نبوكين
كنت في طريقي إلي مدينة ليون عاصمة إقليم الرون في فرنسا، عندما علمت بحفلة البلابل هنالك، كتبت في عجل الي زملائي في هيئة تحرير نبوكين عن وجهتي، وانه ربما يكون بامكاني إجراء حوار مع البلابل، تحمسوا للفكرة وامدوني بمعينات وأفكار للحوار، وصلت الى موقع الحفل ولم أتمكن من مقابلتهن حتى مواعيد بدء الحفل، فأصبح إجراء اللقاء خارج حساباتي .
كانت الصالة مكتظة بالحضور قبل بداية الحفل في انتظار ظهور البلابل على المسرح .. تضايقت من التهاب ربيعي الم بي فقررت الخروج من القاعة، والتجول في ردهات الفندق الفخم ..في الممر الطويل أمام قاعة الحفل وجدت هادية وآمال كما الفراشات في حلة صفراء زاهية، ألقيت التحية وقدمت نفسي فقالت لي هادية: نوبينقا فريينا؟ فأجبتها بالإيجاب فأعادت السلام بأريحية هذه المرة، وانفرجت أساريرها ..تجاذبت معهن أطراف الحديث ونقلت رغبتنا في إجراء حوار لنبوكين مع تعريف بالإصدارة، وذكرت ضمن التعريف بان الأستاذة سعاد واحدة من مؤسسي الصحيفة، فارتفع صوتها مباشرة بحسرة: وييا ووو سعاد.
واتفقنا علي أن نتقابل في فترة الاستراحة لإجراء الحوار.
شعرت براحة عميقة تنتابني بعد هذا اللقاء العابر، وزالت كثير من الحواجز التي تعودت أن أضعها دائما في مخيلتي تجاه المشاهير .. كيف لا وهن البلابل أشهر مطربات السودان اللائي تربعن علي قلوب وعقول السودانيين وهن يافعات وما زلن ..
تجاوب منقطع النظير من جماهير المهاجر المتعطشين للغناء السوداني.. هي المرة الأولي التي احضر حفلا للبلابل .. إي إبداع هذا الذي تتفرد به هاتين المبدعتين… ما أن انتهت الوصلة الغنائية الأولى، حتى أشارت لي هادية: يلا تاننج
في الصالة المعدة للاستراحة عرفت سر بنات طلسم وكنه هذا الإبداع المتدفق، انه الوعي ..الوعي الذي يزرع في دواخل الإنسان التواضع والثقة بالنفس فيفجر شلالات الإبداع الكامنة في الدواخل.
الوعي الممزوج بالبساطة والتواضع.
خلال هذه الجلسة التي استمرت زهاء الساعة تغيرت لدي الكثير من الانطباعات التي كانت قد ترسخت في ذهني عنهن ..كنت أظن أن بنات طلسم يستخدمن النوبية فقط لأداء اغنياتهن النوبية، لكنني وجدتهن يستخدمن العربية لأداء الأغنيات، بينما النوبية هي لغة التخاطب.
indexكنت أظن أن هادية هي صاحبة الفكاهة، وبينما كنت اجلس بينهن، فوجئت بان آمال هي من توزع الابتسامة ولها في كل موقف طرفة أو نكتة.. مزيج بين الوعي والبساطة وذكاء سعاد وكرمها(تشرب شنو؟ تاكل شنو؟) وتفرد وردي وعبقريته الغنائية, وأريحية وحنية الفتيات في ريفنا النوبي الحبيب، شكلت شخصيتهن المتفردة.
قالت لي هادية ضاحكة: عاوز تسألنا من شنو؟ أنت ما خلاص عرفتنا جاوب براك ونحن واثقين فيك ..
أدرت جهاز التسجيل وكان الحوار الذي اخذ طابع الونسة، وقبل أن تكتمل الونسة الممتعة أتي من يخبرنا أن الوصلة التالية قد بدأت، وان الجماهير في الانتظار لتقديم الوصلة، وانقطع حوار كان يمكن أن يستمر ساعات طويلة.
