفاصيل او ملامح اكثر لخطوته نري انه (حل) يدعم موقف الحركة الشعبية شمال ويحرج الحكومة وهذا الاتجاه عبارة عن فتح الباب من جديد للحديث عن الحكم الذاتي ومن خلال بحث مطول في العلوم السياسية لم نجد له حدود واضحة، وتمنح الفيدرالية الحكم الذاتي بشكل أكثر من المطاالبة به لكنه -أي- الحكم الذاتي يحتاج الي تصميم لاخراجه، عليه نرى ان هذه الوضعية تعالج المشكلة بدرجة عالية من الغموض تساوي مصطلح الحكم الذاتي نفسه لذلك نري انه مجرد تسوية لازمة متطاولة لن تعالج أساس المشكلة ونستطيع ان نقول بأن الحل هو تحقيق برنامج تنموي متكامل وراسخ ودائم مصحوب بتمويل ودعم خارجي لكن هذا الاتجاه تواجهه أزمة ثقة حال استجابة المجتمع الدولي وتبرعه لانفاذ ذلك البرنامج التنموي والشاهد هو ان تجربة مؤتمر اوسلو في العام 2005م مازالت ماثلة حيث لم يلتزم المجتمع الدولي بالايفاء بإلتزماته، ايضا هناك ازمة ثقة شاملة بين الاطراف والمجتمع الدولي مازالت تلقي بظلالها اما الضلع الاخر وهو المجتمع الاقليمي ودوره في حل الازمة السودانية فإننا نؤكد بأنه لن يستطيع ان يقدم شي وذلك بسبب أوضاعه وتحدياته الداخلية التي يواجهها لذلك بات الخيار المتاح هو التسوية السياسية قصيرة المدي التي تطرحها أمريكا وأوروبا. ومايؤكد صحة رؤيتنا هذه ما قالته الزميلة اليوم التالي أمس ان دونالد بوث جاء في زيارته الي الخرطوم التي أنهاها الخميس الماضي برسالة من حكومة بلاده خاصة بمطالبة الحكومة بتقديم تنازلات لتسهيل المفاوضات المقبلة.
تباعد المواقف:
نشرنا في الحلقة الماضية خارطة الطريق التي تم التوقيع عليها بين الاطراف الاربعة وهي (الحركة الشعبية شمال وحركتي العدل والمساواة وحركة تحرير السودان،وحزب الامة القومي) كما استعرضنا ايضاً ومن خلال خارطة الطريق الإجراءات والخطوات التي يجب إتباعها للوصول الى معالجة الأزمة السياسية في السودان سلميا عبر الحوار، وتشمل تلك الخطوات الوصول الي اتفاق لوقف العدائيات واغاثة المتضررين وعقد اجتماع تحضيري للحوار الشامل وكيفية ادارته وضمان تنفيذ مخرجاته فضلاً عن تكوين حكومة إنتقالية، ولتهيئة المناخ هناك شروط واستحقاقات وهي: اطلاق سراح المعتقليين والاسري والمحكومين في قضايا سياسية واطلاق الحريات العامة والغاء القوانيين المقيدة.
المنطقتيين:
في اول يوم للمفاوضات عقب التوقيع علي خارطة الطريق وفي مسار المنطقتيين ظهرت ازمة حيث قال الوفد الحكومي ان الاتفاقية الاطارية قد تجاوزها الزمن وصارت غير مرجعية بالنسبة لهم لكن الحركة الشعبية وصفت الموقف الحكومي بالتنصل وان الاتفاقية الاطارية تعتبر مرجعية للمفاوضات لافكاك منها سيما وانها اي الاتفاقية الاطارية ظلت الوساطة الافريقية تعمل عليها لمدة ثلاث سنوات، وبعد تدخل الوساطة وإقناعها للوفد الحكومي تم تجاوز تلك العقبة لكن انفجرت قضية اخرى وذلك عندما طرح الوفد الحكومي ترتيبات امنية وخطة زمنية مجدولة لاستيعاب وتسريح الجيش الشعبي، غير ان الحركة الشعبية رفضت ذلك وبررت موقفها بأن (الجند) المطروح في التفاوض خاص بالتوصل لحلول في المسار الانساني،لا الترتيبات الامنية، والتي اعتبرتها بأنها عملية لاحقة يتم التوصل اليها بعد الاتفاق علي وقف للعدائيات يسمح بمعالجة الوضع الإنساني واستمرار العملية السياسية للوصول الي سلام. عندها تراجع الوفد الحكومي عن مناقشة هذه الترتيبات داخل طاولة التفاوض، لكنه دفع بمقترح خاص يسمح له بإعادة توزيع قواته في مناطق الحركة الشعبية وخلف خطوط سيطرتها. هناك قضية خلافية خاصة بفترة وقف العدائيات الحكومة من جهتها تطرح فترة شهر واحد بينما الحركة الشعبية تطرح فترة عام، القضية الاخري التي كانت محل خلاف ايضا هي محطات الاغاثة