مقبول الأمين (كوكامي)
في المقال السابق توقفنا عند رؤية وتصور الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، لحل المشكلة السودانية وتحقيق السلام العادل و الشامل و وضع حد للحروب الطاحنة التى لازمت البلاد لسنوات عجاف من خلال مخاطبة ومعالجة جذور المشكلة السودانية. قطعا مسودة الإتفاق الإطاري لإيقاف الحرب و تحقيق السلام، التى قدمتها الحركة الشعبية في منبر جوبا التفاوضي مؤخرا، و تم التحفظ على ورفض بعض بنودها من قبل وفد الخرطوم المفاوض من غير اي مبررات عقلانية و موضوعية، تحمل في طياتها معالجات جذرية للأزمة السودانية لا سيما علاقة الدين بالدولة، الهوية، وغيرها من القضايا الجوهرية كما تطرقت لقضية إصلاح القطاع الأمنى و إعادة هيكلة القوات النظامية، و الإصلاحات الإقتصادية، و القضايا الإنسانية و مسألة المواطنة المتساوية على أساس الحقوق و الواجبات.
في هذا المقال سوف نفرد مساحة مهمة عن الصراع أو النزاع و إسقاطها على الواقع الراهن.
الصراع أو النزاع: هو ظاهرة يمكن تفسيرها، بإعتبارها ليس ساكنا بل حيويا (ديناميكيا)، يتطور بعامل الزمن. لا ينتهي كل نزاع بالعنف فهناك العديد منها يحل بشكل سلمي. و يتطلب منع ظهور النزاع العنيف (Violent Conflict) أو وقفه و فهم جذوره وحيويته (Dynamism) لذلك النزاع السلمي و العنيف، و إدراك مكونات السلام. و تطبيق سياسات و برامج و آليات متعددة تناسب نوع الصراع و المستوى الذي وصل إليه.
عرف بعض الباحثين الصراع على أنه خارجي و داخلي، ما نود التطرق له في الدولة السودانية هو الصراع الداخلي بأنه التنازع بين مجموعات مختلفة (عرقية، سياسية، دينية، ثقافية ..) من خلال مخالفات غير منطقية لأعراف الحياة اليومية للمجتمع. غير أن ممارساتها غير المنطقية لا تمنع وجود أسباب و أهداف منطقية تقف و راءها، كما هو مشاهد في مطالب العديد من المكونات الدينية و العرقية و السياسية في الدولة السودانية.
حددت بعض الدراسات العناصر المتنازع عليها في التالي:
– الموارد أو الثروة، مثل: الأقاليم و المال و مصادر الطاقة و الغذاء، و كيفية توزيع تلك الموارد بطريقة عادلة.
– السلطة إذ يتم التنازع بشأن كيفية تقسيم آليات الحكم و المشاركة السياسية في عملية صناعة القرار.
– الهوية و تتعلق بالمجموعات الثقافية و الاجتماعية و السياسية.
– الأوضاع الاجتماعية و السياسية، و منها مدى شعور الناس بأنهم يعاملون باحترام و تقدير و أن حكومتهم تحافظ على تقاليدهم الإجتماعية و الثقافية.
– القيم و خاصة تلك المتمثلة في أنظمة الحكومة و الدين و الأيديولوجية.
هذه المصالح المتناقضة المولدة للنزاع من الممكن أن ترى في:
أولا – تغيرات الظروف الموضوعية، مثل: تدني مستوى المعيشة، و تغيرات التركيبة السكانية أو حركة السكان، و التحولات التكنولوجية التي تزيد التواصل، و الإمكانات المادية، و توافر الأسلحة.
ثانيا: تغيرات الظروف غير الموضوعية (الشخصية أو الخاصة)، مثل: شعور جديد بالإمتعاض الإجتماعي الثقافي، أو بروز أيديولوجية قومية جديدة. و تنشأ الظروف الخاصة حتى في حال غياب التغيرات الموضوعية. و الإنفعال الحزبي و الذهنية الحزبية الظاهرة (الشعارات و البرامج) تؤثر في النزاع. كما أن الزمن عامل فعال حيث تحصل المكونات الشخصية للنزاع – بمرور الزمن – على أهمية التشابهات التي تملكها المكونات الموضوعية.