ليون، نبوكين: عبدالحكيم نصر
– بعد أن ملئت البلابل سماء السودان بالغناء الجميل، فجأة اختفن عن الساحة الغنائية لفترة طويلة، ومؤخراً بدأن العودة تدريجياً مرة اخرى؟
تجيب الأستاذة آمال، لظروف أسرية اضطرت كل واحدة مننا الذهاب مع اسرتها كما كل السودانيين الى دولة اخرى بحثاً عن الاستقرار وتكوين الذات، انا ذهبت مع زوجي واولادي الى دولة الامارات العربية المتحدة التي عشت فيها حوالي 11 عاماً، واختى هادية ذهبت مع زوجها واولادها الى اميركا، وبقيت حياة في السودان، فاضطررنا الى الافتراق وبالتالي توقف الغناء الجماعي الذي كنا نقدمه ونحن مازلنا مستقرين كلنا في السودان. في 2001 لحقت بأختي هادية في اميركا، وبقينا هنالك نشارك في بعض الانشطة والفعاليات التي تنظمها الجالية السودانية، علماً بأنه قبل ذلك لم يتوقف نشاطنا الفردي، اذ اصدرت هادية كاسيت خاص بها في اميركا، وكذلك فعلت حياة في السودان، اضافة الى مشاركتها في عدد من الأعمال الدرامية والمسرحية، فحياة خريجة كلية الدراما والمسرح، اما أنا وهادية خريجات كلية الموسيقى. بعد وصولي لامريكا في اصبحنا نشارك في مناسبات الاعياد والحفلات الخاصة بالجالية السودانية في اميركا في مختلف الولايات، ونظمنا يوم خاص بالسودان أقيم في حديقة “سنترال برك” في نيويورك، وتكرر ذلك في عدد من الولايات منها “ديترويت” و “شيكاغو” التي قدمنا فيها اغاني نوبية وسودانية، بمشاركة فنانين اخرين من مختلف بقاع السودان بما فيها الجنوب، منهم يوسف الموصلي وعلي السقيد وعمر بانقا ومحمد ادروب، وهدفت الفعاليات الى التعريف بالوجه الأخر للسودان، فالسودان في مخيلة غير السودانيين في ذلك الوقت، بلد يضج بالحروب والقتل والابادة الجماعيثة والتوحش، بسبب ما كان يحدث في دارفور، وبالفعل ساهمت تلك الفعاليات في التأكيد على أن الموسيقى هي لغة السلام، ويمكن عبرها بسهولة ان تعرف الأخر عن ثقافتك وتاريخك افضل من اي لغة اخرى. في في نهاية عام 2008م، قررنا العودة للسودان وتجديد حضور البلابل في ساحة الغناء السوداني، ونظمنا أول حفلة في اواخر شهرديسمبر 2008، في مسرح نادي الضباط، تلتها عدد من الحفلات الأخرى، خلال فترة توجدنا التي تجاوزت الست شهور.
تلتقط هادية الحديث: لكن كما تعلم في السودان هنالك مواسم للغناء، رأس السنة والميلادية والاعياد، واعتقد يرجع ذلك لعدم توفرالمسارح كما هي في دول العالم الاخرى، اذ لا يوجد غير مسرح نادي الضباط، قاعة الصداقة ، والمسرح القومي في امدرمان. يوجد صالات مغلقة لكنها تصلح لاقامة المناسبات الخاصة فقط ولا يمكن ان تكون بديل للمسارح المعروفة. اخترنا مسرح نادي الضباط لاقامة اول حفلة بعد العودة لانه كبير اضافة الى ان المسؤول عنه نوبي حسن قرشي – عبدالحكيم – اوع يكون عبدالمجيد “مجيدتي” – لا ليس عبدالمجيد قريبك، وانما محمد حسن قرشي.