للنازحيين حيث طرحت الحكومة بان تكون المحطات بالداخل فقط (الابيض-كادوقلي- الدمازين) بينما طرحت الحركة الشعبية ثلاث محطات خارجية الي جانب الداخلية وهي (جوبا-لوكشوكو-اصوصا) وبعد نقاشات داخل غرف التفاوض تنازلت الحركة الشعبية عن محطتي (جوبا-ولوكشوكو) وفضلت اصوصا بينما تمسكت الحكومة بموقفها الاول عندها تنازلت الحركة الشعبية مرة اخرى في موقفها التفاوضي وقدمت مقترح جديد وهو ان تكون الاغاثة القادمة من اصوصا باثيوبيا بنسبة (20) في المائة علي ان تكون نسبة (80) في المائة للاغاثة القادمة من الداخل، هذا المقترح ايضا قوبل بالرفض من الحكومة، وقبل ان تفض الوساطة وتعلق المحادثات الي اجل غير مسمي طلب الوفد الحكومي مهلة لمزيد من التشاور لكن (قاصمة الظهر) جاءت في تعليق الوساطة للمحادثات لاجل غير مسمي، مبرر الحكومة لرفض المحطات الخارجية هو تخوفها من انسياب الغذاء للجيش الشعبي الي جانب تشوينه وجاهرت الحكومة بانها لن تعيد تجربة شريان الشمال التي كانت في السابق بين الحكومة والحركة الشعبية لكن الاخيرة بررت موقفها الي هيمنة الحكومة علي مسارات العمل الانساني وتوزيع الاغاثة مشيرة الي تجربة دارفور وطرد العديد من المنظمات، واستخدام الاغاثة ككرت ضغط سياسي.
دارفور:
قبيل انفضاض الجولة الاخيرة للمحادثات بين الحكومة وحركتي العدل والمساواة وحركة تحرير السودان كانت الحكومة تصرح بأن الخلافات بين الطرفان مقدور عليها واشارت الي تجاوز العديد من الخلافات في محادثات دبرزيت الماضية وحددت الخلافات في وضعية القوات واطلاق سراح الاسري والمحكومين واليات المراقبة للعمل الانساني، وفي الجولة المنهارة من محادثات اديس ابابا طرحت الحركتان تكوين آلية مشتركة تمثل فيها الحركتين والحكومة والمنظمات الدولية ذات الصلة للاشراف على إنسياب المساعدات الانسانية لتسهيل وضمان وصولها، بجانب السماح بعودة المنظمات التي طردتها الحكومة في السابق، وفيما يتعلق بآليات المراقبة وتنفيذ وقف العدائيات، تطرح الحركتان اليوناميد لتقوم بهذا الدور وترفض الحكومة هذا المقترح وتقول ان هذه القضية تمت احالتها الى (جنرالات الاتحاد الافريقي بوصفها قضية فنية) اما فترة وقف العدائيات فالحكومة تطرح فترة شهر واحد بينما تطرح الحركتان فترة ستة أشهر، القضية الخلافية الثالثة كانت هي إطلاق سراح الاسرى والمحكومين في قضايا سياسية وابدت الحركتان قلقهما من تعرض بعض الاسرى للموت بالسجون بسبب الجوع والمرض.ومن القضايا محل الخلاف هي وضعية القوات حيث طالبت الحكومة بالحصول على مواقع قوات الحركتان بالاحداثيات الجغرافية (جي بي اس) بينما ترى الحركتان أن ذلك يعرض قواتها لخطر الغارات الجوية لغياب الثقة بين الطرفين ولعدم إلتزام الحكومة بأي وقف لإطلاق النار في السابق، ولذلك ترفض تحديد مواقعها احداثياً وتقول أن طبيعة قواتها التحرك وتطرح تحديد المناطق التي تتواجد فيها قواتها، القضية الاخرى التي نسفت المحادثات هي تمسك الحكومة باتفاقية الدوحة ووصفها مرجعية نهائية لحل ازمة دارفور بينما تري الحركتان ان وثيقة الدوحة يمكن أخذها في الحسبان عند مخاطبة جذور الأزمة، ولكن لا يعتمد عليه. ما نستطيع قوله وبصوت عالي هو ان الحكومة حبست نفسها في زاوية ضيقة جدا وذلك من خلال تمسكها بوثيقة الدوحة بوصفها المرجعية النهائية بينما ترفض الحركات المسلحة ذلك، وتصف الدوحة بأنها منذ توقيعها لم تحقق السلام والامن والاستقرار وفي ذات الاتجاه مضى احمد بن عبد الله ال محمود نائب رئيس الوزراء ووزير الدولة بالخارجية بقوله ان الدوحة وثيقة اطارية لا تمنع اي اتفاقيات جديدة وان كل ما ورد فيها من إلتزام لقطر تم إنجازه وما لم يتم إنجازه شكلت له إلية لانجازه.
