تابعت جماهير الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال في جميع أنحاء السودان والديسابورا بشغف وإهتمام شديد وقلق ، والعديدين بسخط والبعض بمشاعر مختلطة ، مايجري من أحداث في الحركة منذ مدة ليست بالقليلة والتي عندما بدأت تطفو للسطح كانت مثار دهشة للكثيرين ، أنا شخصياً لم أكن أصدق الكثير مما كان يقال وكنت أعتقد أن هذه إشاعات ومؤامرات من أجهزة أمن النظام لتفتيت الحركة ، حتى إني كنت متمسكاً بشدة بهذا الرأي وكنت أجادل فيه بلا هوادة وكنت أعتقد أن من يقولون بهذه الأقاويل هم سذج عقولهم بسيطة ، ولم أكن وحيد اً في هذا الشأن حيث تلمست هذا الرأي لدي العديدين. أما سبب السخط والمشاعر المختلطة وفي كثير من الأحيان الأسى خاصة في المناطق البعيدة عن جبهات القتال في باقي شمال السودان والخارج فسببه تقريباً واضح وليس محتاجاً لكثير جهد في التحليل ، وهو أن الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان – خاصة بعد إنفصال الجنوب – تمثل آخر معقل نضالي قومي مسلح مقبول بالنسبة لمن هم ليسوا منحدرين من مناطق جبهات القتال من التقدميين واللبراليين حيث تعتبر كل الحركات المسلحة الأخرى في الأدبيات السياسية السودانية عبارة عن حركات جهوية عرقية قبلية قضاياها شديدة الخصوصية وإن كانت ترفع لافتات تقول غير ذلك حتى إنهم في أفضل حالاتهم لايمارسون حتى الترميز التضليلي لإيهام غيرهم بصفة القومية. ولهذا فإن الحركة الشعبية تعتبر هي الوريث الشرعي لمشروع د. جون الوحدوي في نظر الأغلبية العظمى حتى في نظر الأعداء الذين لايصدقون حتى الآن أن التيار الجديد جدي.
لهذا فإنه ظاهرياً يبدو أن الرفاق اللذين لاينحدرون من المنطقتين واقعين تحت موقف عصيب ، والمقصود بالذات هنا ولنكن صريحين الرفاق الذين ينحدرون من الوسط النيلي وأقصى شمال السودان والمنتشرين في جميع الأصقاع في الخارج وشمال السودان ومناطق سيطرة الحركة) حيث في الثقافة الشعبية في الوسط لايعتبر الباقين من العرقيات الأخرى شماليين(. كما أن الوضع يبدو ظاهرياً أيضاً قريباً من أزمة الناصر التي وقعت فيها الحركة الشعبية في العام
1991م حيث تمت المفاصلة الدموية بين المنادين بحق تقرير المصير بقيادة د. رياك مشار و د. لام أكول وبين الوحدويين بقيادة د. جون قرنق ، ولم يكن القرار صعباً في ذلك الوقت على جميع الشماليين في الحركة بما فيهم النوبة حيث إن الجميع إنضم بالطبع لجانب د. جون. أما الأمر الآن فإن جوهره مختلف فلا يوجد طرف آخر حقيقي على الأرض ليتم الإنحياز إليه غير فريق تقرير المصير واللذي يبدو حتى الآن أنه قد تمت له السيطرة الساحقة على جميع