*محمد عبدالله ابراهيم*
*الثورة السودانية:*
ان الشعوب العظيمة هى التي تبني البلدان العظيمة وإنما الحكومات هى الأداة، وما كان يحدث في السودان هو العكس حتى قبيل قيام الثورة السودانية، حيث عمل النظام البائد وهو يعتبر اسوء تحالف للسلطة وللثروة على تكريس كل ماهو موجود في السودان لخدمة اهدافه ومصالحه عن طريق استخدام العنف والارهاب ضد الشعب السوداني، حتى اصبح مصير ومستقبل السودان وحياة شعبة في ايدي حفنة من الناس يتحكمون فيها كيفما يشاءو، لدرجة ان اصابهم الغرور في الانفراد بالسلطة المطلقة والتمتع بثروات البلاد، فكان لابد ان تقوم حركة احتجاج جماهيرية تطالب بتوفير ابسط ضرويات حياة الانسان، ورافضة لتلك السياسات التى عقدت حياة المواطن البسيط، وجعلته لا يستطيع الإيفاء بمتطلبات اسرته البسيطة المتمثلة في توفير قوت يومهم من مأكل ومشرب ناهيك عن التعليم والعلاج، وسريعاً ما امتدت الاحتجاجات الى المطالبة بتغيير النظام من أجل احداث تغيير جزري في بنية الدولة السودانية ، يعاد من خلاله هيكلة الدولة السودانية على أسس جديدة تلبى تطلعات الجماهير في الحرية والسلام والعدالة والعيش الكريم، ومن هنا انطلقت شعارات الثورة التى شاركة فيها جميع قطاعات الشعب السوداني، في منظر مهيب ورهيب في اداءها وسلميتها وعزيمة ثوارها من أجل الحصول على دولة راعية وليست دولة قاتلة وناهبه، ولا شك ان ما حدث هو تغيير عملاق وكبير في واقع السياسة السودانية، افضى الى اسقاط اسوأ حكومة مرت على تاريخ السودان، وعلى الرغم من اسقاط النظام الإ ان هنالك اجزاء عديدة من بنيته لا تزال موجودة، وحقيقة ما دعاني لإستدعاء هذه المقدمة هو اعترافي بان الثورة السودانية هى ثورة شعبية خالصة خرجت من رحم الجماهير الذي احسن قيادتها بشهادة العالم اجمع، دون ان يتصدرها حزب او كيان، ولا سيما ظهور قوى الحرية والتغيير الذي تبنت قيادتها مؤخرا.
*الأحزاب والتنظيمات السياسية السودانية:*
على الرغم من ان هنالك عدة تعريفات للحزب السياسي الا اننى أرى ان الحزب السياسي هو مجتمع اشخاص تجمعهم افكار تمثل مشروع سياسي، اجتماعي وثقافي لغرض الوصول على السلطة بوسائل وآليات مختلفة، ولهم ادوار مهمة في حياة المجتمع اهمها تبني مشاكل واحتجاجات المواطنيين والسعى على وضع مقترحات لحلها مع السلطات الحاكم، وبالنظر على الاحزاب السودانية نلاحظ ان هنالك فوضة مفرطة في عملية الاحزاب والتحزب، جزء منها من انتاج الأنظمة الشمولية والجزء الآخر من انتاج الممارسات السياسية لقيادات الاحزاب نفسها، حيث لا يعقل ان نجد اكثر من حوالى مائة حزب سياسي في الساحة السياسية السودانية، ، واغلبها ليست لديها برامج ورؤى سياسية، جزء كبير منها تندرج تحت مسمى احزاب الفكة وهى دائمة المشاركة في الحكومة، ولا يهتم قياداتها بشئ سوى تحقيق المصالح الشخصية المتمثلة في المال والتوظيف، كما ان الجزء الآخر نجد ان اغلب افكارها وبرامجها السياسية مشتركة بل تكاد ان تكون متطابقة، في كثير من الاحزاب السياسية السودانية، وعلى حسب متابعتي للحياة السياسية في السودان، وصلت لقناعة خلاصته ان كثرت هذه الاحزاب هو دليل