واشنطن _ صوت الهامش
تسائل الناشط السياسي والكاتب المخضرم ” بول روزنبرغ ” في قناة الجزيرة الإنجليزية عن أسباب تجاهل وسائل الإعلام الغربية للانتفاضة السودانية، حيث يحارب المواطنون بسلمية في جبهتين، الطغيان والتدخل الروسي؟!.
وأبدى “روزنبرغ ” تعجبه من انشغال العالم اليوم بقصص عدة كصعود الشعبوية اليمينية، أو ما أسمها بـ “قصة دونالد ترامب” إن صح التعبير، أو ما يعرف بالبريكست، وتزايد القومية في قارة أوروبا – وخاصة في الشرق – والاتحاد السوفياتي السابق .
وأشار إلي أن القصص يمكن أن تتغير بسرعة، متسائلًا عن ما حدث لقصص كالحرب على الإرهاب؟ أو الركود العظيم؟ أو الربيع العربي؟ قائلاً: “من يدري ماذا ستكون القصة بعد ذلك؟ ربما تكون قد كتبت بالفعل في السودان ، مع أصداء العديد من القصص الأخرى المطوية فيها”.
ولفت الكاتب في حوار له إلى أن ما يقرب من ثماني سنوات قد مضت على أحداث “الربيع العربي” في “تونس” والتي أطاحت بنظام الرئيس “بن علي” الذي استمر 23 عاماً في سدة الحكم، كما بدأت انتفاضة السودان الحالية في مدينة “عطبرة” ، معقل نقابة السكك الحديدية في الـ 19 من ديسمبر، وسرعان ما انتشرت الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد، إلا أنه بعد شهر من ذلك، ظل “عمر البشير” الذي وجهت إليه المحكمة الجنائية الدولية تهمًا عديدة منها الإبادة الجماعية، ظل يتشبث بالسلطة، بينما يتجاهل الإعلام الأمريكي، ناهيك عن حكومة الولايات المتحدة ، إلى حد كبير، الوضع برمته.
ووفقاً لـ”جوناثان هوتسون” الذي ساعد في فضح انتهاكات حقوق الإنسان في السودان من 2010 إلى 2014 – وتوثيق 46 عملية حرق للقرى المختلفة، وتحديد ثمانية مقابر جماعية ظاهرة، كما أنه أيضاً مهندس مشروع القمر الصناعي “الحارس” التابع لـ “جورج كلوني” فإن القصة التي يفتقدها الغرب في السودان “تاريخية”.
وقال “هوتسون” في حوار له مع “موقع “صالون” الإخباري: ” أن وسائل الإعلام الغربية أساءت إلى حد كبير أو تجاهلت ثورة في بلد أفريقي لصالح الرئيس الروسي “بوتين” ، هذا البلد الذي تحكمه ثيوقراطية إسلامية ، وحيث تلتزم المقاومة بحرية التعبير وحرية التجمع وحرية الدين، أضف إلى ذلك أن التقارير الصادرة حول أحداث الشغب تفيد بأن تلك الأحداث قد اندلعت بسبب “الطعام” تقلل إلى حد كبير من خطورة الأحداث، والتورط الروسي مع القوات شبه العسكرية (حسب التقارير الصادرة تحت إشراف “يفغيني بريجوزين” ، الملقب بـ “طباخ بوتين” ).
وفي الـ 31 من ديسمبر الماضي، نشر “هوتسون” موضوعًا في 33 تغريدة يكشف عن الوجود الروسي في السودان بالصور والمعلومات التي قدمها النشطاء على الأرض، حيث كانت هذه المعلومات حول التوغل الروسي “غير القانوني” هي المعلومات التي تم تطويرها وترويجها من قبل شركة “سودان توجت ناو” ، وكذلك من قبل فريق استخبارات الصراع في روسيا .
وكتب المبعوث الأمريكي والخبير المخضرم في الشؤون السودانية البروفيسور”اريك ريفز” في الـ 24 من ديسمبر، أن التقارير الإخبارية عن السودان بدأت أخيرًا في تسليط الضوء على الانهيار الاقتصادي المستمر في السنوات السبع الماضية، ولكن حتى مع ذلك، هناك سطحية وفشل ملحوظين للنظر إلى أي عمق تاريخي بدأت بسببه الكارثة الحالية.
ونوه ريفز أن الأولوية كانت دائمًا في ميزانية الدولة لعقود من الزمن نحو الخدمات العسكرية والأمنية، مع تخصيص مبالغ ضئيلة جداً للصحة والتعليم والقطاع الزراعي، فالأراضي الصالحة للزراعة قد بيعت أو استأجرت لعقود من الزمن من أجل جمع الأموال، وباختصار، فإن تقارب البشير السياسي مع روسيا بوتين “عميق”.
أما بالنسبة للشعب السوداني فيقول “روزنبرغ ” بأن ما يحدث الآن ليس تقليد للربيع العربي، بل هو في الحقيقة العكس: “الثورات المدنية في السودان أسقطت الديكتاتوريات مرتين، أولها كانت في عام 1964 ومرة أخرى في عام 1985، فالانتفاضة الشعبية أصبحت شكلًا من أشكال المعايير السياسية التي يلجأ إليها السودانيون في إعادة تعريف عقدهم الاجتماعي مع الدولة كما أشار “لوكا كول” الأستاذ السوداني في الدراسات الأمنية.
ووفق تحليلات “روزنبرغ” فإن السودان قد نجى من الموجة الأولى من انتفاضات الربيع العربي جزئياً بسبب أن الحكومة كانت قد تعلمت من الأمثلة السابقة، حيث استغلت الانقسامات الإقليمية والعرقية والإثنية والدينية، وكسرت شوكة النقابات المهنية وأبقت على الجيش مشتتاً خارج العاصمة “الخرطوم” إلا أن استمرار سيطرة الحكومة الخانق قد دفع السودان إلى تجاوز نقطة الانهيار، ولم تعد حيل البشير القديمة تنطال على السودانيين.