الأصعدة. ولكن دعونا نتأمل قليلاً لماذا يبدو ظاهرياً بأن في الأمر أزمة لهؤلاء الرفاق وذلك حسب مخيلة الكثير من مثقفي المركز والهامش كذلك ، فأولاً من الضرورة بمكان بأن هؤلاء الرفاق هم وحدويون بطبيعة الحال ، ولكن المشكلة ليست في الوحدوية بل المشكلة في العقلية المأزومة لقطاع كبير من مثقفي المركز المتعاطفين مع نضال الهامش ، حيث أن معظمهم يعرفون الإمكانيات الهائلة للحركة الشعبية من حيث أنها التنظيم الوحيد القادر لأسباب تاريخية معروفة على توحيد نضالات كل هوامش السودان في وعاء واحد وكذلك جذب العناصر التقدمية من المركز الثقافي للسودان القديم وهذا ما تمت له بروفة قوية بالفعل أيام د. جون والذي لم يتمكن من توحيد نضال الهامش فقط بل أنه في أواخر عهده قد تمت له إختراقات كبيرة ومهمة لأول مرة في تاريخ نضال الهامش على المستوى القاعدي للمركز الثقافي الإسلاموعروبي حيث قد وجد طرح د. جون وهو شخصياً تأيداً كثيفاً من الأهالي العاديين وليسو المثقفيين في كل من الجزيرة والنيل الأبيض وشمال كردفان ومناطق البطاحين في شرق النيل وقطاع كبير من سكان الخرطوم من غير قطاع الهامش التقليدي ، وبالطبع فإن هذه الصورة الآن قد تراجعت تراجعاً كبيراً إن لم تكن قد تلاشت تمام اً. فدعونا نعود )والحديث قد يكون مؤلماً هنا( لمثقفي المركز )العقلية المأزومة( وما يدور في مخيلتهم ويدفعه لاوعيهم إلى ترجمته لسياسات وإستراتيجيات وتكتيكات نضالية على أرض الواقع منذ عشرات السنين أثبتت فشلاً زريعاً ، ففي الوقت الذي نجحت فيه الصفوة والطليعة التقدمية للهامش في تثوير معظم قواعدها ودفعها لتقديم تضحيات لايستهان بها حتى بالمقياس العالمي لتضحيات الشعوب إذا جاز التعبير ، نجد أن طليعة المركز التقدمية ظلت خططها وتحركاتها تكتيكياً وإستراتيجي اً على الدوام متسقة مع إعتقاد ضمني لاشعوري بأن التضحيات المباشرة جديرة بمن يقع عليهم الظلم المباشر وهم هنا أهل الهامش بالطبع ، في حين أن هناك سهواً بأن مشروع الخلاص القومي يجب أن يكون متكاملاً وتشمل التضحيات فيه الجميع. رغم أن طليعة المركز قد قدمت مجهودات وتضحيات مقدرة في توعية قواعدها تم إجهاضها على الدوام بشراسة وعمل دؤوب من قوى السودان القديم إلا أنها لم تعمل بجدية لتثوير هذه القواعد على غرار ماحدث في كثير من الشعوب الأخرى والتي لها تجارب يمكن الإستفادة منها وتوطينها هنا في السودان، إذ لماذا لم تعمل هذه الطليعة على سبيل المثال وليس الحصر بعمل راديكالي يقوم على تنظيم جزء من قواعدها ليقوم بعمليات مقاومة حقيقية في الشمال )تفجيرات ، إغتيالات ، أعمال تخريبية ، قطع طرق ، إختطاف. ، .
