لندن:صوت الهامش
رصدت مجلة الإيكونوميست البريطانية معاناة الشباب الإريتريين الفارين من التجنيد الإجباري لأجل غير مسمى في بلادهم إلى السودان في طريقهم إلى أوروبا، قائلة إنهم يواجهون في السودان الكثير من العقبات الصعبة.
ونوهت المجلة -في تقرير على موقعها الإلكتروني- عن أن هؤلاء الشباب الإريتريين في السودان معظمهم يشتغلون أو ينتظرون أموالا يرسلها أقارب لهم سبقوهم إلى أوروبا حتى يتسنى لهؤلاء أيضا الرحيل إلى حيث هؤلاء الأقارب في الشمال؛ لكنهم سيجدون الرحلة أصعب مما وجدها مَن سبقوهم.
إن أعداد الإريتريين الذين تمكنوا من اجتياز كل مراحل الرحلة عبر الصحراء والبحر المتوسط عابرين السودان – أعداد هؤلاء قد انخفضت في السنوات الأخيرة؛ وقد سجلت حالات عبور الحدود انخفاضا نحو الثلثين بمقدار 9 آلاف مهاجر في الفترة بين 2010 و2016، بحسب مفوضية الأمم المتحدة للاجئين.
ونبهت المجلة إلى أن الأعداد الحقيقية ربما كانت أعلى بكثير، لا سيما وأن أعدادا كبيرة من الإريتريين يدخلون إلى السودان دونما تسجيل؛ ويقول أحد السماسرة المهربين إنه أرسل 150 مهاجرا من الخرطوم إلى ليبيا ومصر العام الماضي، مقارنة بـ 300 إلى 400 مهاجر عامي 2014 و2015؛ كما أن نحو 21 ألف إريتري هاجروا إلى أوروبا عام 2016، مقارنة بأكثر من 39 ألفا عام 2015 حيث كان الإريتريون يمثلون أكبر مجموعة مهاجرين يصلون إيطاليا.
وأكدت الإيكونوميست وقوف الحكومات الأوروبية على أن الناخبين في بلادهم قد ضاقوا ذرعا بالمهاجرين الفارين من الحروب والفقر عبر البحر المتوسط؛ وعليه فقد عمد الاتحاد الأوروبي إلى تقديم أموال لإغراء دول العبور من تركيا إلى النيجر للحد من تدفق المهاجرين.
ويواجه الإريتريون أيضا عقبة أخرى في هذا السبيل تتمثل في مخاطر الاختطاف قرب الحدود الإريترية-السودانية الخطرة؛ غير أن تهريب المهاجرين عبر الحدود في المنطقة لا يزال مستمرا دونما توقف؛ ويقول ديجين -19 عاما- إنه تعرض للتقييد لنحو 42 يوما على أيدي مختطفيه بعد الهروب من أحد معسكرات التدريب الإريترية؛ وبعد أن دفعت عائلته فدية تم نقل ديجين إلى مخيم الشجرب بالقرب من الحدود.
ولفتت المجلة إلى أن الثلث فقط من الإريتريين المسجلين من جانب مفوضية الأمم المتحدة للاجئين ممن يدخلون السودان يتم تسجيلهم كـلاجئين؛ وفي غضون أشهر قليلة يتسلل نحو أربعة أخماس هؤلاء من مخيم الشجرب حيث يستقلون سيارات تنقلهم إلى العاصمة الخرطوم، وهناك يلتقون سماسرة يرتبون لرحلتهم المقبلة إذا ما توفرت معهم الأموال اللازمة لذلك.
وأشارت الإيكونوميست إلى أن الحدود الليبية مع السودان لم تعد سهلة العبور كما كانت من قبل؛ ففي العام الماضي تعرض المئات من الإريتريين والإثيوبيين للاعتقال على أيدي قوات الدعم السريع السودانية، وهي وحدات مكونة من ميليشيا كانت تعرف في السابق باسم الجنجويد وهي متورطة في ارتكاب عملية إبادة جماعية في إقليم دارفور السوداني؛ وقد تم ترحيل الإريتريين المعتقلين؛ ويقول أحد المهربين “إن الطريق إلى ليبيا لا يزال متبعا، لكنه محفوف بالمخاطر”.
ويتزايد تجنّب الإريتريين السفر عبر ليبيا التي تعصف بها الحرب الأهلية؛ لكن السفر عبر مصر -غالبا بالسيارة وبعدها بالقطار- لا يضمن نجاح العملية هو الآخر؛ وتقول ميرون اصطفانوس، وهي ناشطة سويدية-إريتريرية تحاول مساعدة إريتريين محتجزين، إنها الآن تستقبل مكالمات من أقارب لمسجونين في مصر أكثر مما تستقبل من مكالمات من أقارب لمختطفين على أيدي عصابات في ليبيا.
ورصدت المجلة اتجاه الكثيرين إلى الهجرة صوب الشمال (أوروبا) عبر السودان ومن بينهم سودانيون، لا سيما من إقليم دارفور، ومن بينهم أطفال الإريتريين الذين فروا من الحرب مع إثيوبيا في حقبة التسعينيات، ومن بينهم أيضا إثيوبيون.
وينفق الاتحاد الأوروبي على الأقل نحو 115 مليون يورو في السودان، معظمها على مجالات كالتعليم والتغذية، في محاولة لتوفير أسباب للبقاء في البلاد أمام هؤلاء المهاجرين العابرين؛ ويقول مسئولون في الاتحاد الأوروبي إن الأموال التي بدأ اعتمادها في شهر أبريل 2016 سيتم التعامل معها عبر وكالات دولية؛ ويقول أحد هؤلاء المسئولين في الاتحاد الأوروبي إنهم “يناقشون” وليس “يتفاوضون” مع حكومة رئيسها منذ 28 عاما -عمر البشير- مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية على خلفية تورطه في إصدار أوامر بعمليات إبادة في إقليم دافور؛ غير أن عمليات الاعتقال على أيدي قوات الدعم السريع وعمليات الاحتجاز مؤخرا لمقيمين إريتريين منذ فترة طويلة في الخرطوم – هذه العمليات تشير إلى أن النظام السوداني يريد إظهار أن باستطاعته الحد من تدفق المهاجرين.
واختتمت الإيكونوميست قائلة إنه “طالما ظلت حكومتا إريتريا والسودان القمعيتان في السلطة، فإن الناس سيحاولون الهجرة إلى أوروبا مهما اكتنفت المخاطر تلك الرحلة الطويلة التي تلجأ فيها بعض النساء إلى تناول وسائل منع الحمل تحسبًا للتعرض للاغتصاب، فيما يلجأ آخرون إلى حفظ بعض أجزاء من القرآن تحسبا للوقوع في أيدي مختطفين جهاديين في ليبيا؛ لكن كثيرين ظلوا في السودان فترة طويلة تكفي لرؤية أحبة اختفوا في الصحراء أو غرقوا في مياه المتوسط، وهؤلاء المنتظرون في السودان لا يحبذون الرحيل ولو أنهم وجدوا إمكانية للدراسة أو العمل بدلا من إلقاء القبض عليهم، فإن القليلين فقط من بينهم سيخاطرون بإتمام الهجرة إلى الشمال.