الاتهامات:
وعقب انفضاض الجولة الاخيرة المنهارة من المفاوضات تبادل الاطراف الاتهام وحمل كل طرف الاخر بالتسبب في فشل المفاوضات وإنهيارها ومن خلال مؤتمرات تصريحات صحفية وصف الدكتور امين حسن عمر الحركات بعدم الجدية في الوصول الي سلام بينما وصف كل من مني اركو مناوي وجبريل ابراهيم الحكومة بعدم الرغبة في السلام وانهاء الحرب وفي مسار المنطقتيين صوب مساعد رئيس الجمهورية ورئيس الوفد الحكومي المفاوض انتقادات حادة لموقف الحركة الشعبية التي وصفها بعدم المسوؤلية لكن الامين العام للحركة الشعبية ورئيس وفدها التفاوضي ياسر عرمان كال من جانبه اتهامات عنيفة للحكومة التي وصفها بالمراوغة والتسويف، وبعيد عن اجواء اطراف التفاوض يقول محللون سياسيون ان انهيار المحادثات كان متوقعاً وارجعوا ذلك لطريقة الحزب الحاكم في التعامل مع القضايا المصيرية للدولة منذ (27) عام، فالمؤتمر الوطنى منهجه هو تجزئة القضايا والملفات لجهة البقاء على سُدة الحكم، والإحتفاظ بالسلطة لأطول فترة ممكنة، والشاهد هنا تقسيمه للحركات المسلحة والاحزاب، لكن كما يقول المثل الشعبي (البتسوي كريت في القرض تلقا في جلدا) حيث انقسم المؤتمر الوطني نسفه الي تيارات خرجت بعضها وشكلت تنظيمات سياسية منفصلة عن الأصل، ويعاني في ذات الوقت من صراعات سياسية حادة بالولايات.
تدخل خارجي:
النموذج الواضح لدور الخارج بشأن تقارب الموقف في حل الازمة السودانية منذ الاستقلال وحتي اليوم كان واضحا في اتفاقية اديس ابابا في العام 1972م وذلك عندما حدث خلاف حول وضع الجيش، وبالرغم من اتفاقهما علي جيش واحد لكن الجنوبيين كانوا يريدون تكون الفرقة من الجيش الموجودة في الجنوب بان تكون كلها من الجنوبيين أما رؤية الحكومة فقد طرحت (ربع) القوة من الجنوب والباقي من شمال السودان هذا الخلاف كاد ان (يطرشق) الاتفاقية ولاول مرة تدخل الامبراطورهيلاسلاسي حيث جمع الطرفان واقترح ان تضم الفرقة الاستوائية شمالين وجنوبيين وان يكون عدد جنودها 12 الف بنسبة 50 في المائة من طرف يعني 6 الف من كل طرف علي ان تكون موجودة لفترة انتقالية مدتها 6 سنوات، هذا كان الحل، في تلك الفترة كانت رؤية الدكتور جون قرنق هي جيش منفصل لكن الصوت الاعلي داخل حركة انيانيا حسم القضية بالموافقة ومع مرور الوقت والغاء التفاقية من قبل نميري وعودة الحرب مرة اخري بعد هدنة عشرة اعوام تاكدت صحة رؤية قرنق الذي عاد وأسس الحركة الشعبية والجيش الشعبي، لذلك نري انه ليس غريبا تدخل طرف ثالث لتجسير الهوة بين الاطراف في حال تباعد المواقف.
