قرأت مثل غيري عبر الوسائط مسودة ما سمي بمشروع قانون الأمن الداخلي، وقبل الخوض في فصول ومواد ولوائح هذه المسودة المقترحة، لفت انتباهي أمران وجال بخاطري سؤالان، الأول: من سرّب هذه الوثيقة الحكومية والسيادية ذات الحساسية العالية للرأي العام؟ والثاني: أين دور وزارة العدل في اخراج هذا الشأن القانوني والعدلي الصرف في ظل عدم وجود المجلس التشريعي؟، فبعد أن رشحت مسودة هذا المشروع للعلن حُق للمواطن السوداني أن يتساءل ويبدي تخوفه ويُظهر هواجسه المشروعة، وهو الخارج لتوّه من قبضة جهاز أمن باطش بدأ مسيرته بدق مسمار على رأس طبيب وختم سنينه الطوال العجاف بخازوق على جسد المُعلّموالمربي الاستاذ احمد الخير، واذا كان الشق المدني هو من سرّبهذه الوثيقة استعطافاً للشارع كي يقف معه في مواجهة بطش العسكر، بمثل هذا السلوك يكون المدنيون غير مؤهلين لمواصلة المسير في درب حكومة الثورة الممهورة بدماء الشهداء الأبرار، وبما أن الواجب الثوري والشعور الوطني يحتم عليهم الدفاع عن المباديء التي انتفض من اجلها الناس، وأن يقاتلوا دفاعاً عن هذه المكتسبات من داخل المؤسسات الثلاث – السيادي والشركاء والوزراء، ما كان يجب أن يهرعوا للشارع عندما كشّر في وجوههم حملة الأنواط والنياشين العسكرية، في حال صدق هذا الافتراض.
السلطات الممنوحة لهذا الجهاز الأمني الجديد هي ذاتها سلطات جهاز أمن حزب المؤتمر الوطني المحلول، التحري واستدعاء الأشخاص والمراقبة والتفتيش والقبض وضبط وحجز الأموال (المشبوهة) والاعتقال والتحفظ، وبكل انعدام لحياء واضعي المسوّدة ينقل هذا القانون لرجل الأمن الداخلي كل صلاحيات رجل الشرطة – (يمارس اعضاء الجهاز سلطات الشرطة المنصوص عليها في قانون الاجراءات الجنائية وقانون شرطة السودان)، وباجازة هذا القانون تكون يا ابازيد الثورة السودانية الديسمبرية المجيدة ما غزيت، و يكون النظام البائد قد خرج بالباب واتاك متلوناً بلون آخر من النافذة، ومن سخرية الأقدار أن من بين توصيات مؤتمر الحوار الوطني الذي دشنه النظام البائد في سنواته الاخيرة، حصر مهام جهاز الأمن في جمع المعلومات وتحليلها وتبويبها وتقديمها للجهات المختصة، وهذه الجهات ذات الاختصاص هي الداخلية والدفاعوالخارجية والمالية والاقتصاد وغيرها، انظر يا عزيزي القاريء حتّى النظام البائد تيقّن من عدم جدوى الزج بجهاز الأمن في الواجبات الشرطية ذات الاختصاصات المهنية بطبيعة حالها، فكيف للحكومة المحمولة على سواعد الثوار الذين لقّنوا الطغاة اشد الدروس وابلغ العبر أن تعيد سطوة ذات اليد الباطشة؟.
الثورة الديسمبرية المجيدة جاءت لكنس بيروقراطية الحكومة المُسقَطة، وليس لاعادة تدوير نفايات البائدين بخلق اجهزة ومؤسسات موازية تثقل كاهل خزينة الشعب بالتكاليف المادية غير الضرورية، يجب أن توكل مهمة الأمن الداخلي لشعبة خاصة أو قسم محدد من شعب وأقسام جهاز الأمن العام، الذي لا تتجاوز مسؤولياته حدود جمع وتحليل البيانات، وأن تؤهل قوات الشرطة الموحّدة ويمنح الجنود والضباط وضباط الصف المرتبات والحوافز المجزية، فالمطّلع على الباب المتناول للميزانية بمسودة هذا المشروع، يدرك قاع الدرك الأسفل من الترهل الاداري الذي يمكن أن تصلاليه حكومة الانتقال، ولك أن تتصور حجم الانفاق المتوقع على هذه المؤسسة الأمنية الفدرالية الجديدة المنتشرة على طول وعرض ولايات البلاد بمدنها واريافها، وعظم الانفاق على وسائل النقل وايجارات المنازل والمكاتب والمصروفات من مرتبات واجور منسوبيها، لماذا لا يرحم المسؤولون الحكوميون أنين ورجاءات الخزينة العامة؟، ولماذا يصرّون على تحميل المواطن عبء الصرف البذخي لتنفيذ هذه الفكرة المترفة التي انتجها هؤلاء الأفندية البيروقراطيون، وما الحكمة من توظيف هذا العدد الهائل من الجنود والضباط وضباط الصف الذي يساوي عدد منتسبي السلك الشرطي للقيام بنفس الواجبات الشرطية؟.
افق من سباتك العظيم يا رئيس الوزراء وتأبّط كتيب مهام الأمن الداخلي، واستعن بوزيرك الهمام القائم على أمر القانون والعدل، لا تركن للمتربصين القاصدين وأد جنين الثورة الذي مايزال مضغة لم تتخلق، فالتاريخ لن يغفر لك ولا لطاقمك المدني المنتمي لأحزاب الهبوط البشيري الشهير الناعم، فجذوة الثائر متقدة ولن تخمد مهما تواكل المتواكلون أو تكاسل الموكّلون بحمل لواء التغيير، وعلى المدنيين بمجلس السيادة أن لا يمرروا مشروع هذا القانون المُعيد لممارسات حزب الفلول المحلول، أما شركاء الانتقال الجدد القادمين على مركب اتفاق السلام فهم في امتحان وطني مشهود، وبين ظهراني لحظة فارقة من لحظات التاريخ وعلى مفترق الطريق، اما الانتصار لقيم ثورة الشعب السوداني او النكوص، ففي المحكات الحرجة تتمايز النوايا الصادقة عن الرغبات الوقتية والآنية الزائلة، والمعركة الوطنية الحقّة اساسها القتال المضني والعمل الدؤوبالمستمر منذ عقود، من اجل انتزاع الحقوق والحريات العامة والخاصة وحفظ كرامة الانسان، الذي بطشت به الأجهزة الأمنية لحكوماته المتعاقبة، فلم ترتبط عناوين يافطات هذه المؤسسات الأمنية في ذهنية هذا المواطن الكريم الا بالقهر والكبت ومصادرة الحريات وخوازيق ومسامير الموت.
اسماعيل عبدالله
24 ابريل 2021