بقلم: محمد خميس دودة
صُممت اللغة للدفاع عما لايمكن الدفاع عنه ، واللغة هي اساس العملية التواصلية بين البشر وتهدف الي الغاية الفعالة والمنتجة ، حيث يسمي طرفي التواصل بالمتحدث والمستمع او الخطيب والمُخاطب وتكون اما بصورة تلقائية بغية توصيل معني محدد وواضح او مصممة مسبقاً يهدف الي خلق مجال التأثير لإقناع ودفع المخاطب لتغيير وجهة نظره في منصة حوار الأفكار ، وهنا يأتي دور البلاغة التي تجعل للغة تأثيرات تدغدغ العواطف وتستدعيها .
وكما عرفه الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو ، أن الخطاب هو “منظومة فكرية تنتظم من مجموعة آراء ومواقف واتجاهات منظمة منهجياً لضبط شئون الحياة “
فإن اي خطاب مقنع يرتكز علي “الصدق ،القوى والتاثير ” فالفيلسوف اليوناني ارسطو قد حدده في مثلثه البلاغي “الثقة ، مناشدة العواطف واعتماد المنطق”
وبرغم تعدد اوجه الخطاب الا ان اكثر الأنواع تداولاً في عصرنا هو الخطاب السياسي الذي بصدده فندنا هذه السطور .
فالخطاب السياسي يستند في تصميماته الي مدارس في صياغاتها ، ويعتقد الفيلسوف جورج اوريل ان الخطاب السياسي اذا اختلف في اساليبه في التصميم فتتفق في جعل الكذب صدقاً والقتل مشرفاً والدفاع عما لا يمكن الدفاع عنه .
أما اللغات الشائعة التي تستخدم في الخطاب السياسي فقد قسمها الفيلسوف الامريكي نعوم تشومسكي الي نوعين، وهما :
اللغة الخشبية،
واللغة الرنانة
فالخشبية تستخدم في نوع الخطاب النمطي التلقيني التي تستخدمها مدارس النخبة في حرف الانتباه عن القضايا البارزة ، وتتغذى هذا الاتجاه عبر انتاج كوادر منسوخة غير واعية ، وهي دوماً ما تستند في خطاباتها في اللاوعي المركون والمستلف من السابق ، ويتميز هذا الخطاب بالتجرد والغموض وتجنب الواقع والحشو والتكرار والتعابير والمجازات الرديئة.
فالملاحظ في واقع الخطاب السياسي السوداني وخصوصاً في مدرسة النخبة السياسية السودانية قد اصبح محل جدل واستغراب ، ويعتبر منحط عندما نقارنه بالخطاب الحديث والصاعد .
فخطاب مريم المنصورة بت المهدي وزيرة الخارجية في مصر مطلع مارس الجاري يثبت انها استلفت في صياغته مفردات من اللاوعي السياسي عندما أرادت ان تربط واقع العلاقة بين مصر والسودان وتعولها الي علاقة استثمار بما يخدم شعبي البلدين ، الا ان واقع الخطاب القديم (الاتنشطت بيها بت المهدي) وعقل السيد و العبد في منهج الانصار تغلب عليها فطالبت مصر باستعمار الفائض من أراضي السودان ، وهي تعتبره حديث طبيعي جداً لأنها تغذت بها ولا تملك غيرها.
فأما اللغة الرنانة ،
فأذكر كنا في أحد اركان النقاش للقوى الثورية الحديثة بالسودان ضحك الجميع عندما قال احد الكوادر المتحدثين ” اننا اكتر تنظيم قاعد يقدم خطاب سياسي رنان وفضفاض…
لأن طابع التلقين غلب عليه ، فعجز عن أن يميز بين فضفاض ودغداغ في الخطاب السياسي .
فالخطاب الرنان هو من ضمن أساليب الخطابة السياسية التي وصفها جورج اوريل في تصنيفاته اللغوية دوماً المتحدث فيه يقوم بتغليف الآراء المنحازة بطابع علمي كإقحام مصطلحات توحي بالحيادية ك ” حاسم ، واقعي ، حريص ، شفيف ، عهد جديد ، بطولي ، تاريخي …الخ “
وليضيف المتحدث طوابع العظمة للخطاب يستخدم كلمات أجنبية دخيلة مستقاة من لغات أخري معتقداً انها خلقت واقع حضاري ومناخ ثقافي متنوع ، إلا ان بينه وبين المستمع شرود ذهن وتباعد فهم .
انتهي