اتفاقية اديس ابابا:
وفي ورقة له قدمها الاستاذ محمجوب محمد صالح في ندوة (مستقبل السودان الاثار الداخلية والاقليمية للتسوية ) بالقاهرة في العام 2004م نشرها مركز الدراسات السودانية في سلسلة (كتابات سودانية) قال ان الوصول لاتفاقية أديس ابابا في العام 1972م فرضته عوامل داخلية وخارجية حيث، وجدت تلك المحادثات دعما مباشرا من اتحاد الكنائس الافريقي والعالمي ومن الامبراطور هيلا سلاسي وتعاطفاً من دول شرق افريقيا لذلك لم يكن مستغرباً ان تسير المفاوضات بقوة اندفاع داخلية وخارجية وان تنتهي خلال وقت قصير ولكنها تمت دون مشاورات مع القواعد سواء في الشمال اوالجنوب وفوجئ الكثيرون بالاتفاق بعد توقيعه. ظهرت معارضة للاتفاقية منذ توقيعها وسط الجنوبين من جانب بعض القوي السياسية وبعض القوى العسكرية في جيش الحركة اما السياسيون فكانوا يريدون فترة انتقالية واستفتاء يشمل حقهم في الانفصال بينما دشنت الاتفاقية وحدة دائمة العسكريون في الحركة كانوا موقفهم يدعو لانسحاب الجيش القومي من الجنوب وتسليم جيش الانانيا لمهامه هناك اما المعارضة الشمالية فقد كانت تري في الاتفاقية استسلاماً وتمهيدا للانفصال وانها اعطت الجنوب اكثر مما يجب وانها انشت نظاماً ديمقراطياً في الجنوب لم يجد الشمال مثيلا له وانها تتنكر لعروبة السودان وانها استجابة لضغوط استعمارية تستهدف التيار العروبي. من العيوب التي صاحبت مولد الاتفاقية والمشاكل التي برزت اثناء التنفيذ منها ان النظام الدستوري الذي أسسته الاتفاقية كان غير متوزان إنشاء حكماً اقليمياً في الجنوب دون ان يوازيه نظام شبيه في الشمال هذه الوضعية جعلت البعض يفسر الاتفاق بان الجنوبيين لم يعد لهم حق في تواجد نسبي في الحكومة المركزية ما دام قد تسلموا السلطة في اقليمهم لذلك عندما اعلن اول مجلس وزراء بعد الاتفاقية جاء مكونا من (26) وزيراً مركزياً كلهم من الشمال ليس بينهم جنوبي واحد واكتفى رئيس الجمهورية بتعيين وزيري دولة من الجنوب، النقطة الاخري هي ان الاتفاق احدث خللاً دستورياً اذ انشاء في الجنوب نظام ديمقراطي برلماني، البرلمان يملك فيه سلطة انتخاب رئيس الوزراء وسلطة اقالته واقالة اي وزير من وزرائه بينما يقوم في المركز بالخرطوم نظام رئاسي ورئيسه سلطاته مطلقة لاتحدها قيود وكان طبيعيا ان يقود هذا الخلل الي توتر بل ان الحكومة الاقليمية كانت تملك حق الاعتراض لدي رئيس الجمهورية علي مناقشة اي قانون يمس شئون الجنوب في البرلمان المركزي اذا ما رأت ذلك فضلاً عن مواجهة معارضة للاتفاق من جهات نافذة في الشمال والجنوب كما ان احتدام الخلافات القبلية بين الجنوبيين حيث اتخذ مواطنو المديرية الاستوائية موقفاً موحداً ضد السلطة الاقليمية الجنوبية بحجة انها تتشكل في غالبها من قبيلة الدينكا، ورفعوا شعارمحاربة هيمنة الدينكا، وساد صراع محتدم منح المركز فرصة التدخل في الشان الجنوبي كما أحدث عدم استقرار في الحكم فالبرلمان الاول عد الاتفاقية أمضي فترته المقررة، وبحكومة واحدة بينما السنوات الخمس التالية والممتدة من 1978-1982- شهدت اربع حكومات متتالية في الجنوب كما شهدت حل البرلمان المنتخب، وانتخاب برلمان جديد مماخلق شعوراً بعدم الارتياح الي جانب ذلك ادى اكتشاف البترول الي دخول عنصر جديد في المعادلة كما دخلت قضية المياه عبر فهم خاطئي لابعاد مشروع قناة جونقلي الذي فهم علي إنه تحويل لمياه الجنوب الي الشمال ومصر.