ازمة سياسية شاملة في السودان، وينبغى لنا ان نحملها المسؤولية مثلها ومثل النظام اللنقاذ البائد عن التدهور والخراب الذي حدث في السودان طيلة سنوات الاستقلال الى يومنا هذا، كما انني اعتقد ان هذه الاحزاب تفاجئة بثورة الشعب السوداني، ولم تضع في ادني حزبانها ان ثورة الشعب السوداني سوف تسقط النظام، ويظهر هذا جلياً في ممارسات احزاب قوى الحرية والتغيير في فترة ما بعد سقوط النظام، حيث تابعنا جميعاً الاخطاء والمواقف التى كادت ان تؤدي الى ضياع مجهودات وتضحيات السودانيين ونسف ثورتهم العظيمة، حيث الاخطاء من البداية مروراً بجولات التفاوض المارثونية مع المجلس العسكري، كما ان الاتفاق الذي وقع اخيراً مع المجلس العسكري، لا يختلف كثيرا عن الاتفاق الذي تنصلت عن توقيعة قوى الحرية والتغيير في فترة ما قبل فض الاعتصام، وهذا اثبت بجلاء ان هذه الاحزاب اصابتها صدمة سقوط النظام، مما جعلها غير قادرة على استيعاب ان المتغيير الذي حدث هو ثورة شعبية سودانية خالصة شاركة فيها جميع قطاعات الشعب السوداني، الرافضة للظم وسياسة الانفراد بالسلطة، ولقد شاهدنا كثير من المواقف المربكة داخل هذه الاحزاب، والذي يتعامل بعضها بنفس العقلية القديمة والتكتيكات المستخدمة في فترة ما قبل سقوط النظام البائد وهذا هو نفس السلوك الذي ساهم في اطالة عمد معاناة الشعب السوداني وساعد على ان يستمر حكم النظام البائد طوال ثلاثون عاما مضت، ورغم اعترافنا بان هذه ادق مرحلة حساسه يمر بها السودان في تاريخه السياسي، بحكم الثورة الشعبية التي استوجب على جميع السودانيين واحزابهم وتجمعاتهم السياسية الرضوخ لقراراتها في إقامة دولة سودانية على اسس جديدة تحترم الجميع وتصون الحقوق، إلا انه لازالت احزابنا السياسية لم تستوعب الدرس بعد، في ان تقدم الاولوية للقضايا الوطنية، وان تمتنع عن استخدام الاساليب القزرة في السلوك والتكتيكات الحزبية، ومحاولة ان يحقق بعض الاحزاب اكبر قدر من الاهداف والمصالح الحزبية والتنظيمية الضيقة تحت غطاء الثورة، غير آبه ان تعجيلها لفترة ما بعد اقامة السودان الجديد وتحقيق التغيير المنشود، وتهيئة المناخ الملائم لممارسة الديمقراطية ليكون الشعب هو الفيصل.
ومن زواية النظر على مجريات الأحداث السياسية الراهنة في السودان، يمكن ان نخلص القول ان احزابنا السياسية لا تزال تعيش في صدمة سقوط النظام ما بين التصديق والكذب، مما أثر ذلك على الاداء السياسي حتى داخل اورقة الحزب الواحد، والتخبط الملحوظ في ركوب موجة التغيير لمواكبة المرحلة، وثبت ذلك في الفراغ الذي شهدة السودان طيلة اربعة اشهر من تاريخ سقوط النظام، والفشل الكبير في عدم امكانية الوصول الى تكوين الحكومة إلا مؤخرا، مع العلم ان التغيير والانتقال السياسي الذي حدث في السودان، يفرض على جميع الاحزاب والتنظيمات السياسية إعادة النظر بشكل دقيق في مشاريعها السياسية ومراجعة سلوكها ووسائلها في كيفية تحقيق اهدافها، اذا ما ارادت البحث عن موطي قدم لها في السودان الجديد الذي يقبل الآخرين بان يكونوا آخرين دون استحقار او استهتار لأحد، ويستمد سلطته من الجماهير، من غير استهبال سياسي.