إلخ(. بغض النظر عن إحتجاج البعض المبدئي على إستخدام مثل هذه الأساليب، أو حتى محاولة فتح جبهات في الشمال في مناطق نائية بمبادرة منهم ولإستعانة بخبرات الهامش ودعمه في هذا المجال )حاول د. جون بجدية من قبل الدفع في هذا الإتجاه – لواء السودان الجديد( ، وبالضرورة أن هذا أمر يبدو شديد الصعوبة للوهلة الأولى ولكن إذا توفرت الإرادة ليس مستحيلا ً ، ففي النهاية هذه حواضنهم الإجتماعية ومن السهل عليهم العمل والتحرك فيها بحرية أكثر من الآخرين ، وفي الحقيقة لو تم إنجاز عشرون في المائة في هذا الإتجاه لكان الأمر قد أحدث فارقاً كبيراً على الأرض ولما تعرض الشماليون أنفسهم لهذا الظلم الشديد نسبياً الذي وقع عليهم بالنسبة للوضع الذي كانو عليه من قبل والذي لايختلف إثنان في مقارنته بالوضع الذي يعيشونه الآن من تردي معيشي وإضطهاد وتراجع ثقافي إلا من جيوب صغيرة من الشباب أسعفتهم ثورة الإنترنت بأكثر مما أسعفهم به عمل توعوي تنظيمي مقصود. ولكن نجد على الدوام في مخيلة هذه الصفوة بأن نضال الهامش سينتهي بأن تركب طليعة منهم على صهوة الدبابات وتقود جحافل الهامش إلى المركز حيث سيتم إستقبالهم بالورود ويتم الإحتفاء بالنصر المظفر اللذي طال إنتظاره واللذي سيكون حاسماَ سيمكنهم من حكم السودان بكل سهولة ، حيث أصبح لهم الآن جيوش شديدة البأس لاتقهر من أهل الهامش ، ستمكنهم من فرض مشاريعهم السياسية والإجتماعية بكل أريحية ودون عناء. لانريد أن نقول أن هذا خيال لايمكن أن يتحقق ، فقد تحقق بالفعل في نواحي أخرى من العالم والتجارب معروفة للجميع ، ولكن من الوضوح بمكان أن شروطه لم تتوفر بعد في السودان .. إذاً لماذا لايمكن )ولايجب( أن يحدث ذلك ، وقد يعجب البعض من لماذا قلت )لايجب( ، أولا ً: لايمكن لأن الحاضنة الإجتماعية للمركز لازالت قصية بعيدة المنال في وعيها وظلت كل محاولات توعيتها كتكسر الموج في الشاطئ على الصخور لا الموج يسأم ولا الصخور تتكسر، وذلك إما لقصور في نوع العمل وليس الكم من جميع الأطراف ، لأنك مهما تجرعت من كثير دواء إذا لم يكن صحيحاً فإنك لن تشفى ، أو لأن الظروف التاريخية والإجتماعية لم تكتمل بعد ، والأمر عندنا سيان لأن مايهمنا الآن هو النتيجة ، ثاني اً: لايجب أن يحدث ذلك لأنه في جميع الأحوال لن يتم الإستقبال بالورود كما يتخيلون ، بل لن يعدو الأمر في جوهره أن يكون قهر لحاضنة إجتماعية غير جاهزة للتغير بعد لها تكتيكات مجربة في الإحتواء وإعادة الإنتاج حتى عن طريق صفوتها التقدمية نفسها! وحتى إذا أخلصت هذه الصفوة النية أو كانت محصنة ضد التعاطي الثقافي اللاشعوري فغالباً ستنتهي التجربة بإحتواء هذه الصفوة مع الزمن وإعادة الوضع على ماهو عليه مع قليل من التحسينات.