الاوضاع العالمية:
يلاحظ في الفترة الاخيرة تراجع الاهتمام العالمي بأزمات السودان مقارنة بالسابق وبالرغم من انفجار الحرب مرة اخري في جنوب كردفان والنيل الازرق في العام 2011م وتوسع فظائعها الي جانب قتل المتظاهريين السلميين بالرصاص الحي في شوارع الخرطوم في العام 2013م وغيرها من الانتهاكات الجسيمة وفي ذات الفترة اصدرت مجلس السلم والامن الافريقي في العام 2014م قراره رقم (546) والقرار رقم (359) في العام 2015م والقرار رقم(2046) في العام 2015م بجانب بيان الاتحاد الاوربي وبيان الترويكا في العام 2015م حيث دعت تلك القرارات والبيانات الي الي انهاء الحروب ومعالجة كوارثها الانسانية، واغاثة المتضررين والغاء القوانيين المقيدة للحريات، الغريب ان هذه السقوفات التفاوضية من قبل المجتمع الدولي لاجبار النظام لتحقيق التغيير المنشود تراجعت بشكل كبير الي الهبوط الناعم ذلك المشروع الذي يهدف الي ترقيع النظام وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية وبالمقابل يحقق المجتمع الدولي مقاصده الخاصة بوقف نزيف الهجرة والاتجار بالبشر، ونري ان الادارة الأمريكية والاتحاد الأوربي، غير مهتمين بالتغيير بالسودان وانما يركز جهدهم في وقف الهجرة غير الشرعية لمئات الآلاف من السودانيين الهاربين من جحيم نظام الخرطوم المتسبب في تدهور الاوضاع بالسودان ويصل المهاجرون غير الشرعيين الي اوروبا علي ظهرمراكب الموت. وشهدت الفترة القليلة الماضية انعقاد مؤتمرات خاصة بالهجرة والاتجار بالبشر فضلا عن دفع المجتمع الدولي مساهامات مالية وفنية لحكومة السودان، وهذه ما اصطلح عليها (بالجزرة) والتي تشمل ايضا رفع السودان من قائمة الارهاب واعفاء الديون، القضية الاخري التي يستخدمها المجتمع الدولي (كعصا) في وجه المعارضة هي دمغها بالضعف وفشلها في اسقاط النظام، وبالنسبة للحكومة فقد انخرطت في تحالفات اقليمية مختلفة منها عاصفة الحسم وابتعادها عن حلف طهران ودخولها في تحالف مع السعودية والامارات ويقول مراقبون ان النظام عندما أطمأن علي وضعيته المريحة بداء يتلاعب ويراوغ في حوار قاعة الصداقة المضروب بجانب المفاوضات، كما النظام لجاء الي اسلوب قديم ظل يستخدمه وهو شق و فرتقة وحدة المعارضة من خلال تمزيقها وتقسيمها للحفاظ على موقعه واعادة انتاجه نفسه وترقيعه للنجاة من رياح التغيير، بالاضافة الي استغلال التحولات الاقليمية والعالمية التي تجري على الأرض والشاهد هنا ومن متابعتنا لزيارة المبعوث الامريكي دونالد بوث للخرطوم ونتوقع ان يعود الاطراف الي المفاوضات عقب عطلة عيد الاضحي المبارك وتوقيع اتفاق خاص بوقف العدائيات في المنطقتيين ودارفور قبل الدخول في المحادثات الخاص بالحل السياسي لكن لتباعد المواقف بين الاطراف نتوقع ان تصل المفاوضات الي طريق مسدود بسبب ما أشرنا له من صعوبات فضلاً عن عدم رغبة الحكومة الاستراتيجية لايقاف الحرب وتحقيق التحول الديمقراطي.
الانتخابات الامريكية:
انخراط الادارة الامريكية بالملف السوداني له علاقة بالانتخابات الامريكية القادمة التي ينتظر ان تبداء من سبتمبر الحالي وحتي نوفمبر المقبل لكننا نقول ان استعجال امريكا بالشان السوداني ومحاولة معالجته قبل انتهاء فترة إدارة أوباما، غير ممكن ولا تستطيع امريكا أن تنجز كل ذلك في الفترة المتبقية لكن هناك مؤشرات تؤكد نجاح امريكا في وصول اطراف التفاوض الي اتفاق لوقف العدائيات والعمل الانساني خلال الجولة المقبلة من المفاوضات التي ينتظر استئنافها عقب عطلة عيد الاضحي المقبل لكننا نري ان هذا الاتفاق حال التوصل اليه ونعني (العدائيات) بحاجة الي مشاركة اطراف عديدة وهذا ما وصفناه في الحلقة الماضي بالغريق قدام.