بقلم / ممدوح محمد يعقوب رزق
إن الثورة الصناعية التي قامت في أوروبا أحدثت تحولاً كبيراً في المجال التقني فبدأ الإنسان الذي لا يعرف كيف يحقق رفاهيته بفضل العقل البشري إستطاع أن يفجر ثورة علمية هائلة بتدفق الصناعات والشركات فمن أهم إنجازات هذه الثورة ظهور الطاقة الكهربائية والسكك الحديدية ، كما فجرت ثورة في عالم الإتصالات والمواصلات وغيرها من الإسهامات الأخرى فالمجتمعات ما قبل الثورة الصناعية كانت مجتمعات متخلفة في المجال الصناعي على سبيل المثال حلت محل الأيدي العاملة الزراعية الآلة . يعتبر عصر النهضة التي قامت في أوروبا من أهم العصور ، ففيها ظهرت الإكتشافات العلمية وتوصلوا العلماء إلي إكتشافات وحقائق علمية لم يعرفها الإنسان من قبل ، السؤال الذي يطرح نفسه أين المجتمعات الإسلامية من هذا التحول العالمي الكبير ؟، منذ القرنيين السادس والسابع عشر وصلت أوروبا لتلك المفاهيم العلمية المتطورة وليومنا هذا المجتمعات الإسلامية أي مجتمعات القرن الحادي والعشرون في ظل العصرنة والعولمة والحداثة تعتبر مجتمعات في قمة التخلف والتأخر والجهل بالمعرفة العلمية المادية وبعد أن ظهرت الإكتشافات والمنجزات العلمية بدأوا يبكون على الماضي والعصر الذهبي التي يسمونها والتي لم نعرف أياً من أسهاماتها للبشرية ، فيقول الشاعر محمود غنيم :-
إني تذكرت والذكرى مؤرقة … مجداً تليداً بأيدينا أضعناهُ
سل المعالي عنا إننا عرب… شعارنا المجد يهوانا ونهواهُ
ويح العروبة كان الكون مسرحها… فأصبحت تتوارى في زواياهُ
أني إتجهت إلي الإسلام في بلدً … تجدهُ كالطير مقصوصاً جناحاهُ
هي العروبة لفظ إن نطقت به … فالشرق والضاد والإسلام معناهُ
استرشد الغرب بالماضي فأرشده … ونحن لنا ماضٍ نسيناهُ
كم صرفتنا يد كنا نُصرفُها … وبات يملكنا شعب ملكناهُ
ماذا يفيد الذكريات والأمجاد والماضي وأي ماضٍ في زمن صار فيه التقدم والتطور والأبحاث العلمية إحدى سمات هذا العصر ، مثل هذه الأبيات التي ذكرها الشاعر يرددها اليوم كثير من المجتمعات العربية التي ظلت عاجزة لمواجهة العولمة والحداثة ، إن محاولة ربط العروبة مع الإسلام فيما ذهب إليه الشاعر فيها نوعاً من الجاهلية ، لقد اِعتادوا أصحاب الرسالة ربط العروبة مع الإسلام لإكتساب المكانة الرفيعة ، فهذه هي المأزق التي تعيشها الإسلام . تنظيم القاعدة كما ذكرتُ سالفاً أصدرت فتوى بقتال الأمريكيين كأن في أمريكا لا يوجد فيها مسلمون كأن الأمريكيين كلهم نصارا كما يسمونهم ، هنا الصراع يتجرد من صراع ديني إلي صر اع حضاري بحت فتدخل فيها عدة عوامل ، تقدم الغرب على الأمة العربية سياسياً وإقتصادياً ، عسكرياً وعلمياً ، مادياً وتكنلوجياً ، هل هذا التفوق سبب لظهور الحقد والكراهية أدى إلي ظهور الإرهاب والمجاهدين ؟ ، إذاً أنا أتساءل هنا كمسلم ما مشكلتي مع أمريكا وإسرائيل والغرب عموماً بعد أن اِستطعنا أن نحرر بلادنا من الإستعمار الخارجي ، حتي أمريكا كانت مستعمرة وبها تمايز طبقي لكن اِستطاعت بفضل العلم أن تحترم إنسانية الإنسان ، وإحترام حقوق الحيوان ، عكس البلدان الإسلامية تنعدم فيها حقوق المواطنة المتساوية وعدم الإعتراف بغير المسلمين فما من خُطبة من خُطب يوم الجمعة في البلدان الإسلامية إلا وهنالك دعوة معادية لغير المسلمين خاصة اليهود هذا ما اِعتدنا سماعه ( اللهم دمر اليهود وأعوانهم وأرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم شتت شملهم ، اللهم مزقهم كل ممزق ، اللهم أحصهم عدداً وأقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً ، اللهم أنصر المجاهدين في أفغانستان والعراق …) ، كان من الأجدى أن يدعو للتسامح الديني والتعايش ، وحقوق الإنسان بدلاً من التوهم بأن هنالك أعداء للإسلام والمسلمين وأن اليهود هم أشد أعداء للإسلام ، والإسلام في خطر ليستنفروا المسلمين في أرجاء العالم لمعادا من يسمونهم بأعداء الإسلام بل هم أشد عداوةً للإنسانية ، ولو كنت أنا مسلم في بلاد الغرب يتبادر هذا السؤال في ذهني لماذا يعادوني المسلمين ويكرهونني بحكم اِنتمائي الجغرافي ؟ لماذا قتل الأجانب الغربيين وتفجير السفارات وإغتيال الدبلوماسيين ؟ لا لشيء سوى اِنتماءاتهم الجغرافية أو الدينية وكم تدهشك أقوال الأئمة بأن الإسلام في خطر فهؤلاء الأئمة ما هم إلا كاذبين منافقين يمارسون السياسة في الدين لأنهم متخلفون ويسعون لتخلف المجتمعات الإسلامية من اللحاق بركب التقدم والتطور فالمسلمين اليوم منقسمين إلي مئات الطرق وأحزاب سياسية وجماعات إرهابية فالتطرف والتشدد وعدم فهم الدين وتفسيره بطريقةً صحيحة صاروا المسلمين يتقاتلون فيما بينهم وكل فئةً ترى أنها على النهج الصحيح وعلى حق لإقامة دولة الإسلام ، وتطبيق الشريعة الإسلامية التي يرونها بأنها تعالج كافة أشكاليات الأمة الإسلامية ، ويزعمون بأن عدم تطبيقها هو السبب في التخلف والإنحطاط الذي وصل إليه المسلمين ، لم يكن هذا صحيحاً أوروبا التي وصلت إلي التطور والتقدم فما وصلت إلي القمة إلا بعد فصل الدين عن السياسة ووضعوا حداً للقساوسة وسلطة الكهنوت التي كانت تشكل أكبر عائقاً لنهضة المجتمعات الغربية آنذاك. إن مزج الدين مع السياسة هي أحدى إشكاليات المجتمعات الإسلامية وبسبب ذلك ظهر الإرهاب ومن يسمونهم اليوم بالمجاهدين كما يُعد سبباً رئيسياً لتخلف المسلمين . ومن الناس من يدعي زوراً بأن سقوط الخلافة الإسلامية يعتبر سبباً في تخلف المسلمين يقول فضيلة الشيخ ناصر أبن سليمان العمر : ( منذ بذخ فجر هذه الرسالة والخلافة قائمة يتناقلها خليفة وجيل عن جيل وأمة عن أمة وأدرك العدو أنه لن تموت هذه الأمة ما دام لها أمير للمؤمنين فسلطوا سهامهم وشرعوا أسلحتهم وحاكوا المؤامرات تلو المؤامرات حتى أسقطوا هذه الخلافة وذهب الشيخ قائلاً : هذا سبب رئيسي من أسباب تخلف المسلمين ) نسأل فضيلة الشيخ ومن يؤيده ما هي الإسهامات والإنجازات العلمية والتكنولوجية التي خدمها الخلافة الإسلامية للمسلمين طيلة تجربة حكمها ؟ ، هل صنعت لهم الطائرات والسيارات ؟ هل صنعت لهم السفن والقطارات ؟ هل حققت لهم الرفاهية ؟ فهذه الدعوة ما هي إلا دعوة للرجوع إلي الوراء بدلاً من التقدم ، ففي عصرنا الحديث اليوم ظهرت جماعات وأحزاب تطالب بعودة الخلافة الإسلامية يعني هذا لا مجال لتداول السلطة لا مجال للديمقراطية يعني حكم الرجل الواحد الذي يوجه الأمة ويقرر مصيرها .
yagoubyagoub81@gmail.com