ولهذا فإن القرارات الأخيرة وملحقاتها والتي أصبحت شهيرة بقرارات مجلس تحرير جبال النوبة والتي تبعت الإستقالة المدوية للقائد المخضرم عبدالعزيز آدم الحلو ، الإستقالة التي قلبت الطاولة فوق رؤوس الجميع وهزت المركب بشدة ، هذه القرارات أصبحت علامة فارقة في تاريخ نضال الحركة الشعبية لتحرير السودان حيث كان هناك إعتقاد سائد – حتى وسط السكان الأصليين من أبناء المنطقتين – بأنه لا أحد غير الجنوبيين يمكنه أن يطالب بحق تقرير المصير المفضي للإنفصال ، وبأنه حتى المطالبات الخجولة والمكتومة التي كانت تسمع هنا وهناك لاتعدو كونها زيادة في السخط وفي أحسن الأحوال ممارسة ضغوط تفاوضية ، ولهذا لم تكن هذه الدعاوى تحمل محمل الجد لدي الكثيرين خاصة من الحالمين ذوي النزعات الطوباوية والذين لم يمحصوا بواقعية في دفاتر الصراع في السودان ووطئته الثقيلة على مناطق بعينها. ودعونا أن نكون صريحين ونكرر ماقلناه مرة أخرى حيث لامجال لإخفاء الحقائق هنا، بأن هناك مناطق وعناصر بعينها في السودان ظلت تتحمل وطئة الصراع بما لايمكن تخيله للآخرين في سبيل مشروع وحدوي شاعري مشروع جداً وكلنا مؤمنون به إلى الآن ، ولكن وكما قلنا من قبل أيض اً ودون تحميل كل المسؤلية المباشرة لجهة بعينها على وجه الخصوص حيث في رأيي ورغم الأخطاء الكثيرة والتي يتحملها كل المعنيون من تنظيمات تقدمية ولبرالية في كل السودان بما فيهم الحركة نفسها ، فإن ظروف ووضعية معينة في الصراع قد تكون أكبر من إمكانيات الجميع – المتاحة على الأقل في الوقت الحالي – قد أدت للنتيجة المنطقية التي نعيشها اليوم. فرغم كل هذا الكفاح والمآسي المريرة التي خاضها الهامش على درب النضال الطويل حتى يومنا هذا فلا تخطئ العين ولا الأذن أن لا أحد في باقي السودان الكبير يبالي أو يهتم ، بل حتى أن هناك أغلبية كبيرة جداً بالمناسبة لاتدري أصلاً أن هناك مشكلة وأن هناك أناس يحترقون فعلياً لحل مشكلتهم هم أنفسهم! بل أحياناً تجد الشماتة ، ومعظمهم يحملون المسؤلية للمجني عليه!! هذا أمر مؤسف و فشل زريع للقوى التقدمية في شمال السودان وتردي وهزيمة كبيرة في معركة الوعي والتي كانت تتطلب المزيد من التضحيات والتجرد من هذه القوى وتغيير التكتيكات والإستراتيجيات وتغيير العقلية نفسها والتي كانت في كثير من التنظيمات التقدمية الشمالية تحمل المرض العضال نفسه والذي لايدري أصحابه أنهم يحملوه. ففي الوقت الذي تجد فيه أن المواطن البسيط العادي في مناطق الهامش يحمل وعي سياسي عميق متقدم جداً يشمل في فهمه كل السودان وهو مايساعده حتى الآن على الإحتراق بصبر وجلد عجيب بالنسبة لنا نحن سكان المدن ، ففي المقابل تجد أن أخاه في الجهة الأخرى لايدري حتى أنه موجود وإذا عرف أنه موجود فهو موجود كعدو ، هذه العقلية والوضعية التي فشل كل مثقفي السودان مركزهم وهامشهم منذ أيام الجنوب في إختراقها
)ما عدا كما قلنا الإختراق النوعي الكبير والوحيد الذي أحدثه د. جون والذي تم إجهاضه بسلسلة من المؤامرات والدسائس المحلية والعالمية لاتصدق! كان ضحيتها هو نفسه!!( فإن هذه الوضعية هي الأب الشرعي للتيار الجديد الذي يمور الآن والذي في طريقه للإكتساح.