– بعد الغياب الطويل عن السودان، هل وجدتم جمهوركم .. وهل شعرت بتاثير الغياب الطويل على حضوركم وسط جمهوركم؟
هادية: بالعكس، طبعاً نحنا بعدنا عن السودان لفترة تجاوزت العشرين عاماً تقريباً، اذكر ان اخر فعالية قمنا بها كمجموعة في السودان كانت في عام 1988، وكانت سهرة تلفزيونية مع الفكي عبدالرحمن- الله يرحمه، ومنها لم نعود كمجموعة الى السودان الا في اواخر 2008م. لا اريد ان اقول باننا تفاجئنا بما شاهدناه، لكن رغم غيابنا عن السودان لاكثر من 20 عاماً، مع ملاحظة اننا تركنا السودان ونحن مازلنا شباب ونعبر عن جيلنا في ذلك الوقت، اذ ان من يردد اغنياتنا ويحضر حفلاتنا كان فقط جيل الشباب، وعندما عدنا في 2008، طرحنا نفس الاحساس والغناء الشبابي التي كنا نغنيها في ذلك الزمان، لكننا وجدنا قبول وانتشار لاغنياتنا وسط كل الاجيال والاعمار، بما فيهم الاطفال. …تقاطع امال:، احكي ليكم نكته، حفلتنا الاولى وهي التي اقيمت في نادي الضباط وكانت في يوم جمعة، يحكي لي واحد من بلدياتنا حلفاوي، انه وزميله كانا ذاهبين لحضور حفلة نادي الضباط، وتفاجاوا بان كل الشوارع المحيطة بالنادي مغلقة تماماً، فمازح مرافقة قائلا “ايه النهار ده الوقوف بعرفه وله ايه؟”. تواصل امال، كان هنالك اقبال منقطع النظير، هادية بالنوبية مازحة: وفي ناس كمان جوا يشوفوا الحاصل لينا..هل كبرن؟صوتهن كيف؟ تتدخل امال :خليني احكي ليكم نكته تانية، حصل خلاف مع الجهة المنظمة للحفلة، فاضطررنا الى عمل الاعلانات وتوزيع البوسترات في الشوراع عن طريقنا نحن، وكلفنا بذلك اولاد اخواتي والاقرباء من الاسرة، اتاني ابن اختي الصغير اسمه سامي، وهو في غاية الغضب ينادي ” يا خالتو” كنا بنلصق البوستر في واحدة من الصواني، جانا عمك كبير بتاع شمارات، يشوف البوستر مكتوب فيهو شنو، وقراً الاعلان بانه حفلة للبلابل قام قال (لا حول الله.. يحيي العظام وهي رميم.. ديل لسه حيات.. انا افتكرتهم ماتوا).
تكمل هاديةحديثها: استطيع ان اقول من تجربة الحفلة الاولى في نادي الضباط، الذي جمعت كل اطياف المجتمع السوداني، اخوان، شيوعيون، حزب امه ، حركة شعبية، ديموقراطي، بعثيين..الخ” بان الفن قادر على ان يجمعنا كسودانيين رغم اختلاف الاراء والمواقف السياسية، اضافة الى ان الفن يبقى في الوجدان مهما غبت او بعدت عن الساحة، وذلك ما شعرنا به من الحلفة الاولى وسط جمهورنا. عبدالحكيم : اضافة الى ان الساحة الغنائية كانت مصابة بجفاف بسبب هجرة اغلب الفنانيين الجيدين وسياسات الحكومة. امال: جفاف وتصحر كمان، مافي ملحنيين جيدين ولا توجد كلمات تضيف للغناء السوداني، فانكب الفنانيين الجدد على ترديد اغنيات غيرهم، فتوقفت حركة الابداع في السودان منذ سنوات واصبح الفنانيين يجترون القديم.
– يتهمككم الكثيرون بانكم بعيدين عن الغناء النوبي ؟
هادية: نعم سؤلت هذا السؤال اكثر من مرة، لكن دعني اقول لك حتى الراحل محمد وردي عندما بدأ، كان يغني باللغة العربية، واغلب جمهوره من متحدثي اللغة العربية، رغم انه انتج العديد من الاغاني النوبية، لكنه لا يغنيها الا لجمهور نوبي، لذلك عتبي كله على وسائل الاعلام في السودان، فمثلا لو ذهبنا للتلفزيون او الاذاعة سجلنا خمسة أغاني 2 منها باللغة العربية و 3 باللغة النوبية، سيبث التلفزيون او الاذاعة اغاني اللغة العربية ويتجاهل اغاني اللغة النوبية، لانه ايضاً يبحث عن مستمعين يركز على الغالبية، اما مهمة نشر الثقافات والتعريف بها اصبحت خارج حسابات اجهزة الاعلام المتحيزة لثقافة الوسط فقط.
تضيف امال:سبق ان سجلنا اسطوانة لصالح شركة دال، ضمن مشروع توثيق بعض الاعمال النوبية، وكان من المفترض ان يسجل الاسطوانه الراحل محمد وردي، لكن القدر لم يسمح له بذلك، وللاسف الاسطوانه لم تكن تجارية لذلك لم ينتشر، رغم ظهور بعض اغاني الاسطوانه على اليوتيوب كاغنية مصطفى عبدالقادر “اي فجورين باينا”. لكن هنالك ظاهرة جديدة ملاحظة، ان الاغاني النوبية اصبحت منتشرة، يرددها حتى من هم غير نوبيون كاغنية “عديلة”، وبدأ الاعلام يسلط الضوء على الاغاني النوبية، اضافة الى وجود فنانين مجتهدين يتواصلون بشكل جيد مع الاعلام مثل الشاب أمجد صابر الذي يهتم بالجانب الاعلامي، ما اوجد ما هو اشبه بالصحوة الثقافية النوبية.
