أوريغون – صوت الهامش
نشرت صحيفة (كاثوليك سنتينل) الأمريكية تقريرا عن جبال النوبة، يقول إن تلك المنطقة جنوبي السودان منسية عالميا إلا من جانب الكنيسة الكاثوليكية التي وقفت لأكثر من ثلاثين عاما إلى جانب الشعب وهو يعاني الجوع والقصف والإهمال.
وقال الأب توماس تسكورنيا، الكاهن في نيوجيرسي، “لم يكن هنالك شيء في جبال النوبة، لا ملح، لا ملابس. حتى جاء القس مكرم ماكس غاسيس (أسقف كنيسة الأبيض السابق) وجلب معه المؤن وساعد الناس في البقاء على قيد الحياة .. ثم بدأ في جلب الكتب ثم شرع في إنشاء مدرسة ابتدائية في منطقة “كاودا”، ثم حفر الآبار حتى يتمكن الناس من الحصول على مياه نظيفة، بعد ذلك كان المستشفى ثم العيادة الطبية … إن القس مكرم جلب الكرامة والحياة لأبناء النوبة”.
وخدم الكاهن ثلاث فترات في تقديم المساعدات وخدمات التعليم بجبال النوبة، منطقة محررة في السودان وهي متاخمة لجنوب السودان. وقد خاضت المعارضة المسلحة التي تسيطر على الإقليم حربا استمرت عقودا ضد الحكومة في الخرطوم.
وقد شارك عمال الكنائس بالمنطقة في نفس المخاطر تماما مثل الناس الذين كانوا بصدد تقديم الخدمات إليهم.
وقال الأب تسكورنيا، إن “الكنيسة بكامل هيئتها نصبت تركيزها على أن تكون موجودة، وعلى أن تقول للناس: ‘أنتم مهمون. أنتم محبوبون’ لقد كنا هنالك لنكون مع الناس ولنشاركهم مصيرهم حتى لو كا ن ذلك يعني الاختباء في حفائر الثعالب إبان شن القوات الحكومية السودانية غارات بطائرات الأنتونوف الروسية لقصف أهداف مدنية”.
أما الأخت الراهبة الكومبونية آنجيلينا نياكورو، والتي خدمت مدة عشر سنوات كرئيسة للممرضات بمستشفى الرحمة في منطقة جيديل، حيث تعلمت آنجيلينا أن تصدق حواس الأطفال حتى تبقى آمنة، فتقول: “الأطفال يستطيعون السمع بشكل أفضل، ومن ثمّ فهم يسمعون أزيز الطائرات قبل غيرهم. أراهم يهرولون وأبدأ في الهرولة على أثرهم. وإذا ما سمعوا القنابل تسقط قبل أن أصل إلى الحفرة للاختباء، فإنهم يصرخون إليّ قائلين: ‘أختاه، انبطحي’ فأفعل كما يقولون”.
وهذا جون أشوورث، وهو مستشار للأساقفة الكاثوليك في السودان وجنوب السودان، وقد خدم أشوورث ككاهن في جبال النوبة في حقبة الثمانينيات من القرن المنصرم .
فيقول أشوورت : إن الكنيسة تقف في موقف متميز لتقديم المساعدة لأهالي النوبة …. “الأمم المتحدة والوكالات الدولية لا تذهب إلا إلى المناطق الآمنة والسهلة الوصول. وعلى الرغم من اعتقاد هؤلاء أنهم يعملون تحت ظروف مريعة، إلا أنه وعندما يصبح الأمر خطرًا فإنهم يعلنون الانسحاب من المكان. وإذا ما واجهوا ضغوطات من الحكومات فإنهم يغادرون. أما نحن في الكنيسة فلا نعمل تحت أمثال تلك القيود، ونقبل المخاطرة مع الحفاظ على وجودنا في ظروف صعبة”.
وفي 2011، صدرت أوامر لكافة الأجانب العاملين بالكنائس بمغادرة المنطقة، بمن فيهم الكهنة والأخوات والممرضات والمهندسين والمدرسين، وأرسل الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن ثلاث طائرات لالتقاط هؤلاء العاملين بالكنيسة. لكن لم يمتثل كل الناس لتلك الأوامر. وكانت الأخت نياكورو بين الرافضين رغم الأوامر التي صدرت إليها ممن هم أعلى منها شأنا في طائفتها وظلت في مستشفى الرحمة مع الدكتور توم كاتينا الأمريكي الذي رفض المغادرة أيضا بين عدد من الكهنة ورجال الدين.
وقالت الأخت نياكورو، في هذا الصدد، “لو أننا هربنا، فأي نوع من الرعاة نكون عندئذ؟ لقد قرر فريق كامل من الكهنة والأخوات، إضافة إلى دكتور كاتينا، قرروا البقاء. وكان ذلك عند الناس بمثابة أمل عظيم؛ إذ علموا أنهم ليسوا وحدهم، وأن الكنيسة معهم”.
ومع مغادرة الكثيرين من المتخصصن الأجانب، عانى مستشفى الرحمة عجزا في العمالة المؤهلة. وقد انضم العديد من أهالي النوبة ممن لم يحصلوا على تدريب إلى الممرضين بالمستشفى للعمل في مكان الفريق الأجنبي الذي غادر الكثير منه. وقد تولت الأخت نياكورو مع الدكتور كاتينا مهمة تدريبهم على مهارات التمريض الأساسية. وقد ظل الجميع في حالة استنفار دامت شهورا لعلاج عشرات الجرحى الذين كانوا يفدون للمستشفى جراء القصف الحكومي.
وبعد ذلك، واصل الكثير من هؤلاء النوبيين دراسة التمريض في معهد متخصص بجنوب السودان ثم عادوا إلى النوبة لاستئناف تحمل المسؤولية تجاه أبناء جلدتهم في مسشتفى الرحمة.
تقول الأخت نياكورو “هذه هي استراتيجية الكنيسة الكاثوليكية: إنقاذ الأفارقة بأيدي أفارقة، والنوبيين بأيدي أبناء النوبة، وتمكين المحليين حتى يتمكنوا من إدارة الموقف بأنفسهم … لقد وطدت الكنيسة وجودها في وجدان أهالي النوبة، وذلك لإصرارها على البقاء مع الناس في لحظات محنتهم”.