نعود لرفاقنا الشماليين بعد أن وضحنا لماذا هم ظاهرياً في ورطة وقد يلاحظ البعض إستخدامي لكلمة )ظاهرياً( لأني أنا شخصياً لا أعتقد أن هناك ورطة ، فمعظم رفاقنا الشماليين اللذين لبوا نداء النضال النظامي المباشر بإندراجهم في صفوف الحركة والجيش الشعبي لتحرير السودان غالباً قد فعلوا ذلك بفهم عميق للثقافة الإنسانوية المعاصرة ، وأغلبهم – وهم أنبلنا – يندرج تحت إطار صفوة إنسانية شديدة النبل هي ثمرة ما أنتجته المسيرة الإنسانية حتى الآن ، ويعلمون أن هناك أرضيات متعددة للنضال وتقديم التضحيات )بطبيعة الحال أنا لا أتحدث هنا عن المغامرين وأصحاب الأجندة واللذين إنحرفت بهم السبل( ، ففي إعتقادي المتواضع أن الأرضية الفكرية والأخلاقية التي يجب أن يساند بها الشماليين من غير المنطقتين المشروع الجديد للحركة وهي في رأيي أرضية أكثر مثاليةً ونبلاً من الأرضية المتخيلة التي ذكرناها والتي دعونا أو لاً مع إستماح العذر نكرر شرحها مرة أخرى بإختصار وهي الوحدة عن طريق إحتراق شعوب ومناطق محددة وهي وحدة حتى وإن تحققت بإنتصار الحركة على الأرض وإنتهى الأمر بحكمها )الحركة(
ومؤيديها لكامل السودان غير مضمونة أن تعيد الوضع على ماهو عليه مع مرور الزمن مع ماكينزمات إعادة الإنتاج القوية لدي المركز )لا أقصد الحكومة هنا – أقصد المركز الإسلاموعروبي – الحكومة جزء من هذا المركز ليس إلا( ومقدرته على إعادة التدوير وتفريغ الأشياء من مضامينها وهو الأمر اللذي سوف لن يمكن شعوب الهامش من أن تنضج ذاتياً ) حتى وإن كانت رحلة النضوج مؤلمة كما يحدث في الجنوب( وتختار مشروعها النهضوي دون ضغوط وتأثيرات مباشرة من المركز حتى بعد ذهاب الإنقاذ إلى الجحيم. أما الأرضية الأخرى التي ندعو لها الرفاق من غير المنطقتين وندري أن معظمهم واعون وليسو بحاجة أن تقدم لهم هذه الدعوة هي الأرضية الجيفارية وهي أنه ليس بالضرورة أن تكون كاسترو ينتهي نضالك بتحرير بلدك أو منطقتك فقط ، بل بتحرير جزء من الإنسانية في كل مرة على الأقل لتنال حريتها حسب سياق الصراع لدينا والذي يتضح فيه الحق والباطل جلياً لكل مثقف يعتنق الثقافة الإنسانوية في آخر ما توصلت له من تجليات فكرية وثقافية قاصدة نحو مزيد من الأنسنة ومعترفة بأوجه قصورها وتحاول تداركها ، والتحرير في مقابل مشروع الجماعة الطيبة القاصد )المسيرة القاصدة( والتي حتى الآن لاندري إلى أين هي قاصدة ، هل إلى الرب في عرشه لتسلمه شيئاً معيناً مثلاً ، أي رب هذا الذي يرضى بتسليمه هذا الشئ فوق جماجم وأجداث البشرية ليرضى؟! )نفس العقلية التي أنجبت داعش( ، أنه المشروع الذي يجب أن لانسمح لأجيالنا القادمة أن تتربى فيه سواء بقيت الإنقاذ أو ذهبت.
إذاً في الختام .. ماذا بعد في إعتقادنا مايجب أن تفعله الحركة بعد توحيد صفوفها بما فيها من رفاق من غير
المنطقتين في المرحلة القادمة ، بعد إتفاقنا بأن درب النضال في النهاية واحد )سواء أن قاتلت هنا أو هناك فأنت مقاتل من أجل الحرية(:-
أولاً: يجب محاولة إحياء مشروع تحالفات جديد شبيه بمشروع الجبهة الثورية بعد دراسة وتمحيص وتشذيب المشروع السابق ومعرفة أسباب فشله وتطويره ، وأن تكون هذه هي إستراتيجية التحالفات الجديدة الأولى ، وليس التحالف مع قوى السودان القديم – كالصادق المهدي مثالاً – بل والإنجرار خلفها في مشروع التسويات. يجب العودة مرة أخرى إلى إحياء تحالفاتنا مع عمقنا الإستراتيجي في الحركات المسلحة الأخرى حتى لو سعينا لتقديم تنازلات غير مخلة بمشروعنا )فبحق السماء من أجدر بتقديم التنازلات له ، الصادق المهدي !!! أم رفاقنا في الحركات المسلحة الأخرى ، كنت أقسم منذ أن ظهر لنا الصادق بأنه )سيفرتق( ليس الجبهة الثورية بل الحركة الشعبية نفسها وأقول لعل الرفاق سكارى( إذا كان لابد من تحالفات مع عناصر من السودان القديم على هذه الشاكلة يجب أن تكون تحالفات من الدرجة الثالثة وأن تكون هذه العناصر هي المنجرة ورائنا كما فعل معها د. جون.