عبدالحكيم : فعلا انا لاحظت زي صحوة نوبية، وفي فيديو شاهدته قبل يومين عن حفلة زواج يغني فيه فنان نوبي، هنالك مجموعة من الاطفال اعمارهم لا تتجاوز الخمس سنوات يرقصون بشكل منتظم ويرددون الاغنيات؟ هادية : النوبيون بشكل عام بدأوا ياخذون حيز كبير في الاعلام، مقارنة بالمناطق الاخرى في الشرق او الغرب او الجنوب، واعتقد ذلك لكثرة المبدعين والفنانين النوبيين الملتزمين بالغناء باللغة النوبية، حتى في اماكن سيطرة ثقافة الوسط، اضافة الى كثرة المبدعين النوبيين، وهذا نتاج طبيعي للحضارة النوبية التي سبقت أي حضارة اخرى في السودان. وحقيقي ينقصنا فقط فضائية نوبية، فمثلاً ناس بورتسودان لديهم قناة خاصة بهم الآن ( عبدالحكيم مقاطعاً : قناة بورتسودان قناة حكومية)، لذلك اعتب على اصحاب رؤوس الاموال النوبيين إهمالهم لهذا الجانب، اضافة الى عدم وجود مهرجانات ثقافية نوبية بشكل منتظم، فمثلا مهرجان حلفا نظم مرة واحدة واختفى، لماذا لا يكون بشكل سنوي، يزال الجدار الذي يفصل بين النوبة في مصر والسودان، اذ ليس هنالك نوبي مصري ونوبي سوداني كلنا نوبة، وياريت الناس تتوحد وتستعيد مجدها وتاريخها. وشخصياً اتمنى ان يكون هنالك اذاعة وتلفزيون نوبي. الامر الاخر، لماذا لا تكون هنالك فرقة نوبية ضخمة، تضم كل الفنانين والمبدعين النوبيين، تنتج اغاني ومسرحيات ودراما ورقص، وتنشر الحضارة والثقافة النوبية داخل السودان وخارجة، لو كان لنا مالاً لما تاخرت عن انشاء هذه الفرقة، فذلك استثمار افضل من البترول.
لماذا يتميز النوبيين يتميزون باصوات جميلة؟ كنت سألت هذا السؤال لمحمد وردي، فاجابني بان النوبيون عادة يقفون في المشرع…. ؟
هادية : لو لاحظت الاثيوبيون واللبنانيون والمبدعين في شرق السودان يسمى اصواتهم جبلية لكثرة الجبال في بيئتهم، يعني البيئة تاثرحتى في الصوت وطبقاته، ونحن طبعاً الزراعة والنيل والاراضي المسحطة، لذلك اصواتنا تتميز بالوضوح وطول المدى الصوتي، وزمان الناس كانت من غير ميكرفون وتسمع كل الحضور.
حكيم : كان يحدث ان تستطيع سماع فنان يغني شرق النيل وان تسكن غرب النيل وتميز صوته.
