حتي لا يدور السودانيين في حلقة مفرغة في الإجابة علي سؤال من أشعل الحرب، يجب أن نعلم بأن الحرب الحالية في البلاد خطط لها والمتسبب فيها ويديرها اولئك السودانيين بالجبهة الإسلامية القومية (الحركة الإسلامية) الذين هربوا الي تركيا العلمانية من الحرب التي أشعلوها، للعودة إلي السلطة مرة بعد أن فشلوا في تحقيق رؤيتهم وشعارات الإسلام السياسي.
استغلت هذة المجموعة وما زالت تستغل جنرالات الجيش المختطف من الحركة الإسلامية، وما نطالعه الان من مظاهر مؤسفة وماساة الحرب العبثية ب70% من مدن السودان المختلفة يؤكد بأن مشكلة السودان في الأساس داخلية ولا علاقه بها بالخارج كما يجتهد منسوبي الحركة الإسلامية وبقايا نظام المؤتمر الوطني تصويرها.
والهاربين الي خارج البلاد في تركيا من قادة الحركة الإسلامية هم العامل الخارجي الرئيسي لإستمرار الحرب ليعودوا إلي السلطة مرة أخري، وهم يدركون تماما بأن فشلهم في إدارة الدولة السودانية طوال ٣٠ سنة الماضية ورغبتهم المحمومة للعودة من جديد للسلطة بعد سقوط نظام المجرم عمر البشير هي التي أدت إلي أشعال الحرب الحالية ولن يتوقفوا عن ذلك حتي لو أدي ذلك الي تشطير البلاد الي دول وجزر معزولة متناحرة ومتناثرة غارقة في الفوضي.
هذة المجموعة التي هربت الي تركيا ليس لها مصلحة في إيقاف هذة الحرب العبثية ولاايجاد حل لمشكلة البلد الحالية أو سابقا، ومشكلة السودان كانت ومازالت في كيفية إدارة وحكم البلاد، ومؤخرا إفرازات إستمرار حكم العسكر والمؤسسة العسكرية لدولة النخب المركزية، فحكم العسكر ومجموعات نخب الجلابة المتماهي مع الأصولية الإسلامية هو الذي انهك السودان كثيرا وطويلاً.
وما نشاهده اليوم من عدم إكتراث أحد منهم لوقف الحرب هو قمة سنام المشكلة الكبرى للسودان القديم لرغبة مجموعة نخب الجيش المختطف من تيار إسلامي انتهازي العودة إلي السلطة بإستماته مهما كانت تكلفة العودة إلى السلطة، ودغدغة مشاعر الناس البسطاء بشعار الإسلام هو الحل الذي مازال يجول في مخيلة انصار السودان القديم والغارقيين في ماضي الدولة السودانية القبيح.
وما يقوم به مجموعة الجيش المختطف والاستخبارات بالولايات ومجموعات الحركة الإسلامية الجهادية مما يسمي بالعمل الخاص والاستخبارات والامن الشعبي وكتائب البراء لإفتعال حروب ونزاعات إثنية بين مكونات. سودانية تعايشت مع بعض لأكثر من قرن من الزمان في أكثر من مدينة، وتغذية ذلك العنف والعزف علي وتر الإستنصار بالقبائل هو مخطط تنشط فيه قيادة الجيش بلا وعي لاشعال حرب من نوع آخر تأجيج النزاعات الاثنية علي أمل أن تجمع حشد شعبي حولها ولو الي حين.
لكن ذلك لم ولن يغير في معادلة الحرب لصالح معسكر جيش الحركة الإسلامية وابنه العاق مليشيات الدعم السريع. وحقيقة أن السودان في ظل هذة الأفكار والمخططات الكيزانية الشيطانية مهدد بالتفكك وهو ما يحلم به العنصريين والإستعلائيين من الحركة الإسلامية الذين يرغبون في الوجود بالسلطة حتي وان كان في كيلومتر مربع واحد.
لكن في ذات الوقت هناك مؤشرات كثيرة وجيدة ومشجعة بأن السودان سيبقي واحداً وموحداً والشعوب السودانية التي يعمل الجنرالات الاسلام السياسي فتنها مع بعضها البعض ستصمد في وجه هذه المخططات الانقسامية وستقوم دولة تسع الجميع دون تمييز تقوم علي انقاض الكراهية والعنصرية والاستعلاء الثقافي والديني من جماعة الهوس الديني هذة.
ومجموعة جنرالات وعسكر السلطة عليها أن تدرك أن البلاد لا تحتاج إلي مزيد من القتل والعنف والدمار، بقدر ما تحتاج الي حوار حقيقي شفاف حول ماهية الدولة السودانية وكيفية حكمها وإيقاف فوري للنار يسمح بانقاذ الملايين من السودانيين الذين يواجهون الجوع وانعدام ضروريات الحياة.
وعلي جنرالات الجيش المختطف من جماعات الهوس الديني أن تدرك أن للحفاظ علي ما تبقي من السودان الذي فصلوا وقسموا نصفه أيضا فقط للبقاء في السلطة، يحتاج الي حوار ضروري وعاجل يعالج جزور المشكلة السودانية ويفتح عهداً جديداً للدولة السودانية وينهي الحروبات وينهي حكم العسكر والي الأبد وليس الي تمليش الأفراد والقبائل كما عهدنا ذلك من الجيش السوداني منذ تأسيسة والي اليوم.
الفاضل سنهوري
٢٢ يونيو ٢٠٢٤م.