ثانياً: يجب أن تنفتح الحركة على جماهيرها في جميع الأصقاع داخلياً وخارجياً وتوسع من مواعينها دون خوف ووجل حيث قد أصبحت القضية واضحة ومحددة جداً الآن ويسهل تعقب ومحاسبة الإنحراف والاعوجاج في التعاطي معها ، هذا إذا كان التقوقع والتنفير السابق سببه الخوف من الإنحراف بمسيرة الحركة حسب مخيلة زمرة معينة لم تكن حتى القضية واضحة في أذهانهم وذلك حتى إذا حاكمناهم بمعايير الطرح القديم.
ثالثاً: مساندة جميع شعوب الهامش السودانية كحلفاء إستراتيجيين لنيل حقوقهم بما فيها حق تقرير المصير إذا كانوا راغبين فيه بل وتشجيعهم على ذلك. الأمر الذي سوف يسبب صداعاً كبيراً للمركز.
رابعاً: الإستفادة من الزخم الجديد ومحاولة فتح جبهات جديدة في الميدان وغيره والإستفادة من الإمكانيات الضخمة التي يمكن أن تتوفر لدي الحركة من إمكانات بشرية ولوجستية ومادية وإمكانيات دبلوماسية بما فيها جماعات ضغط )لوبيات( والتي لا أعتقد حتى الآن أن الحركة قد أخرجت من جعبتها أكثر من عشرة في المائة من هذه الإمكانيات على أرض الواقع نسبة للقصور الواضح في إدارة إمكانيات الحركة في الفترة السابقة بل وكتم بعضها الأمر اللذي كان واضح اً للعيان.
خامساً: محاولة تخفيف الوضع على السكان المحليين في مناطق سيطرة الحركة والواقعين في جبهات القتال بأقصى مايمكن ، ففي النهاية فإن معظمنا من مؤيدين ومتعاطفين وجمهور للحركة الشعبية – حتى العديد من كوادر الحركة
الشعبية – موجودون بعيداً عن جبهات القتال أو يتواجد فيها على فترات ومهما حاولنا فإننا لاندري ماهي المعاناة التي يتكبدها هؤلاء المواطنون الشرفاء في سبيل التحرر فسماع قصص المعانا أو حتى مشاهدتها عن قرب ليس كمعايشتها كأحد السكان الأصلاء اللذين ليس لديهم غير مناطقهم وإن فروا منها لجوئاً فليس حالهم بأفضل. ولهذا يجب مراعاة أن تكون آلية تمثيلهم في عملية إتخاذ القرار من أدنى المستويات القاعدية وليس المثقفين فقط ، بأقصى درجة ممكنة من الفاعلية والواقعية والعمل على التوعية المستمرة لهم وكذلك التعلم منهم بصدق. ففي النهاية هم من يتحملون الوطئة الأكبر في سبيل مشروع تحرر الجميع.
أخيراً وليس آخراً ، حيث لايمكن أن تكون الإضائات أعلاه قد أحاطت بكل شئ ، أرجو أن أكون بغض النظر عن الموضوع الذي خصص له المقال قد عبرت عن جزء من وجهة نظر الكثيرين من جمهور الحركة الشعبية المنتشرين في جميع البقاع في داخل وخارج السودان بخصوص الأحداث العاصفة الأخيرة .. العاصفة التي تحمل في قلبها بذور الفرصة ، فكما يقولون فإن كل أزمة تأتي وهي تحمل معها فرصة جديدة .. أيها الرفاق ، لاتفوتوا الفرصة!
كوكو موسى