الفاضل سعيد سنهوري
الاجحاف بحقوق الشعوب ليس من سمات القيادة… وحق تقرير المصير ليس أبن زنا حتى ندفنه كبنات الجاهلية.
شاع عند العرب في الجاهلية بالجزيرة العربية وخصوصا عند قبائل قريش ووجهاء القوم وشيوخ القبائل انهم كانوا يدفنون المواليد الاناث خوفا من ان تحبلن سفاحا، وبالرغم من ان رجال العرب كما افادت الروايات التاريخية كانوا يولون الابناء ذو النسب العربي الخالص، الا انهم كانوا يعشقون مضاجعة ائماهم من الخدم الفارسيات والازيديات والشاميات أكثر من نسائهم العربيات، فكثر الخلاسيين والمهجنيين وللاسف هم نفسهم من اسقطوا كل الممالك العربية والاسلامية التي انشاءها العرب، وهذا الحال يكاد ينطبق علي مسالة مناقشة وضعية اقليم جبال النوبة منذ اتفاقيات وبرتكولات مشاكوس ونيفاشا الي ورش تنزانيا التي نسق لها الامين العام للحركة الشعبية المقال. فمنذ أن تم ركل وقبر حق تقرير المصير الذي اعتمد في مؤتمر كل النوبة في العام ٢٠٠٢ ماذالت الوضعية النهائية لاقليم جبال النوبة في حال تضارب وشد وجزب من قيادة الحركة الشعبية بالرغم من ان الشعب قال كلمته في اكثر من مرة.
مؤخرا اعتمد الحكم الذاتي للمنطقتين من قيادة الحركة الشعبية في ورشة تنزانيا كوضعية نهائية للاقليمين جبال النوبة والنيل الازرق كتوصية من توصيات ورشة دار السلام بتنزانيا، ففي الورشة تلك – دار السلام الاولي- عندما تم مناقشة الوضع النهائي للسودان وأقليم جبال النوبة والنيل الازرق في ورشة تنزانيا الاولي والثانية، خلصت باعتماد الحكم الذاتي هجينا مع الحكم اللامركزي.
وبعد عام واربعة شهور بالتمام والكمال وجد شعب جبال النوبة ان الحكم الذاتي الذي أوصت به ورشتا دار السلام بتنزانيا هو نفسه الموجود علي الارض، ومطبق بشكل امثل بكل المناطق المحررة منذ تكوين الحكومة المدنية وتاسيس المؤسسات وسن وتشريع القوانيين وتشكيل مؤوسسات القضاء، وأن طرح الحكم الذاتي كوضعية نهائية للاقليم عديمة الجدوي ولن تحقق طموحات الشعب.
فطرح حق تقرير المصير كوضع نهائي للاقليم، ولكن سرعان ما تم الغاء ذلك بقرار من المجلس القيادي للحركة الشعبية بواسطة الرئيس مالك عقار في ٣ أبريل ٢٠١٧م، بالرغم من توصية مجلس تحرير أقليم جبال النوبة له في أول جلسة أنعقاد له في ٢٥ مارس ٢٠١٧م، والذي خرجت توصياته بالاجماع، ولسنا هنا للنقاش حول احقية المجلس القيادي في الغاء قرارات مجلس التحرير فذاك واضح كالشمس ويراه حتي الاعور والذي في عينه حول وغشاوة. لكن السؤال الجوهري الذي يطرح الان هو “من أين جاء المجلس ببند حق تقرير المصير لاقليم جبال النوبة/جنوب كردفان وناقشة عبر لجانة واعتمده في البيان الختامي وضمن قراراته”.
جاء أعتماد حق تقرير المصير من ورشة عمل بعنوان “الاجتماع التفاكري حول ميثاق نداء السودان الجديد” الذي عقد بتاريخ ١٥-١٦ مايو ٢٠١٦ بكاودا بجبال النوبة والذي تراسه العميد سليمان جبونة نائب رئيس الحركة الشعبية وحاكم الاقليم بالانابة والرفيق عمار امون الامين العام للحزب والملازم اول رانية علي جبارة عضو المجلس القيادي باقليم جبال النوبة وسكرتاري السكرتاريات بالحكومة المدنية ومحافظي المحافظات واعضاء من مجلس التحرير بجبال النوبة، والمجلس القيادي بالاقليم وامانة الحزب.
اعتمدت الورشة في مرجعياتها والنقاش ووضع الاجندة علي ٢٥ وثيقة مرجعية للحركة الشعبية علي راسها مخرجات اجتماع كل النوبة ٢٠٠٢ بكاودا، واتفاقية السلام الشامل، وبرتكول المنطقتين، ووثيقة تكوين الجبهة الثورية، ووثيقة التحول الديمقراطي، ووثيقة نداء السودان، ووثيقة الفجر الجديد، وعدد من المواثيق والاتفاقيات الدولية الاخري ومواثيق حقوق الانسان. وتم تقسيم المشاركين الي خمس مجموعات ناقشت المجموعة الاولي المبادي والاهداف للسودان الجديد، والدستور، السلطة والثروة، والمفصولين سياسيا. اما المجموعة الثانية فقد ناقشت المؤتمر الدستوري، والانتخابات والعلاقات مع دولة الجنوب والعلاقات الخارجية والسياسات الخارجية، المغتربين والمهاجرين والنازحين واللاجئين، الحروبات، عدم استخدام القوة المفرطة، وتمكين المراة، وتمكين الشباب. اما المجموعة الرابعة فقد ناقشت الابادة الجماعية، وتحقيق الامن والسلام، والمفوضيات، والقوانيين والتشريعات المعمول بها في الاقليم. اما المجموعة الخامسة ناقشت للحلول للمناطق المتاثرة بالحروبات والاقتصاد والتنمية، ومستويات الحكومة الانتقالية. المجموعة السادسة ناقشت التعليم والصحة البيئة والسياسات البديلة، واللغات البديلة.