في النهاية النزاع لا يحدث إلا بعد تنامي الشعور بتهديد المصالح من حزب أو قبضة جماعة معينة مثل قبضة المركز “الخرطوم” أو النخبة الحاكمة على زمام الأمور و تهميش الأقاليم السودانية الأخرى على وجه الخصوص إقليم جبال النوبة – الفونج – دارفور – الشرق ثم كوش الجديدة ( أقصى شمال السودان).
الصراع الكامن و الظاهر: يعتقد بعض المراقبين بتناقض مصالح الأحزاب أو الجماعات داخل المجتمع، غير أن تلك الأطراف غير عابئه بتلك التناقضات. و هذا قد يكون بسبب غض طرف متعمد، أو بتقديم مبررات عقلانية ومنطقية لعدم وجود حاجة لتحويل التناقض إلى نزاع.
وقد يكون بسبب نقص المعرفة عند تلك الجماعات لما هو كائن من تناقض، أو نتيجة لطمس المعلومات التي تؤكد تلك التعارضات. إلا أن كل ذلك لا يعني صحة الركون إلى هذه الأسباب القابلة للتغير، و بالتالي بروز النزاع مثل الإنقلابات العبثية و العشوائية من قبل العسكر في الدولة السودانية، كما إنقلاب البرهان الغير المبررة موخرا مما أدخل الدولة في حالة صراع دموي و عدم الإستقرار .
أنواع الصراعات: يعتبر علما النفس و الإجتماع أن النزاع هو كل تنافس بين الأفراد و الجماعات في المجتمع. و بناءا عليه إنقسم النزاع إلى سلمي و عنيف:
1- الصراع السلمي (Peacefull Conflict)
عندما تتحقق المصالح و المطالب المتعارضة باستخدام آليات مقننه و منضبطة يصبح النزاع سلميا. و من هذه الآليات: الدساتير و القوانين، و التكوين الأسري و العشائري، و نظم التحاكم، و الأحكام الدينية، و الأعراف و التقاليد، و الحوار و المؤتمرات.
و تراوح هذه الآليات بين كونها غير رسمية و كامنة في العقل الاجتماعي و الفردي، وبين كونها رسمية و مدونة. و من أمثلة الأخيرة الإنتخابات و ما يعطيه الدستور من حقوق للأفراد و الجماعات من وسائل للتعبير و المطالبة بالحقوق العامة و الخاصة. و تسمى هذه الضوابط مجتمعة “نطاقات السلام” فتمنع تلك التناقضات من أن تتحول إلى نزاع عنيف و مدمر.
2- الصراع العنيف (Violent Conflict)
يصبح الصراع و النزاع عنيفا عندما تتخلى الأطراف عن الوسائل السلمية، و تحاول السيطرة أو تدمير قدرات المخالف لها لأجل تحقيق أهدافها و مصالحها الخاصة. و كما ذكرنا سابقا فإن النزاع لا يحدث إلا في ظل توفر ظروف موضوعية أو شخصية محددة.
أبعاد الصراع العنيف: حدد بعض الباحثين” أبعاد النزاع العنيف في أربعة عناصر يلزم التمعن في كل نزاع لتحديدها بدقة بقصد وضع سياسات منع نشوء النزاع أو التخفيف منه”. و هذه العناصر هي:
– المسائل الجوهرية (الأصلية)، و تكون في إحتدام الجدل بشأن التنافس على الموارد الطبيعية.
– السيطرة على الحكم، و تحديد صلاحيات الأقاليم و المناطق، و الأيديولوجيات الحاكمة.
– الأطراف أو مجموعات النزاع، سواء أكانت عرقية، أم دينية، أم إقليمية أو ثقافية أم تيارات سياسية.
– أنواع القوة المستخدمة و طرق الإكراه، مثل أسلحة الدمار الشامل، و الإرهاب، و الإنقلابات، و الإبادة الجماعية، و إنتهاك حقوق الإنسان، و التطهير العرقي. كما تم مسبقا من عمليات إبادة جماعية في إقليم دارفور من قبل النظام البائد، و ممارسة التطهير العرقي و إنتهاك حقوق الإنسان و إستخدام أسلحة الدمار الشامل في كل من إقليمي جبال النوبة و الفونج “النيل الأزرق، حيث لا تزال سيناريوهات المجازر و عمليات التخريب، و النزاعات، و الصراعات الدموية تتم في الدولة السودانية من قبل بقايا النظام البائد.
ونواصل،،،