هنالك سؤال يردده الكثيرون، حول مشاركتكم في المهرجان النوبي، وما أعرفه من الراحلة سعاد بأن هذا المهرجان كان المفترض ان تنظمة شركة دال في متحف كرمة، لكن عبدالرحيم محمد حسين وعبدالمجيد حولوا المهرجان من كرمة لوادي حلفا لاسباب غير معروفة، او كما يشاع لكسب ود النوبيين الذين يعانون من عدم وجود خدمات؟
أمال: اولاً نحنا ما كنا عارفين حاجة عن المهرجان وحيثياته. تقاطعها هادية : أنا شخصياً من خلال علاقتنا مع شركة دال من تجربة الاسطوانة التي انتجناها لهم، سمعت بالمهرجان، وفي ذلك الوقت كان الحديث عن عمل ثقافي نوبي يضم عدد من المبدعين النوبيين في عدد من المدن والمناطق النوبية، فمثلاً زكريات ولولي تغني في الخرطوم، وفنان او فنانة اخرى تغني في مدينة اخرى او منطقة اخرى، ووقتها اقترحت انا لمجموعة “دال” التي تبنت تمويل المشروع، بان يشرفوا على تنفيذ المشروع بانفسهم، وليس منح الجهة او الشخص المنظم الميزانية وتركه ينفذه كما يشاء، فكثير من التجارب تؤكد أن الجهة الممولة هي الاحرص على التنفيذ بالشكل المطلوب، لكن لا لا ادري العراقيل التي حدثت، فالمشروع تحول الى مهرجان نوبي في مدينة حلفا، ويشرف عليه عبدالمجيد محمد عبدالمجيد (محدثة امال:قريبو بالمناسبة)، اذ ان فكرة تنقل المهرجان من جهة لاخرى كانت جيدة. المهم ذهبنا الى حلفا ضمن مجموعة كبيرة من المبدعين والمثقفين النوبيين اضافة الى المشرفين على المهرجان، واذكر انه كان يفترض مشاركة مبدعين من نوبة مصر، وحسب ما سمعت بانهم عرقلوا في اسوان من قبل الحكومة المصرية ولم يستطيعوا الحضور، وشارك غازي سعيد الذي كان يتواجد في السودان في تلك الايام، كما ان الفنان محمد منير كان من المفترض ان يشارك في المهرجان، وارسل له سيد عكاشة للاتفاق معه، لكنه عاد من دونه مبرراً ذلك بان الفنان محمد منير طلب مبلغاً ضخماً للحضور، لكنني كنت ارى ان يأتي محمد منير باي مبلغ يطلبه لانه مؤثر على مستوى مصر والعالم العربي وله مكانته ووزنه، وفنان مثله يحتاج الى مبالغ كبيرة لتجهيز فرقته والظهور بالمستوى الذي يليق بمكانته. يقاطع حكيم : الانتقاد كان حول مشاركتكم في تسليط الضوء على رعاية عبدالرحيم محمد حسين للمهرجان.
هادية: ماصح، ما المفروض يقال هكذا بان المهرجان برعاية عبدالرحيم، ولم يقل لنا احداً ذلك ونحن كبلابل لم تكن لدينا فكرة عن هذا الامر، يعني عبدالرحيم كان مجرد مشارك والعبء كله كان على ناس دال. معتمد حلفا في ذلك الوقت شعرت بانه شخص جيد، ووعد في المهرجان بانه سيقدم كل التسهيلات لاي شخص يريد ان ياتي الى حلفا يستثمر ويعمر المدينة ويسكن فيها. حكيم مقاطعاً : حلفا بعد اغراقها تجمع النوبيون وبنوا حلفا أخرى، لكن للاسف عندما اقيمت الجمارك تم نقلها الى الحدود بما يعني انهم يستهدفون قتلها مرة اخرى.
هادية: بصراحة عندما رايت حلفا بعد غياب، وجدت كمية من الفوضى والتسيب بطريقة ما عادية، حتى لون مياه النيل تحولت الى اللون الاخضر، الذي يدل على الاهمال، ياتي قوافل الصيادين من مصر والمناطق الاخرى يصطادون دون اي مراعاة للبيئة، ومن دون اي متابعة من مسؤول او حكومة، لماذا يصطاد الناس عندنا دون حسيب او رقيب،. يقاطع عبد الحكيم، حتى معبر اشكيت داخل الحدود السودانية! تجيب هادية : انا اعتقد انه الناس اصلا ما تنتظر الحكومة، فهي ان كانت مهتمة باحوالنا لما حدث كل ذلك، لذلك آن الاوان ان يتوحد النوبيين .
بعد كم سنة من الغياب زرتي حلفا؟
هادية: ما طولت كتير، اخر زيارة اظن كانت في التسعينات، وهذا لانني لم اكن مستقرة في السودان، والواحد ما بخاطره انه يكون بعيد، لكن هنالك ظروف تجبرك على الابتعاد. تحديداً انا وامال في حالة عدم استقرار دائم حتى الان، بعد عودتنا في نهاية 2008 مافي استقرار، ذلك ان مقومات الاستقرار التي تتمثل في ان يكون لك مصدر رزق ثابت، وتوفر تعليم جيد
لابنائك، ومكان تسكن فيهو غير متوفرة لنا.