وبعد نقاش مستفيض لمدة يومين خلصت الورشة التي شارك فيها ٥٦ من القيادات العليا باقليم جبال النوبة بالاضافة الي ممثلي المجتمع المدني، والمنظمات الطوعية، والادارة الاهلية، والشئون الدينية للمسلمين والمسيحيين، وممثل عن الطلاب والجيش. خلصت الورشة الي مجموعة من التوصيات علي النحو الاتى: – دعم وفد التفاوض باعضاء من الميدان من المناطق المحررة ويتم اختيارهم بواسطة مؤسسات الاقليم. الخبراء والمستشارين لوفد التفاوض يجب ان يكونوا اعضاء بالحركة الشعبية من الاقليمين وليس من خارجة.ضرورة تميييز المناطق المتاثرة الحرب تميز ايجابي في اي اتفاق سياسي او عسكري او انساني، اعتمدت الورشة ان تكون الفترة اﻻتقالية لمدة عشرة سنوات للحكومة المدنية. والاخذ باراء شعب الاراضي المحررة في اﻻعتبار. وارجاع المفصولين سياسيا من اعضاء الحركة الشعبية.واعتماد حق تقرير المصير.
اعتمدت الورشة حق تقرير المصير كحق ومطلب اساسي ونظام للحكم والادارة والتشريع، وكانت الرفيق نجلاء عبدالواحد ادم رئيس مجلس التحرير لاقليم جبال النوبة حاضرة في الورشة ومقرره لها، وعرفت الورشة حق تقرير المصير علي النحو الاتي :- حق تقرير المصير self-determination يعني حق تقرير المصير ان لكل شعب تجمعه لغة او ثقافة او دين او اثنية او ارض بحدود معينة ومعروفة دوليا الحق في ان يحددوا علاقة الجماعة او الشعب بالدولة المركزية القائمة ومن ضمن خيارات هذه العلاقة ان يواصلوا الوجود القانوني كاقليم تابع للدولة غض النظر عن طريقة الحكم التي يدار بها سوي كانت حكم ذاتي ام لا، او ان يختاروا الاستقلال عن الدولة المركزية وتأسيس وطن ودولة جديدة. ورفعت الورشة توصياتها للامانة الحزب بالاقليم والحكومة المدنية والجيش وتم التأمين علي التوصيات، ومن ثم تم رفعها الي الي رئيس الحركة الشعبية الفريق مالك عقار ونائب رئيس الحركة الشعبية الفريق عبدالعزيز الحلو والامين العام للحركة الشعبية المقال ياسر عرمان.
الورشة اقرت واعتمدت تقرير المصير كمطلب شرعي لشعب الاقليم، وقيادة الحركة الشعبية علي علم بذلك، فذلك يلغي ما خلصت اليه ورشة تنزانيا الاولي والثانية التي اعتمد فيها الحكم الذاتي لاقليم جبال النوبة. اذا فان قيادة الحركة كانت علي علم تام بما يريد الشعب واعضاء المكتب القيادي كذلك علي علم به، فما السبب والمبرر الذي يجعل المجلس القيادي يلغي قرار مجلس التحرير باعتماد حق تقرير المصير وهو يعلم بان ذلك هو راي وخيار شعب الاقليم؟، ولماذا يوصي الرئيس في ختام اجتماعات المجلس القيادي باقامة ورشة للحكم الذاتي وحق تقرير المصير في حين انه قد تم عقد هذة الورة وشارك فيها الرئيس ونائب الرئيس والامين العام وعلي علم وأطلاع بنتائج وتوصيات التي لم يشاركوا بها؟!.
الممارسة الديمقراطية تعني الايمان بها وأحترام رأي الاغلبية وعدم هضم الحقوق والاعتراف بها والعمل علي تحقيق ارادة وخيارات الشعوب، وليس التنكر لها ومحاولة الالتفاف عليها بقرارات سلطوية عليا.
حسنا فعل مجلس تحرير جبال النوبة حينما تمسك بقراراته والتي الغاها قرار المجلس القيادي للحركة الشعبية الممهور بالفريق مالك عقار رئيس الحركة الشعبية ومن ضمنها حق تقرير المصير، فالذي يقف مع خيارات الشعب هو الفائز ومن يقف ضد أرادة الشعوب هو الخاسر بلاشك وسيحصد ما زرعه عاجلا ام أجلا.