*الحركات المسلحة ومستقبل السلام:*
السودان هو اكثر بلدان العالم على مر التاريخ شهد حروب اهلية ساحقة اثرت كثيراً على تقدمه واذدهاره، وعقعدته سنيناً طوال في مربع الفشل، كما ان معظم هذه الحروب نتاج طبيعي لسياسة الحكومات السودانية التى فشلت على الدوام في تحقيق العدالة وكيفية إدارة التنوع، ويممن ان تدخل هذه موسعة قيتس للارقام القياسية كأكثر الحكومات خاضت حروب ضد شعوبها، هذه الحروب اثرت كثيرا على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحتى الحياتية للانسان والحيوان في السودان، مما خلقت مرارات لاذعة في النفوس، كل هذه نتيجة لحكم النخب التي ادمنت الظلم والاستبدات، فكان من الطبيعي ان يتصدى لها الذين وقع عليهم هذا الظلم التاريخي العميق، وهم الذين نظموا انفسهم وانخرطوا في حركات الكفاح المسلح، بإعتبارها الوسيلة الوحيدة المتاحة للتعبير عن رفض الظلم واللاستبدات الذي ظل يمارسها حكومات المركز الفاشية، القمعية المستبدة، ويصنف نظام الجبهة الاسلامية البائد، بانه اكثر الانظمة الفاشية التي صنعت الحروب في السودان، ومارست القتل ضد شعبها، ولم تقف عند هذا الحد فحسب، حيث استخدمت كل موارد الدولة الاقتصادية والبشرية ضد المنافسين سياسيا لها، وخاصة المعارضين من حركات الكفاح المسلح، فقدمت الرشاوي والوظائف لبعضها وزرعت الفتن داخلها ادت الى نشوب حروب وحدوث صراعات ادت الى انقسامات خطيرة وكثيرة على مستوى الحزب والحركة الواحدة، وذلك من اجل اضعاف الاحزاب وحركات المقاومة المسلحة حتى تتمكن من السيطرة عليها، وعلى الرغم من ذلك صمدت الحركات واستبسل جيوشها في ميادين القتال، مقدمين آلاف الشهداء والجرحى على مدي تاريخ طويل من النضال، ارهقت حكومات المركز كثيرا ماديا ومعنويا حتى وصلت مرحلة الفشل في ادارة الدولة.
بما ان السودان يشهد اليوم وضعاً جديدا من صنع شعبه، يتمثل في ثورته العظيمة الذي اسقطت اكبر نظام فاشي قمعى امنى في العالم، هذه الثورة التى قادها نفس الذين زاقوا مرارت الحروب، يجب ان تفضى هذه الثورة في المقام الاول الى وضع حلا جزرياً شاملا لقضايا الحروب في السودان، وهذه قضية ان لم نحسن التعامل معها، سوف يدفع ثمنها الجميع، وبما ان الجميع يبحث عن تحقيق السلام، يجب على حركات الكفاح المسلحة التعامل بمسؤولية وطنية تجاه الوطن واخلاقية اتجاه ضحايا الحروب في السودان، وقبل ان تبدأ هذه الحركات في التفاوض من اجل تحقيق السلام، عليها ان تبدأ بتحقق سلام داخل مكوناتها، وقبل ان توافق على الجلوس في طاولة الحوار عليها ان توافق على الجلوس للحوار مع بعضها البعض، وقبل ان تصل لإتفاق مع الحكومة عليها ان تصل على اتفاق ما بينها على مستوى التنظيمات وعلى مستوى اعضاء التنظيم الواحد، وقبل ان يكون الهدف هو توقيع السلام والذهاب الى الخرطوم للحصول على منفعة كما في عهد النظام البائد والذي تعود عليه البعض، يجب ان يكون الهدف هو اسكات صوت السلاح وتحيقيق السلام، لأن السلام هو الأم المرضعة لكل بلد، والمحافظة على السلام هو أصعب من صنعه، وذلك لأنه ببساطة يحتاج إلى كثير من الظروف الملائمة والإرادة القوية والجهود المتضافرة، لذلك لا بد ان يعلم الجميع ان السلام لا يولد في المؤتمرات الدولية بل في قلوب الناس وأفكارهم.
تعليق واحد
اعجبني هذا الموقع صوت الهامش كثيرا لانه منبر اعلام هام لكل المهمشين والمظلومين بشتي انواع الظلم في بلادي.اشكر كل من ساهم في تاسيس او تطوير هذا الموقع . واخيرا اود من كل المثقفين والكتاب من ابناء الهامش ان لا يدخرو جهدا في المساهمة بالكتابة والنشر في هذا الموقع حتي يصل قضايا ومطالب المطهضين الي العالم اجمع . لكم جزيل الشكر ادارة الموقع.ياسر عبدالله