عبدالحكيم : ليه البلابل بعد كل هذه السنوات ليس لديهم مصدر دحل ثابت، ليس لديهم مكان للاستقرار ووسيلة حركة؟
هادية: أنا بفتكر أنه طول عمرنا منذ أن بدانا الغناء- بالمناسبة اسرتنا كلها معلمين- لم يحدث ان غنينا من اجل جمع اموال خاصة بنا، يمكنك القول حتى عام 1988 كل غناء البلابل لم يكن من أجل جمع اموال، اذ ان كل الحفلات التي كنا نقيمها كانت لصالح بناء فصل، او مدرسة او عنبرفي مستشفى، ولذلك اصلاً ما انتبهنا، ومن الذي كان يتخيل ان يمر علينا زمن “أغبر زي ده”، وبالمناسبة هذا حال اغلب الفنانين في ذلك الوقت، وما عملنا قروش لانه لم يكن هدفنا القروش. ولذلك حصلت هجرة كبيرة جداً للفنانين، مغنين، مسرحيين، مبدعين..الخ، كلها بحثاً عن الاستقرار خارج السودان، ولذلك حدث القطعة والفاصل الكبير في تواصل الاجيال بين المبدعين، وانا بشبه ذلك بسباق التتابع في الماراثون العالمي، في اتنين من حاملي الاعلام غير موجودين وهؤلاء يمثلون المبدعين الذين هاجروا من السودان.
ناتي للقضية المهمة جداً، قضية السدود، موقف البلابل من قضية السدود في دال وكجبار؟
امال : “دي دايره ليها درس عصر كمان، نرفض السدود”، “منو البخليهم يعملوا سدود بنكسر ليهم الدنيا” تضيف هادية: قال لي احدهم بأن السدود شر لا بد منه،لكن الخلق الكون رب العالمين، ولا احد يعرف اكثر منه سبحانه وتعالى، حتى تاتي لترحل ناس من مناطقهم وتغرق المنطقة، اليوم السد العالي الذي رحل بسبب ملايين البشر، عبارة عن كوم طمي يغلق كل الابواب، وحتى تجرى له صيانه يكلف اكثر من بناء السد نفسه. عبدالحكيم : قبل يومين وزير السدود المصري في لقاء بخضور الرئيس السيسي قال بان السد العالي خرج عن الخدمه، فاوقفه الرئيس السيسي قائلاً: له لاتتحدث عن تفاصيل. امال: نعم السد العالي تحول الى كوم طمي مقفل ويعاني كل مشاكل الدنيا،سلبياته اكثر من ايجابياته. لماذا لا نستثمر في الطاقة المستدامة بالطريقة الصحية التي تحافظ على البيئة، لماذا لايكون هنالك مشاريع مثل مشروع مصدر في الامارات.
سؤال هل البلابل علي استعداد للغناء ضد السدود؟ هادية: جداً ليه لا، اسي انا شاركت في حفلة امجد صابرلمعجبيه، وريت الشباب يبكي في اغنية ترفض السدود، نحنا غنينا للهجرة وماعندنا مانع، واتفقت مع امجد نشوف الشباب البرقصوا ديل نكون فرقة ونعمل غنى ونبحث عن التمويل.
الان الفنان مكي على ادريس يعكف على انجاز “اوبريت” ضخم ، ويرى مكي ان
البلابل لازم تشارك؟
هادية:جداً، عندنا شنو غير الغناء، ونحن بنجد نفسنا في الغنى النوبى أكثر من أي غناء اخر، وجاهزين للمشاركة.
في هذه اللحظات اتت من تنبه بان الوصلة التالية قد بدأت وان الجماهير في الانتظار.
اثناء خروجنا سالت هادية عن رأيها في بعض الرموز النوبية مثل وردي وسعاد
قالت “ياحليو” محمد وردي و سعاد ابراهيم احمد هؤلاء رموزنا الذي نفاخر بهم، لكن ملاحظتي لاولاد محمد وردي، ان لا يمنعوا أحداً من ترديد اغاني وردي، الفكرة ليست قروش، محمد وردي يجب ان يستمر من خلال اصوات الشباب الذين يرددون اغانية
كنا قد وصلنا الي قاعة الحفل وجهاز التسجيل لا يزال يعمل والونسة لم تنتهي.. قالت لي: ما تجي بكرة نواصل اللقاء بالنهار في الفندق فاعتذرت لها لانني ساعود الي سويسرا بعد انتهاء الحفل مباشرة..
بعد الفاصل ودعت بنات طلسم علي امل مواصلة الحوار